بقنابل وصورايخ خارقة للتحصينات… ضربة جوية قوية في قلب بيروت وترجيح إسرائيلي باغتيال الشبح عربيتان تفوزان بجوائز أدبية في الولايات المتحدة قوات كوريا الشمالية تدخل خط الموجهات والمعارك الطاحنة ضد أوكرانيا هجوم جوي يهز بيروت وإعلام إسرائيلي: يكشف عن المستهدف هو قيادي بارز في حزب للّـه مياة الأمطار تغرق شوارع عدن خفايا التحالفات القادمة بين ترامب والسعودية والإمارات لمواجهة الحوثيين في اليمن .. بنك الاهداف في أول تعليق له على لقاء حزب الإصلاح بعيدروس الزبيدي.. بن دغر يوجه رسائل عميقة لكل شركاء المرحلة ويدعو الى الابتعاد عن وهم التفرد وأطروحات الإقصاء الانتحار يتصاعد بشكل مخيف في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي.. طفل بعمر 14 عاما ينهي حياته شنقاً تقرير دولي مخيف....الإنذار المبكر يكشف أن اليمن تتصدر المركز الثاني عالميا في الإحتياج للمساعدات الإنسانية حرب المسيّرات.. التكنولوجيا التي أعادت تشكيل وجه النزاعات العسكرية
مطلعُ السبعينات , كنت طفلا في العاشرةِ من عمري , أقفُ مع تباشير الصباح , أمامَ سكن مدير جهاز أمن الثورة محمد سعيد عبدالله ( محسن ) , ممسكا بورقةٍ تحمل التماسا , أن يخبرني عن مصير أبي ( عمي ) والتكرم بإطلاق سراحه , حيث اصطحبه قبلَ أشهرٍ من محلِه التجاري بمدينة كريتر , رجالُ أمنٍ بلباس مدني . وكنت في انتظار خروج المسؤول أجلسُ متفرسا فيمن حولي , فأرى وجوها كساها حزنٌ لا يوصف , وقلوبا كسرها قهرٌ لا يطاق , ونفوسا ذللها ظلمٌ بلا حدود . كان أكثرُنا كبارَ السن من الجنسين , وقليلٌ من نساء في متوسط العمر , وأترابي من الأطفال . كلهم قد تسمرت أعينُهم على الباب , وهم يمنون النفسَ أن يمنحَهم ردا يعيد لهم أملا , يُثلِجُ صدرا احترق , ويجبر قلبا تمزق . فإذا ما خرج تدافعنا نحو سيارته , فنمدُ أوراقنَا نحوه , فتارة يجمعها مرافقُه , وتارة يقرأ هو بعضها , فيرد ردا مقتضبا يحمل مماطلة مسؤول . وأذكرُ يوما أنه قال لي : " والدك موجود , وبعد انتهاء التحقيق سيخرج " . كلمات لم أدرك أثارَها , فنقلتها حرفيا لعمي المنتظر بعيدا في سيارته , وكم فاجأني حجمُ الاستبشارِ الذي طغى عليه بما نقلته له . وكان ذلك اليوم من أسعد أيام أسرتنا وأقاربنا ومعارفنا , لقاء كلمات مطاطية لا تعني لقائلها شيئا , ولكنها كانت لنا رحيقا وبلسما . تلك أيام تعددت فيها وسائلُ طرق الأبواب للحصول على إجابات . كان يأتي أهلي كلَ يومٍ حاملُ خبرٍ جديد , عن وجود عمي في سجن هنا ومعتقل هناك , في الفتح بعدن , والمهرة , وأبين , والضالع , وسقطرى , حتى دولة ( كوبا ) أوصل ناقلو الأخبار عمي إليها . ووصلهم يوما خبرٌ عن وجود مساجين في حصن بعيد عن العمران بمديرية إحدى المحافظات , لا أتذكر !! أهي لحج أم أبين ؟ . وبعد ترتيب مخطط الحركة مع أقارب لنا , اصطحبني عمي معهم , وترجلنا الاثنان بعيدا عن الموقع المحدد , وسرنا على الأقدام نحو الحصن الطيني . وغير بعيد منه تلقانا مسلحان بلباس مدني , وسألانا عن سبب قدومنا , فأخبرهم عمي أنه يبحث عن أخيه , وقد سمع عن وجود مساجين هنا , فأتى ليتأكدَ من وجوده بينهم . فاقتادنا الرجلان إلى مركز شرطةِ تلك المحافظة , ليتم التحقيق مع عمي , بينما بقيتُ منتظرا بقلق وخوف بالقرب من الباب لخارجي . وأذكر بعد ساعات خروجنا ليلا بمعية أقاربنا , الذين تظاهروا بالمرور صدفة أمام الشرطة حين رأوني , فدخلوا للسؤال . لا أدري كيف خرجنا وما تعلق بذلك من عقاب أو ثمن . وفي يوم أخر أخذني عمي من صف المدرسة , وذهبنا باتجاه المنصورة ومعنا صديق له , وكانا في الطريق يتحدثان أن المطلوبَ ابنُ ثمان سنوات , وأنا أبلغ من العمر11عاما , وكانا يأملان أن أسدَ الغرض , ولم أدر عما يتحدثان . وأذكر أنا دخلنا بيتا أرضيا , ورجلا يجلس على كرسيه , وهو يقول " لا يفي هذا الولد بالمطلوب " , فأصر عمي وصديقُه على التجربة , فوضع الرجلُ على طاولة صغيرة كأسا زجاجيا فيه ماء , وفي قعره قطعة نقد ( شلن ) , وطلب مني الجلوس والنظر بتمعن فيها , وإخبارهم بما أراه , فأخذت أحدثهم عن رؤية أشخاص وأماكن . ولا أدري هل ما سردته عليهم تخيلُ سحرٍ منه , أم نسجُ خيالٍ مني لأقنعهم بنجاحي . وهكذا طوال سنوات ظللنا نطاردُ الأملَ ونطردُ اليأسَ , نطرق الأبواب ونطارد السرابَ بكل وسيلة وطريقة , حتى أنهكنا الظلمُ والظلامُ , فاستسلم الروحُ لهما . طافت بي تلك الذكريات , وأنا أرى الحدثَ يتكرر اليوم , في اعتصام هنا وهناك لأهالي مختطفين ومعتقلين . وكم يبلغ بنا العجب أن يصرحَ نائبُ وزيرِ الداخلية مُنكِرا وجود سجون سرية في اليمن , ووجود معتقلين ومخفيين فيها . بينما تؤكد منظماتٌ حقوقيةٌ وإنسانية ودولية ، ومراكزُ دراسات وتحقيقات ، وشهودُ عيان ، وأهالي معتقلين ، وغيرهم . عن وجود سجون سرية في جنوب اليمن ، بيد جهات عسكرية خارجة عن السلطة الشرعية ، تشرف عليها وتديرها قواتٌ إماراتيةٌ. فإن كان تصريحُ نائبِ الوزير صحيحا ! فأين ذهب مئاتُ المخطوفين والمعتقلين ! هل خطفتهم كائناتٌ فضائية ؟ , أم وطأتهم ناقةٌ إماراتية ؟ .
أبو الحسنين محسن معيض .