آخر الاخبار
وإذا غزة الطفولة سألت بأي ذنب قتلت؟؟
بقلم/ وفاء عياشي بقاعي
نشر منذ: 15 سنة و 9 أشهر و 17 يوماً
الثلاثاء 03 فبراير-شباط 2009 09:59 م
 

ذات يوم كان النهار يراقص الحياة ،وكانت الشمس تبتسم للنسيم في أصقاع ذاك.....وذاك ،وكانت الطفولة تناغم مقاعد الأيام ،وتباغت البراءة الراقصة حول قصور الأحلام المرسومة فوق الشفاه.

تلك طفلة.....وذاك طفل يركض هنا ...ويركض هناك وذاك معلم ............وتلك معلمة تبتسم لذاك وتسرح شعر تلك ،والطفولة تسبح في أزرق البحر ، تتعانق أمواجه على خرير الصباح ،وتنظر الى الغد الآتي برؤية المرآة الناظرة الى ناظرها.

الطفولة متكئة على سرير المجد ورعشة الأحلام .تضع رأسها على صدر المساء، في أعماق جوانحها ينبت الليل معطرا بنسائم الورد والأمنيات ،ينام بين ذراعيها الدمى والعرائس وحوريات بحر أتت من قديم الزمان ، تراقص الآذان عند جنون الظلام ،والسكون يفرش حول الضفائر فراشات ربيع تتدلى فوق الأكتاف براعم ،تتفتح على الأكمام نجوما وأقمارا،وتتوقف البسمات فوق الشفاه شلال عطر ينبع من سكرات الفرح المتدفق من قلوب نامت تحلم في رحاب الوئام .

وكان يا مكان...........في غفلة المكان... على تقاسيم نهاية العام .صباحا يشبه وجه جنين جاء بعد طول انتظار ، يغير تضاريس أرض كانت حبلى بآهات وآلام الشوق لصدى صوت هامت به أم حنون .أم اشتاقت لضمة تاهت عن صدرها سنوات محروقة بلهفة الأمومة ،وغابت في هشيم صيف حل دون ميعاد ،وأشعل نار الفرقة لوعة صبر جبار،وبدل الشتاء الدافئ بحرارة جدران بيت كانت ترتسم على جدرانه نسائم الطفولة المركونة على جدار النسيان .منذ ليلة عرفت للحق طريقا ،منذ أن قالوا في صناديق الحرية...... نعم........ هذه طريقنا ......هذا سبيلنا ...ونريد للعصافير أن تغرد فوق رؤوسنا.

ركنوا الطفولة في زاوية غابت عن عيون النهار،وجاءوا بالجبال من كل أصقاع الدنيا ،وحولوها الى صومعة تحجب الرؤى والرؤيا عن حق بات في صميمهم كالثلج في أقاصي البلاد.

تدحرجت الأيام ...والأيام... ولملم الليل ذيوله وانعرج نحو خلية خلف الأسوار في جب الظلام ،تساوم على بيع الطفولة بأرخص الأثمان.

يوم ...ويومان ...........أسبوع.........................وأسبوعان والطفولة تسقط من أعالي الجبال ،تدفن تحت الركام ،والعيون تنظر كأن البحر ابتلع الألسن وحول بياض الرؤية إلى سواد حجب النور ،وحوله إلى سحابة تطير مع سقوط قنبلة تفجر الروح السائرة في أجواء ذاك المكان ........وذاك المكان.

تزول السحابة وينقشع الضباب ،ويبدأ الأنين الصاعد من جوف حجرة كانت بالأمس تراقص الطفولة ،وتناغم الحروف فوق سطور عشقت الحبر ،وصفحات بيضاء مشتاقة لألوان السماء.

تغير المكان ...........آه كم تغير المكان.!

السماء ليست هي السماء ! ، والبحر ليس هو البحر!

السماء تمطر فسفورا، والبحر لهيبا!

تبدل ............تبدل الليل بالنهار والنهار بالليل ،ورست الأقلام ترسم أنهارا من دماء الأطفال ،وغابت كل الألوان في حضن الأسود والأحمر.

قتلوا الطفولة ،وعاثوا في أركان البراءة المحفورة في كتب السماء. وانهمر الدمع في رياح الهذيان،والقلب يعتصر في كأس تمتزج فيها صرخات الأمهات وأنين الحافيات في شوارع تمطر شظايا ،وتحترق لوعة على بقايا كانت بالأمس تركض في ساحات الدار.

قتلوا الطفولة في أبراج المجد على شواطئ التحدي ،وخفتت الأضواء في سقف الأنغام ،وتناغم الحزن مع سيمفونية كانت تتلألآ على جبين الهديل الساقط من برج حرية تموج في عينيها صمت انتظار. وحول الأميرة الطائرة فوق ليالي العمر إلى كرسي يتدحرج عجزا ويسابق الأيام خوفا من زمن محصور بين الآهات والدمع المثقل على الجفون ،وغدا جمال الجميلة المنثور على براعم فستانها هباءً منثورا.

وتلك ليلة حُرقت في راحتي ليلى العائدة من روضة ،تزهر أنامل رقص على شرفات الصباح المسكون في أصيص الغد،وأي غدٍ أتى يحمل رجفة العبث في دلال شجرة كانت تتدلى في ساحة بيت وارف الظلال ،ودلال تسافر في أحلامها البراقة على ظهر البراق ،لتعصف الريح بها على رصيف الغربة ،لتجد قطتها تحت الركام تحرس جثث الطفولة السابحة بالدماء ، ملتحفة بالصدمة والخوف،تبدأ تلك البيضاء بالتسلق على بقايا الحلم تشمشم من تبقى في أزقة العبث.

يسير قطار الموت..... لتعانق آية حضن البيلسان ..........تلك التي كانت تموج كعنقود اللازورد بين شقيقاتها في لحظة غياب الوجود ،ليسقط الموت من السماء وتأخذ بيلسان الميار المتأرجح على أجنحة السفر، ويطرنَّ الى البعيد ،حيث ينام الفراش في شرنقة الحرير .

في كل زقاق وزقاق حكاية بيلسان مع الغربان ،مع غربان جاءوا من أقاصي البلاد ،وحلوا على أشجارهم ضيوفا ثقالا ، أي ضيوف ........وأي غربان ....من نسل محرقة كانت على ضفاف التاريخ ،واليوم في غزه أعادوا التاريخ بثوب جديد ،بثوب فصله وزينه نور الفسفور والحديد ،يهل فوق رؤوس الأطفال هدية العام الجديد.

في ليلة وضحاها ذبحوا الطفولة من الوريد للوريد!!

كان للمكان ما كان ........يا سيدي الرئيس كان للمكان ما كان وأنت الناظر من خلف نظارتك السوداء ترى ولا ترى كأنك قابع في اللاوجود ،وكأن الشيء أبتُلِعَ في اللاشيء ،وأنت تراهن أسفارك الخائبة على عرائش الطفولة المدفونة تحت نعال تواطئكم هنا .........وهناك ........مع هذا وذاك .........

تنام الطفولة يا سيدي الرئيس في اللامكان والازمان .

يوما ما سيرتفع ذاك الصوت المدفون تحت التراب ، يطالبك بدمه المسفوك في حنجرتك المصلوبة في صمتك ،ويقف لك حاملا ثورته بأن الدماء ستقذفك الى مزبلة التاريخ .

اذهب سيدي مكانك ليس هنا .........مكانك هناك خلف أسوار العجز .......خلف بقايا التاريخ ،نحن من دفع الثمن لنا الحق بأن نحمل راية البقاء .......راية البقاء

اذهب سيدي مكانك ليس هنا.......ليس هنا