ثورة الحليب!!
بقلم/ محمد السياغي
نشر منذ: 15 سنة و 8 أشهر
السبت 28 فبراير-شباط 2009 04:51 م

- ما هو لون الحليب؟

 بالتأكيد لو طرحنا مثل هذا السؤال على غالبية اليمنيين، وغيره من الأسئلة المتعلقة بكمية استهلاك كل فرد من مادة الحليب، وذلك فيما يشبه استطلاع الرأي العام لتفاوتت الإجابات وتعددت بتعدد طقوس ومستوى دخل كل شخص، ولظهر من التباين والمفارقات ما يضحك ويبكي في نفس الوقت، مع أن النتيجة ستكون واحدة بالتأكيد وهي تبرر سبب معاناة السواد الأعظم في اليمن من هشاشة العظام؟!؟

 لا غرابة أن يكتفي البعض بالإجابة على ذات السؤال بالقول: الحليب لونه أبيض. في حين يذهب البعض آخر - مع ادعاء شيئا من المعرفة طبعا -: ابيض فاتح! أو أبيض داكن!. ولبني مائل للصفرة! وجميع الإجابات ستفضي -بلا شك- إلى عمق المفارقة العجيبة، وكيف أن البعض من فرط حرمانه من الحليب يصعب عليه تمييز لونه بالتحديد، وبعضا آخر لا تتجاوز معرفته للحليب حدود سنوات الرضاعة التي أمضاها في مرحلة عمرية مبكرة، وهي مرحلة تسبق سنوات المعرفة بأهمية وقيمة الحليب الغذائية لجسم الإنسان بكثير!

 ما يثير الاهتمام في الموضوع_ وأن بدا سخيفا للبعض- هو حجم المفارقة بين من شرب الحليب منا لحولين كاملين وأتم الرضاعة، وبين من حرم من الحليب لسبب ما من الأسباب وما أكثرها، وهي تكمن في أن توفير ما يعادل كوب حليب يوميا بات أمرا عصي المنال على الغالبية ممن تحول الظروف المادية دون حصولهم على ما يعادل لتر واحد من الماء النظيف فما بالنا بكوب الحليب!

 مثل هذه الجرعة الاستهلاكية الصحية المهمة لكل فرد يوميا، للاسف وفق ما يمليه واقع الحال باتت عصية إلا على من لم يكن تعس الحظ، من المسئولين وما شابه من المحظوظين (أصحاب الأملاك والعقارات والوارثين)، خاصة بالنظر إلى سعر نص اللتر الواحد من الحليب 130 ريال وهو يفوق سعر اللتر الواحد من مادة البنزين أو الديزل وغيرها من المشتقات(80-60) ريال وفق أخر تسعيرة حكومية، مع العلم كما يعرف جميعنا أن الأسعار وتقديرها بالنسبة للسلع الاستهلاكية عموما "في بلد واق الواق" أمور لا تخضع سوى للمزاجية وجودة السوق، وجشع التجار وضمائرهم. 

 بالمناسبة علق في ذهني سؤال كهذا بعد أن سمعته يتكرر أكثر من مرة على لسان احد الأطباء، وهو يطرحه على معظم مرضاه، وكانت الإجابات بقدر ما تثير الضحك بقدر ما تبعث على الشعور بالمأساة التي نعاني منها وكيف أن الفقر وعوامل أخرى ساهمت إلى حد كبير في رسم المعادلة المخيفة بين" يمن قات" و" يمن بلا حليب"!!

 "بقرة عمي"،" وكوب اللبن"، وغيرها عناوين تشير إلى "جرع استهلاكية قديمة"، كان قد تلقاها الكثير منا في مرحلة سابقة من مراحل التعليم الأساسي ضمن مادة القراءة ، وحينما كانت البقرة اليمنية الواحدة تدر كميات كبيرة من الحليب تغطي احتياج العائلة والأسرة الواحدة من الحليب ومشتقاته اللبن والجبن وما يعرف"بالسمن البلدي".. الخ، ، وهي مواد غذائية ضرورية كان لها نكهتها وفوائدها الصحية القيمة آنذاك، قبل أن نفتقدها اليوم في زحمه الاعتماد على الحليب المستورد وجميعنا طبعا يتذكر صفقه الحليب الصيني الملوث وكم راح ضحيتها من أشخاص غالبيتهم من الأطفال على مستوى العالم!

 اليوم للأسف لو عقدنا مقارنة بين إنتاج البقرة الواحدة في اليمن من الحليب ، وبين ما سواها من الأبقار على مستوى المنطقة فقط –لأننا لو ذهبنا بعيدا طبعا سنظلم البقر الهولندي وما إلى ذلك من أبقار العالم المصدرة للحليب ومشتقاته المختلفة- لقال الواحد منا بالبلدي :" تنتج البقرة اليمنية لتر واحد من الحليب يوميا وكثر الله خيرها"!

 في المستقبل طبعا -ولن نشطح بخيالنا هنا ونذهب إلى ما هو أبعد من توفير كوب الحليب وتعويض النقص الحاد الحاصل لدى الغالبية العظمى من اليمنيين- نتمنى من "وزارة الزراعة والري بالحليب مستقبلا"- الثروة الحيوانية قديما- أن تتبنى فكرة مشروع " الحليب للجميع"، خصوصا لمن حرموا من حليب أمهاتهم صغارا وعجزت أبقار البلد عن أرضاعهم كبارا!

 طبعا فكرة مشروع-من الوزن الثقيل- كهذا يتطلب أدراجه ضمن الخطط الحكومية المستقبلية التي ينطبق عليها المثل القائل "كثيرا ما سمعنا لها جعجعة ولم نرى لها طحينا"،لكن لا بد من لفت الانتباه إلى أننا لا نتطلع إلى توفير شبكة خاصة بالحليب، أسوه في ذلك بشبكة المياه والكهرباء والاتصالات- ولو أن الخوف كل الخوف من أن تتكرر مأساة المواطن مع شبكة الكهرباء ويجد نفسه محروم من الكهرباء، سواء سدد أو لم يسدد الفاتورة، لسبب بسيط هو أن السادة في الكهرباء يتعاملون مع الجميع وفق مبدأ الجميع سواسية كأسنان المشط– لكن نتوقع أن تولي "وزارة الحبيب المستورد" اهتمام -ولو على قدر الحال- بالحليب ومشتقاته، وتطلعنا بنشرة سنوية عن إنتاجنا من الحليب، بدلا من الاهتمام بما سوى ذلك من الخطط والبرامج التي لم توصلنا إلى نتيجة سوى "قات وفقر ومحاصيل زراعية مستوردة وملوثة بالمواد الكيماوية وهشاشة في العظام!

 ربما مشروع "مهول" كهذا يتطلب من الإمكانيات والقدرات والأموال وما يدعونا لمد يد المساعدة والعون من الآخرين تحت ما يسمى بمنحة مالية أو دعم ومساعدة أجنبية وقرض من البنك الدولي، مع أننا بصراحة قد سئمنا من كل ذلك خصوصا بعد أن تحول البلد إلى مقبرة جماعية كبرى لدفن القروض والمساعدات والهبات.. وليس كما يتصوره البعض أمرا من السهولة تنفيذه في ليلة وضحاها، ولهذا لابد من منح الوزارة المعنية مدة زمنية للانتهاء من انجاز مشروع معجزة كهذا قبل حلول العام 2030م، وإلى قبل أن تضطر الأجيال القادمة إلى الذهاب إلى ما سبق وأن ذهب إليه أبائها وأجدادها ممن قادوا ثورة غاضبة ضد الكتن والنامس والقمل ويقودوا ثورة الحليب!

.................//