خطورة المرحلة .. هل تتكرر ملحمة مأرب
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: سنتين و 3 أسابيع و 3 أيام
الجمعة 28 أكتوبر-تشرين الأول 2022 04:51 م

ذهبت حسابات ايران وحزب الله ادراج الرياح عندما ابتلعت مأرب برجالها الأفذاذ جحافل مليشيات الحوثي طوال اكثر من عام ونصف من محاولات انقضاض فاشلة تهاوت تحت نعال أبطال الجيش الوطني والمقاومة الشعبية الحرة. وقال حسن نصر الله بلسانه يومها إن معركة مأرب سوف ترسم معالم الطريق السياسبة القادمة في اليمن، ليجد الحوثة انفسهم في خاتمتها لا يستطيعون حتى حصر قتلاهم ومعَوَّقيهم على كثرتهم كأهم إنجاز تحقق من حماقتهم. 

لعلها كانت معركة الأنقلابيين الأخيرة باعتقادهم للسيطرة على منابع الثروة والسلطة وحكم اليمن دون منازع . وسقط الرهان السابق الذي يعاودونه الآن في حضرموت وشبوة بحيلة أخرى خبيثة لتعويض هزيمتهم المجاملة في مأرب عبر مخطط الإنقضاض على مصادر ومنشآت النفط والغاز وشركات الانتاج وموانئ والتصدير، باعتبارها آخر ما تبقى لمؤسسات دولة الشرعية من مصدر قوة بقاء حقيقي ممكن أمام مؤديها ومواطنيها. يبدو ظاهر شعار معركة الأنقلابيين الراهنة المراوغ ضد الثروات النفطية والغازية والشركات الاجنبية باسم رواتب وحقوق الموظفين المغدور بهم في مناطق سيطرتهم، لكنها ساعة صفر جديدة مخطط لها بعناية لابتلاع كل شيء وما تبقى بحسابات أن الطرف الآخر بوضعه العسكري الحالي ربما محكوم بحسابات دولية..

ويكفي أنه عندما بدأت حكومة الشرعية ايام رئاسة احمد عبيد بن دغر بصرف مرتبات اساتذة جامعة صنعاء ووزارة الصحة والتربية وغيرها قال الدكتور علي العسلي احد مندوبي نقابة هيئة التدريس بالجامعة لمتابعة المرتبات في عدن، أنه بعد استلام الأكاديميين في كل الجامعات الخاضعة للأنقلابيين الراتب الأول : إن الحوثي قام بفصل المتابعين وحوّلهم إلى المحكمة الحوثية الجزائية المختصة، لإنه في ذلك الوقت كل من كان يطالب برواتبه يعتبره الحوثي مرتزق، وخلية من خلايا العدوان(ألعطوان). وهكذا كان حال منتسبي التربية والتعليم والصحة وغيرهم.. وامعنت مليشيات الحوثي في اذلال من يتسلم راتبه من الشرعية في مناطق سيطرتها بافتعال سياسة متعمدة صرف لسعر الريال يقلص ما يتقاضاه هؤلاء إلى أقل من النصف ـ أما فضيحة نهب تريليونات موانئ الحديدة المخصصة لرواتب الموظفين منذ اربع سنوات فتكشف مزاعم التباكي والمناحة الوقحة على أحوال ورواتب الموظفين، إلا اذا كانوا يدافعون على الارجح عن مرتبات قرابة نصف مليون مليشاوي منهم، نصفهم في القبور او مبتوري الاطراف، ومنهم من استباحوا بهم كذلك الجهاز الاداري للدولة اليمنية.

*ما وراء استهداف النفط والشركات*

بخطوة التصعيد الغاشمة على الثروات النفطية والغازية وتهديد أمن التجارة والملاحة الدولية يعتقد الانقلابيون أنهم على طريق وضع اليد كاملة على مسار أي تسوية من خلال عزلهم سلطة الشرعية اليمنية نهائياً كطرف رئيسي مباشر في تقرير مصير البلاد، وبما ينطوي عليه ذلك من تهميش موازٍ لدور التحالف العربي خصوصاً عندما يتعرض الوضع الأمني الدولي مباشرة لتهديد مصالح حيوية ملحة لشركات القوى الكبرى مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا. هكذا تفلت اللعبة أيضاً من عقال التحالف العربي الذي كان يشترط عليه الحوثيون إلى وقت قريب التفاوض الثنائي المباشر دون أي اعتبار لشرعية الطرف اليمني الرئيسي !!. 

        خطاب دولي مهزوز

وتظهر في الأفق على ذلك إرهاصات تمكين المشروع الإيراني في اليمن والمنطقة عندما تقارن الدول الكبرى بين تهديد مصالحها الحيوية المباشرة من إمدادات الطاقة وخيار مواجهة همجية المشروع بالحرب العسكرية ودعم قوى الشرعية. فالغموض الكارثي للمواقف الفعلية الدولية حتى الآن أقرب إلى اذعان الكبار لحاجات بلدانهم الأولية الملحة مع الشتاء ومصالح الشركات الآنية . ويخلو خطاب هؤلاء إزاء هجومات الحوثة على مصادر وخطوط وقنوات الطاقة إلا من أوصاف لطيفة لما حدث مثل إشادتهم الضمنية بسلاسة عمليات الأنقلابيين الإرهابية في ميناء الضَّبّة التي لم توقع اضراراً بشرية بنظرهم!!.

خطاب الأنقلابيين الرسمي الموجه بعد تمكنهم من وقف تصدير النفط والغاز وضرب المقرات في عقر دارها كما حدث للشركة الكندية كالفالي لاحقاً بعد هجوم الضبة بعملية إرهابية على الأرض مباشرة نذير بتحولات خطيرة تفرض على شركات الإنتاج النفطي العاملة والغازية توقيع عقود مباشرة معهم وإعادة النظر بعقود سابقة..

ولم يخفِ وزير نفط الأنقلاب ولا قياداتهم باشتراط مرور صفقات البيع والشراء عليهم في صنعاء. وما لم تتمكن منه عصابات الحوثي في معركتها الغاشمة على مأرب من قبل من الاستيلاء على والتحكم بالثروة على طريق الهيمنة على مصدر السلطة والقرار اليمني قد يتحقق لاحقاً مع تذبذب مواقف الدول الكبرى باحتمال تسليم الزمام ومصير اليمنيين لهؤلاء العابثين، ومن ستوقع شركاتهم النفطية والغازية مجبرة مع الأنقلابيين عقود الاستسلام لإيران.

جاهزية الشرعية وغيرها

أما جهوزية سلطة الشرعية اليمنية لخيار المواجهة العسكرية المعلن ضمناً في اجتماع رئيس المجلس رشاد العليمي بمجلس الدفاع الوطني فيصطدم بحسابات الخارج أكثر من رغبة الداخل المتعطشة لمعركة كبيرة حاسمة بين الطرفين بدلًا عن إذلال مهين لتسليم البلد لقمة سائغة مجانية لجيب المشروع الإيراني. والغريب إن الذين كانوا يتوعدون الحوثي بأفواههم فقط بالاجتثاث السريع خلال سبعة أشهر فقط وليس في سبع سنوات، هم من يعتبرون الآن إن قطع صادرات وامدادات النفط والغاز بهجمات الأنقلابيين الاخيرة في شبوة وحضرموت أفضل لهم بكثير بذريعة عدم استفادتهم منها، فلا حماسة لديهم لمواجهة الخطر ولا جهوزية الخيار العسكري. ولم يسألوا أنفسهم كيف سيسددون رواتب موظفي الدولة في مناطق سيطرتهم، وأن معركة استعادة الثروة من ناهبيها كما صَمُّوا آذاننا ورؤوسنا بها ليست أكثر من زامل ومهجل مبالغ فيه !!. 

 ووحدهم أبناء حضرموت أيضاً يعتقدون إن ضربات الحوثي الموجعة على ميناء الضبة مؤامرة عليهم تواطأ فيها ضدهم أكثر من طرف لمنع مشروع الإستقلال. وهكذا قد تبدو غشامة وعنف الحوثي - الإيراني التمزيقية لليمن خطوات وحدوية ووطنية يستفيدون من فقاعتها في صنعاء للتعبئة والتحشيد الجنوني على ذمة دفاعهم عن الوحدة الوطنية التي نهبوا لحمها والعظام. الخاتمة : أينَ هُم اليوم الذين كانوا يصدحون إلى قبل أسبوعين فقط بنغمة التعبئة العامة والجاهزية القتالية لإسقاط الحوثي وتخليص الشماليين من جبروته وسطوته ، هل يتحركون فقط لمواجهته في مناطق سيطرتهم الهشة، وهل تتكرر ملحمة الدفاع الأسطورية عن مأرب في الحدود مع البيضاء أو شبوة وحضرموت ..؟. أما اعتبار ما قام به الحوثي مؤخراً لصالح قضية هؤلاء فليس بعده إلا تسليم ما تبقى في الجنوب ومأرب وتعز ويا دار ما دخلك شر..

ثم اين هم ذهب الذين زعموا ان الفريق الركن علي محسن الاحمر نائب رئيس الجمهورية السابق سلم المناطق للانقلابيين ـ هل يتنادون اليوم للدفاع عن مناطقهم ام لا يزالون مشغولين بإخراج من يدافع بالانابة عنهم من المنطقة العسكرية الاولي بالوادي والصحراء.

سلام وتحية لأولئك الأبطال الشجعان في مأرب والجوف وتعز وحجة وصعدة وغيرها من الذين اعادوا بصمودهم الاعتبار للوطن والثورة والجمهورية ـ والذين بدونهم ما كان لنا استعادة الأمل بامكانية دحر الانقلاب وزحزحة مشروعه الظلامي الكهنوتي إلى غير رجعه. والتحية موصولة لكل جندي وضابط ومقاوم والى قياداتهم السابقة الوطنية النزيهة، ومنهم نائب الرئيس السابق ورفاقه الذين جعلهم الله من اسباب نصرة وعزة اليمن وأبنائها.