أمام مرحلة لا نحسد عليها
بقلم/ رأي مأرب برس
نشر منذ: 14 سنة و 7 أشهر و 25 يوماً
الإثنين 29 مارس - آذار 2010 12:34 ص

بعد أن صادرت السلطات الأمنية, بإيعاز من وزارة الإعلام حسب تصريحات رسمية, أجهزة البث المباشر الخاصة بقناتي الجزيرة والعربية، وجاء الإفراج عنهما بمكرمة رئاسية، مطلع الأسبوع الفائت, أفرجت السلطات الأمنية, بعد ذلك, عن عدد من المعتقلين, فيما يبدو أنه توجه جديد لم تُعرف مآلاته بعد, حيث كانت قد أطلقت سراح هشام باشراحيل- رئيس تحرير صحيفة "الأيام", يوم الأربعاء 24مارس، وهو المعتقل منذ السادس من يناير "كانون الثاني" الماضي، فيما صحيفته ما زالت موقوفة منذ 4 مايو 2009م, في حين كان الكاتب والصحفي ورئيس تحرير موقع الاشتراكي نت محمد المقالح هو الآخر من ضمن المفرج عنهم، والذي اعتبر خروجه من السجن "انتصارا للكلمة"، لينهي فصلا من فصول المعاناة التي بدأت بعد أن اختطف من صنعاء 17 سبتمبر "أيلول" 2009, وظل لدى أجهزة الأمن السياسي حتى فبراير الماضي حيث قدم للمحاكمة.

إلى جانب ذلك, تم الإفراج, بعد حكم محكمة استئناف لحج, عن المعتقل الإعلامي والطالب الجامعي أياد عماد أحمد غانم سلمان الأحد 28/3/2010, الذي كان قد اعتقل صبيحة الثاني من يوليو من العام الماضي بعد انتهاء تظاهره شبابية كان يقوم بتصويرها بكاميرا فيديو وفوتغراف.

ومن ذلك شكل الأسبوع الماضي والحالي بعض الفرج للصحافة اليمنية، وحرياً بنا أن ننتظر أسابيع أخرى للإفراج عن بقية سجناء الرأي. إلا أن جميع ما تمّ يظلُّ نقطة (حبر) في بحر متلاطم مما تتعرض له الصحافة اليمنية والعاملين فيها من حملة شعواء تهدف إلي حجب الحقيقة والتضييق على حرية التعبير.

على أن ما قامت به السلطات الأمنية لا تستحق مديحا؛ بعد أن اعتقلت أصحاب الرأي بحجج واهية, وأحيانا بدون حجج، ولنا أن نتساءل ما هو الجرم الذي ارتكبه هؤلاء ليزج بهم في السجون أو يختطفوا ويتم إخفائهم قسرياً، وما هي مبررات اقتحام مكاتب القنوات الفضائية بدون وجه قانوني؟, فإن وجدنا إجابة مقنعة فلربما نمتدح خطوة الإفراج التي حدثت الأسبوع الماضي, وهذا الأسبوع. إذ أن المخطئين عليهم أن يحاكموا طبقا للقانون، ولا شيء سواه, أما ما حدث فليس من أخلاق المهنة أن نقبله, بل يجب علينا أن نرفضه رفضا مطلقا, إذ أننا, كأسرة صحفية واحدة, لا نريد مكرمة توهب لنا من أحد، نريد فقط قانونا يطبق على الجميع، ويقف على رأسه قضاة نزيهون.

في الوقت ذاته ما زالت هناك قضايا أكبر وأعظم من الإفراج عن أجهزة البث المباشر للجزيرة والعربية، أو الإفراج عن رئيس تحرير الأيام أو الاشتراكي نت؛ لأن الحاكم لا يزال يعد العدة لإسكات كل الأصوات الحرة. فها هي أجهزته الأمنية تفرج عن باشراحيل في عدن, لتعتقل الزميل عوض كشميم في حضرموت, في حين لا تزال محكمة الصحافة تمارس هوايتها بالتحقيق مع الصحفيين الواحد تلو الآخر، مما حدا بالنيابة العامة المطالبة بنفي رئيس تحرير ومحرري وكتاب صحيفة النداء إلى الصومال أو العراق (كي يشعروا بنعمة الوحدة والأمن والسلام). بينما استمرت محكمة أمن الدولة وبقوة في محاكمة الزملاء فؤاد راشد وأحمد الربيزي وصلاح السقلدي لتحجز القضية إلى 25 مايو2010م للنطق بالحكم. واستمرارا لهذا النهج, مُثلا الزميلان محمد اليوسفي- رئيس تحرير صحيفة الصحوة وسمير حسن مراسل الصحيفة في عدن أمام نيابة الصحافة والمطبوعات بناءً على دعوى رفعها محافظ محافظة عدن الدكتور عدنان الجفري ونائبه عبد الكريم شائف بعد تناول الصحيفة تقريراً يتناول خلافات بينهما, في حين كان الزميل باسم الشعبي- رئيس تحرير أخبار عدن قد مُثل أمام ذات النيابة لذات السبب في 10 مارس آذار 2010, لتأتي وزارة الإعلام في مسك خاتم هذه التراجيديا لتمنع طباعة صحيفة "حديث المدينة" بعد مصادر عددها رقم 38 من أكشاك العاصمة صنعاء دون أي مسوغ قانوني.

إن الصحافة اليمنية تمر بمرحلة لم تمر بها على الإطلاق منذ بدء التعدد في مرحلة ما بعد 1990, فشهدت حالات الاعتقال والإخفاء القسري والسجون, وإيقاف الصحف, وحجب المواقع الإلكترونية, لحتى وصل الحال أن يُقتل أحد الصحفيين وهو "محمد شوعي الربوعي" في محافظة حجة بدم بارد فبراير 2010, وسرعان ما سارعت الأجهزة المختصة إلى إيجاد حجج ومبررات تبرر للقتلة فعلتهم الشنيعة.

ولنا, أمام هذا, أن نتخيل معركة غير متكافئة الأطراف, فطرف لا يملك إلا قلمه فقط, فيما خصمه, طرفه الآخر, يتحكم في ممتلكات ومقدرات بلد كان يسمى سعيداً.

إنه لجدير بنا أن ندعو نظام الحكم, وسلطاته الأمنية أن يراعي ما تبقى من هامش الحريات والديمقراطية, بل عليه أن يعيد حريات 22 مايو 1990 إلى ألقها, حيث سطرت الحكمة اليمانية حينها توافقا غير مسبوقا في تاريخ اليمن, بإتاحة حرية الرأي والتعبير لكل اليمنيين, وهو المكسب الذي ظللنا نفخر به ونتشرف, في حين يواجه اليوم محاكم وسجونا ومعتقلات وإخفاءات قسرية بل ومشانق لكتاب الرأي والصحفيين, إن صح التعبير, بسبب الكلمة الحرة والرأي غير المتوافق مع سياسية النظام.

كما انه من واجب النظام اليوم أن ينظر للحاضر والمستقبل اللذين لم يعدا قابلين في تحمل سياسة القمع والترهيب, ولم تعد اليمن أن تحتمل أكثر مما كان في كل شيء, وفي مجال الحريات على وجه الخصوص, ومن ذلك فإن الحاضر والمستقبل يتطلبان سياسة حكيمة غير عابئة بأقوال المغرضين, بل مستمعة للحكماء والمخلصين والوطنيين الأوفياء لبلدهم؛ لأن الاستمرار بنفس سياسة القمع والإلغاء أمر له عواقبه الوخيمة, والتي ستأتي على الجميع, إذ أن الدار إذا انهد سيكون من نصيب ساكنيه الكوارث المحيقة التي لا تبقى ولا تذر.