بقنابل وصورايخ خارقة للتحصينات… ضربة جوية قوية في قلب بيروت وترجيح إسرائيلي باغتيال الشبح عربيتان تفوزان بجوائز أدبية في الولايات المتحدة قوات كوريا الشمالية تدخل خط الموجهات والمعارك الطاحنة ضد أوكرانيا هجوم جوي يهز بيروت وإعلام إسرائيلي: يكشف عن المستهدف هو قيادي بارز في حزب للّـه مياة الأمطار تغرق شوارع عدن خفايا التحالفات القادمة بين ترامب والسعودية والإمارات لمواجهة الحوثيين في اليمن .. بنك الاهداف في أول تعليق له على لقاء حزب الإصلاح بعيدروس الزبيدي.. بن دغر يوجه رسائل عميقة لكل شركاء المرحلة ويدعو الى الابتعاد عن وهم التفرد وأطروحات الإقصاء الانتحار يتصاعد بشكل مخيف في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي.. طفل بعمر 14 عاما ينهي حياته شنقاً تقرير دولي مخيف....الإنذار المبكر يكشف أن اليمن تتصدر المركز الثاني عالميا في الإحتياج للمساعدات الإنسانية حرب المسيّرات.. التكنولوجيا التي أعادت تشكيل وجه النزاعات العسكرية
صنعاء: ديفيد فينكل * تعمل روبن مدريد، 65 سنة، مديرة لـ«المعهد القومي للديمقراطية» في اليمن، وهي منظمة غير ربحية مركزها في واشنطن. وتحتل مكتبا ذا نوافذ مضادة للقنابل وتعيش في بيت تحت الحراس طيلة اليوم. كانت مدريد قد وصلت إلى صنعاء يوم 5 مايو (أيار) 2001، وتتذكر أن أول ما جذب عينيها وهي تجلس في التاكسي «حفر الطريق والكلاب الجرباء والمصابيح المحترقة». لكنها تتذكر أيضا مشيها عند الغسق في اليوم التالى لوصولها، حيث شاهدت أثناء عبورها جسرا حجريا، تلك المباني ذات اللون الشبيه بالدبس في المدينة القديمة. وأضافت أنه بعد يوم واحد شاهدت أمام فندقها رجلا سقطت من يده بندقيته الآلية، فراحت تطلق رصاصات اصابت واحدة منها إطار سيارة لا تبعد أكثر من عدة أقدام عنها، بينما أصابت رصاصات أخرى الرصيف. وتضيف مدريد «في البدء كانت تلك المدينة المريعة ثم كانت تلك المدينة الجميلة ثم جاءت الطلقات». ثم بدأت تمارس عملها الهادف إلى تعزيز الديمقراطية.
لم تفكر مدريد يوما أنها ستعمل مع القبائل. لكن ذلك تغير ذات يوم من أيام ربيع 2004، حيث حضر شيوخ محافظات معزولة مثل الجوف ومأرب إلى مقر «المعهد القومي للديمقراطية»، طالبين المساعدة لإيقاف عمليات قتل بدافع الثأر. ما أدهش مدريد ليس طلب المساعدة، بل وجود شيوخ من أماكن كهذه يطلبون المساعدة من منظمة مركزها في الولايات المتحدة.
وما هو معروف عن مأرب بالنسبة لها هو أنها المكان الذي تم فيه إطلاق صاروخ من طائرة بلا طيار على سيارة كانت تسير في طريق معزول، وأدى ذلك إلى حرق ستة أشخاص من إرهابيي«القاعدة».
كان جواب مدريد الرفض مع شرح لطبيعة مهمة «المعهد القومي للديمقراطية» المتمثلة بالعمل مع البرلمانات ومنظمات النساء والأحزاب السياسية، لا أن تقوم بتشكيل منظمات.
لكن علم الانثروبولوجيا المتخصصة فيه كان محفزا لها بشكل قوي كي تقابل بعض الشيوخ للاستماع منهم عن كيف تسير حياتهم. وقاد اللقاء الأول إلى لقاء ثان فثالث. وعلمت مدريد شكواهم من غياب أي مدارس أو مراكز صحية في محافظاتهم وغياب أي شرطة أو محاكم وما شابه ذلك. وأخبروها كيف أن أي سوء تفاهم بسيط بين رجلين ينتميان إلى قبيلتين مختلفتين يؤدي إلى مواجهة مسلحة بين الطرفين وقطع الطرق وتفريغ القرى من سكانها وتدمير البيوت وفقدان حياة الأفراد في حروب جارفة. وشرحوا لها كيف أن عوائل القتلى يجب أن تقدم لهم تعويضات من خلال ما يسمى بالدية، لكن بسبب غياب المال فإن القتل ثأرا هو ما يقع، وهذا هو ما يأملون في حله.
استمرت الاجتماعات خلال الربيع والصيف وكانت تجري حتى يوم 2 سبتمبر 2004، حينما قرر «المعهد من أجل الديمقراطية والمساعدة في حل النزاعات» المتمركز في واشنطن التبرع بمبلغ 8 ملايين دولار كي تنفق على مشاريع تهدف إلى المساعدة على إنهاء النزاعات ونشر الديمقراطية في البلدان «ذات الأهمية الاستراتيجية».
لكن المعهد ليس المنظمة الوحيدة التي يحق لها المطالبة بالمنحة المخصصة من قبل الولايات المتحدة ولا أحد يعرف كم من المنظمات الأخرى قرأت الإعلان عبر الانترنت. لكن بعد اجتماع بين الطرفين تقرر أن تكون اليمن هي الخيار للمنحة المالية.
وهذا ما أعطى مدريد وزميلا آخر من واشنطن أسبوعين كي يقدما مقترحا بكيفية استخدام المال. قالت مدريد التي اقتنعت بنزاهة الشيوخ «بالتأكيد هم يريدون المال. الناس الفقراء يريدون المال. لكنهم يريدوننا أن نساعدهم على نقل صوتهم. هم يريدون تدريبا ويريدون أن يرتبطوا ببقية العالم».
واقترحت مدريد وزميلها تخصيص 743002 دولار لجمع رجال القبائل في مأرب والجوف وشبوا في منظمات لها مجالس إدارة مع وضع أنظمة داخلية لها ولجان أخرى مع مكاتب لعملها. وسيتعلم العاملون فيها كيفية إدارة السجلات. كذلك تعلمهم كيف يحلون النزاعات. وسيدعم «المعهد القومي للديمقراطية» إجراء فترات هدنة وإنشاء مناطق خالية من القتال حول الأماكن التي تقع فيها المراكز الطبية والمدارس وتنظيم جلسات دراسية لمنع وقوع النزاعات. كذلك ستساعدهم على كسب المصداقية في تعاملهم مع المتبرعين الدوليين بحيث يكون برنامج المعهد.
لكن هذا المقترح تمت إعادة صياغته من جديد بعد مصادرته من قبل البيروقراطية في البلدين، وحدث ذلك يوم 1 أكتوبر (تشرين الأول) 2004. وتغير التركيز على مطالب الشيوخ وهذا ما آل إلى قطع الحصة المالية إلى النصف. ثم تأجل المشروع بالكامل إلى حين، متحولا إلى صالح تعزيز الديمقراطية عبر الكلمات وجعله شيئا قابلا للتصدير.
في الوقت الذي كان فيه على السفارة الأميركية أن تغلق ليومين بسبب التهديد الأمني وبدء محاكمة أخرى لأعضاء في «القاعدة» وأعلنت الحكومة اليمنية عن أن الأشكال «المتطرفة» من الإسلام موضع تعليم 330 ألف طفل و4 آلاف مدرسة سرية، وكانت هناك مشاكل مع المقترح أيضا.
وفي ديسمبر أرسلت «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» إلى مشروع «المعهد القومي للديمقراطية» رسالة الكترونية تقول إنه وبسبب «حساسية المشروع» فإن على المعهد أن يوافق على «التعاون الوثيق مع السفارة الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية من أجل التغلب على المخاطر المحتملة» للبرنامج. وتلك المخاطر تتضمن «زيادة التوترات بين المجاميع القبلية والحكومة وإمكانية تعكر العلاقات» بين الحكومتين اليمنية والأميركية.
وكان ذلك هو مصدر قلق السفارة المتزايد الذي ترك مدريد تشعر فجأة بالقلق بشأن هذا الالحاح على التنسيق الوثيق. وكتبت الى مشرفها في واشنطن قائلة انه «سيكون كارثيا بالنسبة لعملنا في اليمن اذا كان علينا أن ينظر الينا باعتبارنا تابعين للسفارة».وجاء الجواب «يمكنني ان اقترح الابتعاد عن هذا البرنامج في مثل هذه الظروف».
وقد فعلت ذلك تقريبا، ولكن محادثة اخيرة ادت الى تسوية: برنامج لمدة ستة أشهر بقيمة 300 ألف دولار لبحث طبيعة وسبل التعامل مع النزاعات القبلية بدلا من برنامج يمكن ان يوحد الشيوخ لإنهاء هذه النزاعات.
وكانت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية راضية بذلك. ولكن مدريد لم تكن كذلك ولكنها توصلت الى وئام معها باتخاذ قرار باستخدام بعض من مبلغ الـ 300 ألف دولار لمواصلة العمل مع الشيوخ على اية حال.
وابلغت 14 من الشيوخ في أول اجتماع للمنظمة اليمنية للتنمية والسلم الاجتماعي «دعوني أهنئكم». وهمس رجل اسمه علي شاهين، وهو متدرب في مجال حل النزاعات، في أذن مدريد قائلا ان «أحدهم يحمل بندقية».
كانوا ينظرون الى 25 شيخا، وهم كل أعضاء المنظمة اليمنية للتنمية والسلم الاجتماعي، ممن كانوا يقودون سياراتهم عبر صحارى وجبال اليمن الى مدينة المكلا الساحلية لإقامة ورشة عمل هناك لمدة ثلاثة ايام. وكانت تلك الخطوة الأولى لتعليم الرجال كيف يكونون منظمة غير حكومية شرعية وذاتية الدعم، وسيقودهم شاهين في جلسات مثل «تدريب على فاعلية فريق العمل» و«البنية التنظيمية للمنظمات غير الحكومية». وقالت مدريد هامسة في محاولة لطمأنته «أجل، ان الكثير منهم يحملون البنادق. انها جزء من مجوهراتهم التقليدية».
ولكن الحقيقة هي انها كانت مستغربة من ذلك. ولم تكن تعرف الكثير منهم بصورة جيدة. وكان هناك عدد ممن تعرفهم الى حد ما. ولكن نصفهم كانوا ممن تراهم للمرة الأولى في ذلك الوقت، وكان قد حدث خلال الـ 25 يوما الماضية ما يكفي لجعلها ترتاب أو تشعر بالقلق على الأقل.
وفي البداية كان كل ما أرادوا فعله هو تشكيل نوع من الالتزام من أجل حل مشكلة أعمال القتل انتقاما. والآن وبعد 15 شهرا ينضمون هنا الى ورشة عمل على البحر العربي لأن ذلك ما ابلغهم الأميركيون بالحاجة الى القيام به. وقالت لبعضهم يوما ما «عليكم تلبية متطلبات معينة»، موضحة انه ما من مؤسسة ستدفع لهم مالا الى أن يؤسسوا منظمتهم كمنظمة غير حكومية شرعية، ولذلك اصبحوا منظمة غير حكومية. وتساءلت في مرة أخرى «كم منكم استخدم خدمة الكومبيوتر في السابق؟»، مشيرة الى الحاجة للاحتفاظ بالكتب من أجل ان يتعلموا ما يخص برامج الكومبيوتر.
وقد وافقوا على ما قالته ارتباطا بالثقة أكثر من الفهم، ولكنهم كانوا يتساءلون عما اذا كانت ستبقى معهم خلال الشهر المقبلة.
وكان الشيخ معفره قد وجه اليها هذا السؤال، وكان جوابها «الوعود رخيصة» ولم يحقق له ذلك الجواب الارتياح. ولهذا تساءلوا: هل تدرك المخاطر التي يتعرضون لها؟ وأن الحكومة يمكن أن تعاقبهم بشكل ما؟ أو تعتقلهم؟
هل تدرك الضغط الذي كان قد بدأ؟ ذلك أنه قبل ايام قليلة من التراجع استدعى الرئيس عشرة من الشيوخ الى قصره ليسألهم عما اذا كانوا يعملون مع العجوز. وحياهم بطريقة ساخرة قائلا «مرحبا بالأميركيين» وفقا لما قاله عدد من الشيوخ، مضيفا «كونوا حذرين من الأميركيين». وقال شخص آخر «قال بعض الكلمات السيئة. قال: لا تثقوا بالأميركيين. لن يقدموا لكم المساعدات واذا ما فعلوا ذلك لن يكون ذلك اكثر من 100 دولار. انهم جميعا كذابون». وقال عدد منهم انه بعد مغادرتهم القصر كانوا ملاحقين وانهم عند عودتهم الى المنتجع جرى ايقافهم في نقاط تفتيش وهو ما لم يكن قد حدث لهم سابقا بسبب منزلتهم الاجتماعية.
كان كل شخص يسأل عن الآخرين. وفي هذه الأجواء ذهب شاهين الى مقدمة قاعة المؤتمر وقال للشيوخ «انظروا الى بعضكم بعضا. فكروا: ايمكن ان نعمل مع هؤلاء الأشخاص؟ هل لدينا الارادة للعمل سوية؟»، مضيفا «علينا أن نثق ببعضنا البعض». وبتلك المقدمة حل هدوء لمدة ثلاثة أيام. وقاموا بممارسة التدريب على بناء الثقة والعمل كفريق. وتعلموا حول تحويل «المشاكل الى اهداف وكيف يكونون وقائيين بدلا من ان يتصرفوا برد فعل». وقد هزوا رؤوسهم بوقار عندما قال أحد الشيوخ «المعاناة هي التي جمعتنا»، وقدم قائمة بمشروعات للقيام بها، بما في ذلك المساعدة في المدارس وتأثيث العيادات الطبية الفارغة وحل النزاعات القبلية في كل محافظة بطريقة تبتعد عن دفع الدية. وقد ظلوا حاملين بنادقهم وخناجرهم وكانوا جادين على نحو لافت للأنظار عندما طلب منهم شاهين ان يدونوا آمالهم الخاصة بشأن ما يريدون انجازه.
وقال بعض الشيوخ في نهاية العمل «شكرا لك دكتورة روبين»، ثم عادوا مفعمين بالأمل والتفاؤل حيث في غضون يوم واحد يمكن أن يبدو كل شيء قابلا للتغيير. وبعد ستة ايام من اللقاء في المنتجع تجمع عدد من الشيوخ في المعهد القومي للديمقراطية لمناقشة أمر حدث قبل يوم. فقد ألقى الرئيس خطابا قال فيه انه قد لا يرشح نفسه لانتخابات العام المقبل. ثم انتقل الى الحديث عن حاجة اليمن الى الديمقراطية، ودول العالم التي هي الآن دول صديقة لليمن، ومنظمة تابعة لإحدى هذه الدول بدأت العمل مع بعض الشيوخ اليمنيين لحل مشاكل قتل الثأر. ثم قال اما ضاحكا او ساخرا (كما تقول ترجمة كلامه من العربية إلى الإنجليزية) «حل مشكلة الثأر لدى 20 مليون شخص بقيمة 300 ألف دولار». وتساءل بعد ذلك عن سبب عمل هذه المنظمة مع بعض الشيوخ بدلا من القنوات المناسبة في الحكومة اليمنية. وقال (وفقا للترجمة أيضا) «لا نريد لأي شخص ان يتدخل في شؤوننا الداخلية».
وكانت أمطار قد هطلت بعد ذلك الخطاب، مما أدى الى تنظيف الشوارع حتى الليل. ولكن الشمس اشرقت في اليوم التالي، وكان يمكن سماع الأطفال ينشدون في المدارس خلف التلال العالية، وكانت حركة المرور تعود ثانية الى الشارع الذي سمي باسم الصبي الفلسطيني (محمد الدره) الذي قتل على يد الجنود الاسرائيليين بينما كان يحتمي بوالده. وكانت النوافذ المضادة للرصاص مفتوحة في المعهد القومي للديمقراطية، حيث الضوء يدخل كاشفا عن امرأة قلقة كانت تقول للشيوخ «انني ادعم هذا حقا، ومن كل قلبي». غير أن قلقها كان واضحا الى حد كبير بحيث ان أحد الشيوخ شعر بان عليه ان يقول شيئا من اجل تشجيعها. كان اسمه ربيع العقيمي، وهو من الجوف. وبينما كان يحاول التوسط لحل نزاع مسلح بين قبيلته وقبيلة اخرى، امتدت على مدى 25 عاما، كان يقود سيارته وسط غابة من البنادق.
وفي اليوم الثالث والثلاثين من برنامج الأشهر الستة كان ما قاله للأميركية الوحيدة التي يعرفها «نحن فخورون بك جدا». وقد رمشت عينا مدريد بدهشة وقالت «سنواصل عملنا في الغد» شيخ يحاول الحفاظ على السلام، بينما حكومته تشعر على نحو متزايد بالقلق من محاولات روبين لمساعدته.
* خدمة «واشنطن بوست»