عقوبة مشاهدة قنوات تركيا: الجلد أم الرجم حتى الموت؟!
بقلم/ سليم عزوز
نشر منذ: 4 سنوات و شهر و 25 يوماً
السبت 26 سبتمبر-أيلول 2020 05:50 م
 

وأخيراً، صدرت الفتوى أن مشاهدة قنوات المعارضة في تركيا حرام شرعاً، لتكون دليلاً مضاعفاً على أن أهل الحكم وأبواقهم في رعب مقيم من مجرد خروج العشرات في الريف المصري، وإن تحولوا خلال الأيام التالية إلى المئات، مع حرص الأبواق الإعلامية على الإنكار التام لأي خروج!

كل قيمة صاحب الفتوى أنه كان أستاذا في جامعة الأزهر، ولم نكن نعرف عنه طول تاريخه سوى أنه زوج لصحافية زميلة، فليس من أهل الخطابة، ولم يضبط متلبساً بأنه من أهل الدعوة، ولم نره يعتلي منبراً، فلم نشاهده داعية أو مرشداً، ولعل كل طموحه إلى أن أحيل للتقاعد أنه كان يريد أن يكون زوجته، وربما لمس فيه الرائد متقاعد صفوت الشريف هذه الرغبة الجامحة، ففرضه مسؤولاً عن التحرير على جريدة «اللواء الإسلامي» التي كانت تنسب بالتبني للحزب الحاكم، وبالمخالفة للقانون الذي يشترط في من يشغل مثل هذا الموقع أن يكون عضواً مشتغلاً في نقابة الصحافيين، وقد ظل نفر من الزملاء يقدم الشكاوى لنقابة الصحافيين ضد هذا التعيين، وصفوت الشريف مصر عليه، إلى أن رضخ لهذا بعد فترة من الزمن، وتم إزالة أثار العدوان على المهنة!

ويبدو أنه بعد بلوغه سن الإحالة للمعاش، وجد نفسه كمن وقف على السلالم، فلم ينجح في أن يكون زوجته، ولم يتحقق في مجال عمله، ووجد أن «عباءة الشيخ» تكسب في ظل حكم العسكر، فاندفع ليعوض ما فاته من شهرة، من باب الإفتاء، وليس من باب انتحال صفة صحافي، وقد التقطه أحمد موسى، وربما رُشح له من جهة ما، فلم أشاهده في برامج أخرى، وآخر عهدنا به في الليلة إياها التي كان ضيفاً فيها على برنامج «موسى» هو وجنرال شرطة فخيم، عمل في جهاز مباحث الأموال العامة، وعندما تستمع له تشاهد طوفانا من الجهل يغرق الاستوديو، وتحقق بنفسك من صحة «دراويش الموالد» إن مصر محمية ببركة أولياء الله الصالحين!

فكيف يكون أمثال هؤلاء من كبار المسؤولين في أجهزة حساسة مهمتها الحماية والتصدي للفساد ثم يكونوا المادة الخام للبلاهة، وذات مرة استضافه أحمد موسى أيضاً فحلت السكرة وذهبت الفكرة وأعلن سيادة الجنرال المفدى المهيب الركن، أن الدولار سيواصل الهزيمة أمام الجنيه ليكون بسبعة جنيهات بعد خلال خمسة شهور، وكان يعني شهر أكتوبر سنة 2017 وها نحن على أعتاب أكتوبر/ تشرين الأول 2020 ولم تتحقق نبوءة الجنرال الركن، ولا يزال يمشي في مناكبها ويحل ضيفاً في برامج الغيبوبة للأذرع الإعلامية للسيسي!

وصلة فكاهية

وكان الجنرال مع مفتي الانقلاب ضيفين على أحمد موسى، والذي قدم وصلة تكفي لإغلاق القناة، والقنوات المجاورة، لأنها تصلح فقرة في برنامج فكاهي، ولا يمكن قبولها إلا في برنامج «ساعة لقلبك» حيث «الخواجه بيجو» وزميله «أبو لمعة» فعلى ما يبدو أنها رسالة مبتورة جاءت لمقدم البرنامج عبر السماعة، فأخذ يسب ويلعن في شخص لم يذكر اسمه، فهو خائن، وحرامي، ونصاب، ثم يعود ويكرر الأوصاف بصياغات مختلفة بحماس منقطع النظير، ويبدو أنه كان في انتظار أن يتحفوه بالاسم، فلم يسعفوه، بينما الجنرال والمفتي يطلبان منه بإلحاح أن يذكر اسمه، لمساعدته في المهمة، فلما لم يذكره وواصل سبه، فشاركوه في السب «غيباً» لشخص ليس لديهما أي علم به، لكنهما لم ييأسا فبعد كل «كوبليه» يسألان: من هو؟! ليجيب أحمد موسى في النهاية بأنه لا يعرف من هو!

فاذا أردت أن تقف على شخصية من أفتى بتحريم مشاهدة قنوات المعارضة في تركيا، فستجد في هذه الفقرة تعريفاً به، إنه يندفع بالهجوم على شخص ونعته بأوصاف قاسية، مع أنه لا يعرفه ولا أحد يعرفه إلى الآن، مجاملة لمن استضافه في حلقة تلفزيونية «يلت فيها ويفت»!

لم يجتهد المفتي إياه في البحث عن سند شرعي ليعزز به فتواه، لكنه استغل وظيفته السابقة، في ادعاء أهليته للفتوى، فهل كل الأساتذة في جامعة الأزهر مؤهلين للإفتاء؟!

لقد تحدث فلم نميز بينه وبين الأبواق الإعلامية، وهو ليس أكثر من بوق، كما انتحل في السابق صفة صحافي بقرار من صفوت الشريف، هو الآن ينتحل صفة الفقيه، بقرار من أحمد موسى، فأتحفنا بهذا المقطع في وصف من يعملون في قنوات المعارضة في تركيا فهم «لم يُربوا في بيوتهم وليس لهم دين، ويحاولون التقليل من المشروعات العظيمة، التي يتحدث عنها العالم أجمع ويستفيد بها، وأنا أشعر بالعار أن هؤلاء الخونة مصريون، إنهم عار على الإنسانية»! وعندما تقرأ هذا لا تعرف من يتكلم؟ من جيء به ليقول قال الله وقال الرسول، أم فريدة الشوباشي وقد صبرت ونالت، حيث تم ترشيحها عن حزب السيسي لانتخابات مجلس النواب، فهل يكون ثمن فتوى الإمام الفقيه هي تعيينه عضواً في مجلس الشيوخ بقرار رئاسي؟! أين الدين في ما قال ولم نشاهد سوى «وصلة ردح» و«خناقة أرصفة» فالمفتي يسب ويلعن ويصف من يعملون في قنوات المعارضة بأنهم لم يُربوا في بيوتهم، وليس لهم دين، وأنهم خونة وعار على الإنسانية.

العالم أجمع

وهو هنا يستعير خطاب الأبواق الإعلامية الجاهلة، ولا ينطلق من قواعد الشرع والدين، وكل ما قاله «كوم» والحديث عن المشروعات العظيمة التي يتحدث عنها العالم أجمع «عشرة أكوام». فقد استعدى مهارات الخطيب، التي لم تجرب في خطبة أو في درس، على منبر أو تحت المنبر، فلم يذكر نماذج للمشروعات العظيمة التي يتحدث عنها «العالم أجمع» والتي ينكرها هؤلاء المعارضون الذين تعد مشاهدتهم حرام كحرمة يومكم هذا، وقام بتكفيرهم فهم ليسوا فقط «لم يربوا في بيوتهم» لكنهم بالإضافة إلى ذلك «ليس لهم دين» فهل هذا خطاب ينتمي للأزهر الشريف، الذي يرفض التكفير، وهل هذا أزهري فعلاً أم داعشي من سلالة أبو بكر البغدادي؟!

الخطاب السياسي في مصر يقوم على نظرية نحن الذين أبهرنا العالم، فوزير التعليم يقول إن العالم ينتظر الخطة المصرية في تطوير التعليم لدراستها وتعميمها لديه، والسيسي يعلن أن الناس يأتونه من كل أنحاء «العالم» لاستلهام الحلول لمشاكل البشرية، ووزيرة الصحة تصرح المرة تلو المرة والكرة تلو الكرة أن التجربة المصرية في مواجهة وباء كورونا أبهرت «العالم» وأن «العالم» ينظر لأداء قطاع الصحة في عهد عبد الفتاح السيسي وهو في دهشة!

وهكذا أرهق القوم «العالم» وجعلوه يقف على أطراف أصابعه منبهراً بالتجربة المصرية في كل القطاعات، والتي هي عطاء العقلية العلمية المعملية الفذة لخالد الذكر وطيب الأثر للعالم أجمع!

فعندما يأتي من ألبسوه عباءة المفتي ليتحدث عن «المشروعات العظيمة التي يتحدث عنها العالم أجمع» فأعلم أنه يمشي وفق الخطة المعتمدة للترويج لهذا النظام الذي فشل في البر والبحر، ولا شك أن اللجوء إلى الفتوى للانتصار له دليل على الفشل، وعلامة على أن «أخوكم مزنوق» بصوت عادل إمام في مسرحية «شاهد ماشفش حاجة» وكما قال الأخ العقيد قائد الثورة الليبية ونحن في ذكر ثورته التي كانت في أول سبتمبر/ أيلول: «دار دار زنقة زنقة»!

أما أنه فشل، فلأن الذين خرجوا على الرئيس محمد مرسي، ومثلوا غطاء مدنيا للانقلاب العسكري، كانوا يتحدثون عن الحكم الديني، في حين أنهم لا يستطيعون أن يقيموا الحجة على الحكم المدني المنتخب أنه كان كذلك، وقد شاهدنا الحكم الديني الآن في هذه الفتوى بتكفير المعارضين، وإعلان حرمة مشاهدة قنوات المعارضة، فهل استخدم الحلال والحرام في التعامل السياسي قبل 3 يوليو/تموز 2013؟ ولا شك أن اللجوء إلى الفتوى لتحريم مشاهدة قنوات المعارضة في تركيا كاشف عن النجاح الذي حققته في حصار الانقلاب العسكري، وكشف كذلك في التفاف المشاهدين حولها، والهجوم عليه من جانب الأبواق الإعلامية لم يتوقف لكنه اشتد في الأيام الأخيرة وتأتي هذه الفتوى المبهجة ضمن هذا السياق، والذي بدأ بوثيقة مزورة أذاعها عمرو أديب عن رواتب العاملين فيها، وهو يدرك أنها مزورة، فليس عمرو أديب في حدود الوعي المنعدم لرانيا هاشم، التي ينفخ فيها العسكر ليصنعوا منها منى الشاذلي في أيام مبارك بدون جدوى!

من خارج السياسة

والحمى القلاعية التي أصابت القوم هذه الأيام مردها إلى الدعوة إلى المظاهرات، والتي فاجأتنا قبلهم فخرج الناس في الريف المصري، رغم التهديد بالإبادة بواسطة الجيش، وكسروا حاجز الخوف، والقوم ربطوا مصيرهم بمصير النظام الحاكم، وربطهم الناس بذلك، وأزمتهم أنها ثورة الناس، من خارج حدود السياسة والتنظيمات والأحزاب.

وعندما ذكرنا برنامج «جو شو» في التلفزيون العربي بخطاب القوم في مواجهة الدعوة للتظاهر من العام الماضي، اكتشفنا الاختلاف الواضح بين الخطابين، رغم أن «يوسف حسين» أكد وحدة الخطابين. لقد كان خطاب العام الماضي ناعماً، ربما لأن عيونهم كانت مكسورة وقد تبدت السوءات للناظرين، حيث كشف المقاول والفنان محمد علي عن سلسلة القصور الرئاسية التي بناها السيسي والتي تضاهي سلسلة مطاعم كنتاكي في كثرتها، لكن خطاب هذا العام كان حاداً وعنيفاً، ويكشف عن غياب الجهة التي تقود الإعلام، فجاء متضارباً، وربما لتعدد الجهات، وربما للارتباك الشديد. فالخطاب يقوم في جانب منه على الانكار، فلا مظاهرات هناك، والفيديوهات قديمة، فهل كانوا يعترفون إن هناك مظاهرات في السابق؟!

وفي الجانب الآخر يلعنون الإخوان لأنهم يقفون وراء المظاهرات التي يشهدها الريف المصري، وتقدم هذه البرامج صوراً للمعتقلين من المتظاهرين.

وهذا الارتباك الى جانب الإحساس بالأزمة السبب وراء اللجوء إلى الفتوى وإعلان حرمة مشاهدة قنوات تركيا، دون أن يقول الشيخ الفقيه عقوبة من يرتكب هذا الحرام البين، ولا تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر؟

الجلد.. أم الرجم حتى الموت؟!