الدين في الخطاب الإعلامي الحوثي
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 14 سنة و 9 أشهر و 21 يوماً
الأحد 31 يناير-كانون الثاني 2010 06:04 م

خلال الحرب اليمنية الحوثية، ثم دفاع السعودية عن أراضيها تجاه توغل الحوثيين، نشطت جبهة ثالثة للحرب، ساحتها المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام المسموعة والمقروءة، وقد وجد الحوثيون في الشبكة العنكبوتية وسيلة فعالة لنقل أخبار الحرب وصورها وإيصال صوتهم إلى العالم الخارجي.

سوف أركز في هذه العُجالة على استخدام المفردة الدينية في الخطاب الإعلامي الحوثي، حيث دأب على حشد أكبر قدر ممكن من مفردات قاموس الخطاب الإسلامي بشكل عام، والقاموس الشيعي بشكل أكثر خصوصية.

يلحظ المراقب أول ما يلحظ، بروز المفردة الدينية في الخطاب الحوثي بشكل يتجلى فيه التمرد الحوثي قائما على شرعية دينية إسلامية متكئة في ذلك على المقولة الزيدية الشهيرة القائلة بـ«وجوب الخروج على الحاكم الظالم» اقتداء بالإمام زيد الذي خرج على الحاكم «الأموي الظالم» هشام بن عبد الملك، وقد عد الفقهاء الأصوليون من الزيدية «وجوب الخروج على الحاكم الظالم» شرطا من شروط الإمامة لا بد لكل من أرادها أن يتحلى به، ويخرج على الظالمين «شاهرا سيفه»، وذلك على العكس من المقولة السلفية الشهيرة المتمثلة في «عدم جواز الخروج على الحاكم الظالم إذا كان الخروج سيؤدي إلى مفسدة أكبر»، وعلى العكس كذلك من المقولات الأصولية الاثنا عشرية القائلة بعدم شرعية قيام دولة للشيعة - أصلا - قبل خروج المهدي من السرداب.

ولعل من أهم المفردات الدينية التي يترصع بها الخطاب الإعلامي الحوثي لفظ الجلالة «الله»، الذي يرد في الخطاب الإعلامي الحوثي مرتبطا بحركتهم وأعمالهم المسلحة ضد «الطغاة والظلمة». فهم «جند الله وحزب الله وأنصار الله»، وحربهم تتم بتأييد من الله «والله هو الذي يمدهم بعوامل الصمود ويأتيهم بالمدد والقوة، ليس معهم إلا الله ولا يعولون إلا على الله في حربهم»، وهكذا يتساوق «القاموس الإلهي» في الخطاب الإعلامي الحوثي في تصور يجرد الآخر من الارتباط بالله، ويصنفه في خانة «أعداء الله» الذين ظلموا رسوله وأهل بيته الطيبين الطاهرين. وفي هذا الصدد أذكر أنني كنت ضيفا على الـ« B.B.C » الناطقة بالعربية مع الناطق الإعلامي للحوثيين الذي كان يتحدث من صعدة، وعندما سئل عن الجهة التي تمدهم بكل هذا الكم الهائل من الإمدادات، أجاب: «نحن لا نعتمد إلا على الله» في توظيف واضح للمقدس في صراع دنيوي سياسي يدور على الأرض بين أهلها ولا علاقة له بالسماء وأهلها.

وإلى هذا ينطلق الخطاب الإعلامي الحوثي في إدارته للصراع الإعلامي من ثنائيتي «أهل الحق وأهل الباطل» ويصور صمود المقاتلين على أنه نوع من المعجزات الإلهية التي «تثبِّت قلوب المجاهدين»، وتجعلهم على «يقين من النصر المبين»، حسب مفهوم هذه الحركة الأصولية لمصطلحات الحرب والنصر والجهاد.

وعلى ذكر «الجهاد» فإن هذه المفردة استخدمت بشكل يجعلها مرتبطة بالأعمال المسلحة التي يقوم بها الحوثيون ضد الحكومتين اليمنية والسعودية، فالحوثيون «مجاهدون» حسب خطابهم الإعلامي الذي نادرا ما يستخدم ألفاظا أخرى مثل «مقاومون أو محاربون أو ثوار» أو غير ذلك من المفردات ذات الدلالة المحايدة دينيا.

والتمرد الحوثي وفقا لهذه الرؤية «جهاد ديني» ضد «سلطة ظالمة» من جهة وضد اعتداء «وهابي» من جهة أخرى.

ويطلق الحوثيون - في هذا السياق - على نشرتهم الإعلامية اسم «بشائر النصر.. صوت المجاهدين». ويعمدون خطابهم الإعلامي بعدد من الآيات القرآنية التي نزلت في المجاهدين الذين جاهدوا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، من المهاجرين والأنصار في صدر الإسلام، ثم يربطون هذه الآيات بتمردهم المسلح لإضفاء مزيد من القداسة الدينية على هذا التمرد. ففي نشرتهم «بشائر النصر.. صوت المجاهدين» يمهدون لأحد بياناتهم على سبيل المثال لا الحصر بالآية «إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون» [آل عمران 160]، ثم يواصل البيان على النحو التالي: «بين شعاب وجبال ووديان جارية والعقبة والرقة ووالية، هناك دفن المجاهدون أحلام السلطة باستعادة السيطرة على مران».

أما فيما يتعلق بلغة الخطاب الإعلامي الديني المرتكز على الأبعاد الطائفية عند الحوثيين فتكفي نظرة عجلى على موقعهم الإلكتروني أو على تصريحات الناطق الرسمي لهم لنجد هذا الخطاب مكتظا بمفردات مثل «الظلمة»، تلك المفردة التي تنفتح على إيحاءات خاصة ضمن نسقية الخطاب الشيعي بشكل عام، إذ إن هذا الخطاب قائم على أساس «المظلومية التاريخية» لآل البيت الذين بذرت بذور مظلمتهم أول الأمر في اجتماع السقيفة حسب التصور الشيعي للتاريخ.

كما يشير الخطاب الإعلامي الحوثي إلى «السلطة الظالمة»، و«العدوان السعودي الظالم» في محاولة لربط ما يجري في صعدة اليوم بما جرى من حروب «ظالمة» شنت على آل البيت من قبل الأمويين والعباسيين حسب الرؤية الشيعية، وهي ذات الرؤية التي تجعل الحوثيين هم ورثة تراث آل البيت المظلومين تاريخيا حتى وإن حكم تيارهم اليمن أو أجزاء منه ما يقارب ألف سنة، حتى عام 1962م.

إن هذه الحركة باتت في أنساقها الخطابية تغترف من التراث الشيعي مادة غزيرة تسقطها من مستوى الفعل التاريخي على مستوى الحدث اليومي، إذ كثيرا ما يردد الحوثيون مفردات ذات دلالة منفتحة على التاريخ ومرتدة إلى الحاضر مثل: «الأمويون الجدد، التيار العثماني (نسبة للخليفة الراشد عثمان بن عفان)، النواصب، الإعلام الأموي، إعلام المنافقين» وغير ذلك من المفردات والقوالب اللغوية التي يزخر بها هذا الخطاب في بعده الطائفي.

بقي أن نشير إلى استعمال الحوثيين بعض المفردات المقتبسة من قاموس الثورة الإيرانية في بعدها الآيديولوجي، مثل مفردة «الدكتاتور» التي أطلقت على شاه إيران من قبل الخمينيين، والمفردة، وإن لم تنتسب إلى القاموس الديني مباشرة، فإنها تعود إلى ذلك القاموس عندما تؤول بمعنى «ظالم»، وكذا مفردات الأسطوانة الشهيرة التي يكررها الإعلام الإيراني في طهران وبغداد وبيروت وصنعاء مثل: «الوهابيون» و«التكفيريون» التي أفرط الحوثيون في استعمالها بعد تصدي المملكة العربية السعودية لعدوانهم، ناهيك عن شعارهم الشهير: «الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل» وهو شعار آيديولوجي إيراني بامتياز.

الخطاب الإعلامي للحوثيين مغمور بالمفردة الدينية، والمفردة الدينية موجودة لإيصال رسالة إعلامية مفادها أن الحوثيين يقاتلون «جهادا في سبيل الله» و«مؤيدون بالله»، والتاريخ كذلك حاضر بقوة في هذا الخطاب القائم على استدعاء التاريخ، ومن ثم إسقاطه على الواقع في محاولة حثيثة لاستدعاء «كربلاء» إلى «صعدة» وبعث «الحسين بن علي» في ثياب «حسين بدر الدين».

* كاتب يمني مقيم في بريطاني