آخر الاخبار
الدغشي: جذر المشاكل في اليمن تربوي سياسي
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 14 سنة و أسبوع و يومين
الجمعة 12 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 10:14 م

*كيف تقرؤون واقع مجريات الأحداث المتسارعة على الساحة اليمنية بشكل مجمل؟

لا تبشر بخير، ولست أدري ألم يعد في السياسيين في السلطة – على وجه التحديد – رجل رشيد؟ هل ينتظرون الكارثة المحققة؟ وساعتها هم أول من يغرق في بحارها - والعياذ بالله.

*ما الأسباب الرئيسية التي دفعت مرة واحدة إلى فورة الصراع المحتدم، وتضخم المشكلات الآن بين مكونات الشعب اليمني بمختلف تشكيلاته، وطرائقه؟

أعتقد أن السبب الرئيس في ذلك هشاشة البناء التربوي بمفهومه الشامل عبر العقود الأربعة الماضية- ناهيك عما قبلها- وما يتضمنه ذلك من انعكاسات قيمية وأخلاقية، وهذا- في ظني- هو الذي أدّى إلى استشراء ظواهر الفساد على كل صعيد تقريباً، بما في ذك الفساد السياسي والمالي والإداري، وهذا لا يعفي الجهات الخارجية من إذكاء ذلك الاحتقان وتشجيعه ولكن ذلك عامل ثانوي، إذ لو كان الوضع من أساسه سليماً ما استطاعت أي قوّة اختراقه.

*باعتبارك باحثاً، وكاتباً مفكراً إسلامياً كيف توجه طبيعة الإشكاليات المتوالدة في نسيج المجتمع اليمني، وبروزها ظواهر مرضية عبرت عنها النزاعات، والمواجهات المسلحة، وغيرها،أين يكمن الخلل من وجهة نظرك؟

كما قلت آنفاً فأنا أعزو الخلل إلى بنية التربية من الأساس، وإن شئت أن أفصح أكثر هنا عن هذا العامل الكلي فأنت حين تتلقى معارفك وتستجيب لتوجيهات معلمين أو من في حكمهم من القيادات التربوية المباشرة أو حتى عبر مؤسسات التنشئة الأخرى كالأسرة والمسجد والقبيلة والحزب أو الجماعة أو ( الجمعية) أو وما يسمى بمنظمات المجتمع المدني،وعبر وسائل الإعلام ومواقع المعلوماتية اليوم...إلخ وتجد أن ثمّة شحناً باتجاه الإقصاء وادّعاء امتلاك الحقيقة، ونسف كل أو معظم مالدى الآخرين، وسواء ظهر ذلك في صورة مسلك فردي أو جماعي، عبر حزب أو قبيلة، أو سلطة سياسية، وعبر عالم دين و داعية، أو مثقف أو(أفندي)، وسواء في ذلك قضايا الدين أم الدنيا؛ فالنتيجة شحن بعد شحن في الاتجاه الخطأ، وهو ما ينتج جيلاً أصم أبكم غير قادر على التمييز، فيأتي ليسهم بدوره في مسار الشحن المنحرف، وهو ما قد يفضي إلى (الانفجار) الكبير- لاقدّر الله- إذا لم نتدارك الأمر كل من موقعه، ولم نتقاذف بالاتهامات كل يتنصل منها ويلقي بتبعاتها على الآخرين،مع علمنا بالمنهج القرآني الصريح في ذلك { إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} { ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة ًأنعمها على قومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم } .

*نقترب من الواقع قليلاً.. ترى أين تكمن جذور مشكلة " الحوثية " والظاهرة المرضية التي صدر لكم حولها دراسة بعد بروزها،واستفحالها...،فهل تستطيعون إطلاع القارئ والسائل على البدايات لها ؟

مشكلة الحوثية باختصار يتداخل فيها العقدي (الفكري) أو (الأيديولوجي) بالتربوي بالتاريخي بالجغرافي، بالسياسي بالاقتصادي بالتنموي ...إلخ والبدايات انبثقت في صورة مراكز تربوية سميّت بمراكز (الشباب المؤمن) مع مطلع التسعينات على نحو علني ورسمي حيث توافق هذا مع إعلان التعددية في البلاد عقب إعلان الوحدة اليمنية وقادها في ذلك الحين إلى 2004م تقريبا محمد يحيى عزان، وحاصلها تعليم جملة من المقررات الزيدية بما فيها الفكر والأنشطة المصاحبة من أناشيد ورحلات وفنون ترفيهية أخرى،وبدأت المراكز تمتد وتتنامى حتى غطت محافظات كثيرة لكن من أهمها صعدة والجوف وعمران وحجة وصنعاء . لكن ووجهت باتجاه آخر ممن داخلها يقوده بعض الأطراف لم يكن منهم في البداية حسين الحوثي ، ووجدوا لهم سنداً من قبل المرجع الزيدي الأعلى مجد الدين المؤيدي، حيث اتهم اتجاه عزان بالتفريط والخروج عن الخط الزيدي لصالح اتجاهات جديدة من هنا وهناك، واحتدم الخلاف حتى بلغ ذلك السلطات الرسمية بمستوياتها المختلفة، وهو ما قاد إلى دعم فريق فيها، وحين استفحل أمره ،ووصل حد الاعتداد بذاته ،ورفع شعاره الأثير ( الله اكبر الموت لأمريكا الموت لإسرائيل النصر للإسلام) دفع بالسلطات الأمنية للتحذير من الاستمرار ذلك، ولمَا لم تحدث استجابة، شنت الأجهزة الأمنية على رافعي الشعار حملات اعتقال، وظلوا يرفضون الكف ،والتعهد بعدم ترديد الشعار،إذا ما خرجوا من السجن، ولما اشتدت الأمور أكثر ولا سيما مع رفض قائدهم البارز حسين الحوثي التراجع عن الشعار، أو تسليم نفسه للسلطات ،ولرئيس الجمهورية، قاد ذلك إلى احتدام المواجهات،ووقوع اشتباكات، مما أدّى إلى اندلاع الحرب الأولى في منتصف 2004م، وإلى يوم الناس هذا، وبعده والحرب قائمة حقيقةً، أو حكماً!

*يطرح ويردد البعض بين الفينة والأخرى أن الوجود الأثنى عشري في شمال اليمن بـ" صعدة " جاء عقب انتشار السلفية " الوهابية " في اليمن ، وتدخل السلفيين في حرب صعدة زاد من تعقيدها فما هو ردكم ؟

أعتقد أن في هذا التوصيف قدراً كبيراً من الصحة وقد أشرت إليه في كتابي(الظاهرة الحوثية)، وإن كنت لم أستخدم هذا المصطلح ( السلفية الوهابية) بل (الوادعية)، ذلك أن خطاب الشيخ الوادعي ومدرسته - رحمه الله- كان حادا مستفزا دفع لردة فعل نحو تذكر الماضي الذي كان هادئا بل كان ثمة اتجاه عريض داخل صعدة لتناسي المذهبية ومشايعة الاتجاه الغالب في مقررات التربية الإسلامية في المدارس العامة والمعاهد العلمية،ولاشك أنه إذا كان السلفيون قد شاركوا أو بعضهم في حرب صعدة تحت أي غطاء فإذن ذلك زاد المسألة تعقيدا،لكن التنبيه جدير بأن ليست الإثني عشرية مرادفة للحوثية – وإن وجد أفراد يتدثرون بالحوثية- بل الحوثية زيدية جارودية، كما خلصت إلى ذلك من خلال جملة من الشواهد في مقدمتها درس مسجّل واضح وصريح لحسين الحوثي بعنوان ( الزيدية والإمامية) يهجم فيه على الإثني عشرية ويسفه مقدساتهم، ويحذر من محاولات إحلالهم في اليمن. 

*كيف تنظرون إلى صراع السلطة في اليمن مع الطائفة الشيعية " الحوثيين " في الشمال ،والجبهة التي في الجنوب "الحراك ،وتوابعه"؟وهل تعتبر خطراً على الدولة ناجزاً؟وهل الورقة الطائفية،والشيعية المذهبية اللعبة التي يتكئ عليها سادة البيت الأبيض في ضرب السنة مع العرب ؟

لاعلاقة للصراع الدائر اليوم بين السلطة في اليمن والاتجاه (الجارودي) من الزيدية بأي دافع ديني أو مذهبي، بل الحوثية تسعى كما توصّلت في دراستي- إلى محاولة إعادة المجد لأسرة مجتباة، حيث ثبت بأنها تدّعي حقاً إلهيا، بدعوى البطنين، وهذا ثابت وصريح لاسيما في خطبة الغدير التي تمثل ثابتا من ثوابت هذا الاتجاه، إلى جانب ما ورد من حديث صريح للعلامة بدر الدين الحوثي والد حسين في حواره مع صحيفة الوسط، بعد نهاية الحرب الأولى، وفي رسالته الموسومةبـ( إرشاد الطالب إلى أحسن المذاهب)، والتفاوض الذي جرى ويجري اليوم في الدوحة يؤكد هذا حيث لم تعد المسألة دفاعا عن النفس من جانب الحوثي كما كان يردد بل صارت السيطرة على صعدة كاملة، ومديريات أخرى في أكثر من محافظ’، وهذا وحده دليل على الأرض كاف بالهدف الحقيقي للحرب، والسلطة من جانبها باتت تدرك أن ذلك تهديد حقيقي لسلطتها، رغم تأكيدي أن سياساتها قادت إلى ظهور هؤلاء وبروزهم على نحو ربما لم يكونوا يتصورونه هم ، ناهيك عن أن معها أطرافا في السلطة في مختلف المفاصل يدعمون الحوثية.

أما بالنسبة لمشكلة الجنوب ومطلب الانفصال فكان الأمر أهون بكثير لو كان ثمة رشد لدى السلطة لتفهم المطالب المشروعة الحقوقية قبل أن يرتفع سقف مطالبها، بسبب تلكؤ السلطة ومماطلتها، فتصبح مسيسة ثم انفصالية، ولكن هذه هي الرعونة التي لا أحد يستطيع على وجه اليقين أن يتكهن بعواقب ذلك غير أن المقطوع به أن الأمور في غاية السوء، بفضل هذه السياسة قبل أي عامل آخر، وما يسمى بالورقة الطائفية هي حقيقة أكبر ما يلعب عليه سادة البيت الأبيض ومن يدور في فلكهم في منطقتنا، والغريب أننا نلبي ذلك لهم على نحو لانحسد عليه، وذلك حين نسعى للنفخ في هذا ، وتضخيم خطورة الشيعة، والعكس صحيح، مع تأكيدي على أن الذي يجري في العراق أو لبنان – فضلا عن اليمن- سياسي بامتياز، فهو إن صح أن يكون طائفيا فهو طائفي سياسي لاديني، كما يقول شيخ المجاهدين العراقيين حارث الضاري.

*طالعتك، وقرأتك غير مرة مهتماً في الجماعات الإسلامية، والشأن الإسلامي عموماً،برأيك أين ذهب بريق ووهج الصحوة الإسلامية الذي عشناه،ولمسناه قبل بضع سنوات قليلة،ترى هل تم وأدها مثل غيرها من مشاريع طلائع الأمة للتحرر،وأن مشروع الأمة الإسلامي الذي تعول عليه ولى أدراج الرياح ؟

لا أعتقد ذلك بيد أن لدخول بعض الأطراف في لعبة السياسة بلا تربية وافية شاملة متوازنة، أو مع تربية مغلقة قبل ذلك، تصور ألأمر كالذي انفلت من عقال، كما أن انكفاء البعض ومناورته عن بعد يدفع لتصوير الأمر كما تفضلت، لكن أعتقد أن ثمة حتمية تتمثل في أن قدر مجتمعاتنا الإسلامية – و في مقدمتها اليمن- الإسلام عقيدة وتشريعا فكرا وسلوكا دينا ودولة، ولكن متى نتأهل لذلك؟ وهذا هو الأهم.

*واقع الأمة الإسلامية اليوم يندى له الجبين، وهي تعول في محنتها على أئمة الدين "العلماء" ،والإسلاميين،كيف تقيمون الواقع العملي بالنسبة لهم والخارطة .. الواقع ،الواجب والدور المطلوب والمسؤؤلية الملقاة على عاتقهم ؟

الواقع بائس في جملته، والدور كبير ويستوجب البحث عن وسائل التأهيل – بتواضع ووعي- وهذا يقتضي إعادة النظر في مناهج العاملين للإسلام كل على مستواه، وفي إطاره، كما يقتضي إعادة النظر كذلك في طرائق التعامل بين فرقاء العمل الإسلامي، لأنهم طليعة هذا الأمل ورواده، ولكن ليس من مقتضيات هذا – كما يفهم البعض – ضرورة الانصهار أو الاندماج في إطار واحد، بل التنسيق والتعامل، والتعايش الأخلاقي الكريم، وأنا هنا لا استثني من هؤلاء سنة ولا شيعة، ماداموا جميعا في إطار العمل الإسلامي الجاد والصادق والولاء لرفعة لأمة، والإسهام في خروجها من مأزقها وتجاوزها للتبعية وواقع التخلّف.

*في المقابل من المسئول من وجهة نظرك عن ضياع وغياب المشروع ،( الإسلاميون أنفسهم ،- الأمة والمجتمعات – الأعداء – غيرهم ) من يتحمل المسؤولية؟

كل من ذكرت مسئولون ولكن بدرجات متفاوتة، باستثناء الأعداء ، فمن العبث أن تنظر منهم أن يساعدوك، أو أن تنتظر منهم غير الذي يفعلونه، ولكن صدقني لو كانت بيوتنا محصنة من داخلها ما تمكنوا من التسلل إليها واختراقها أو تهديدنا بداخلها.

*ظاهرة النقد " الهادم " والتهجم على الإسلاميين – العلماء بدرجة رئيسية- في اليمن، ودول الجوار القريبة منا حتى زادت، وخرجت عن طورها،وتبناها البعض من المحسوبين على التيار الإسلامي، أين المشكلة،وما المبرر لما يحدث،ومن يقف وراء هؤلاء؟

المشكلة مزدوجة حيث ثمة اتجاه عابث من العلمانيين الاستئصاليين، وحتى من المعتدلين- وهؤلاء الأخيرون- قد نعذرهم أحياناً حين يرون بعض المسلكيات الغريبة للإسلاميين وللعلماء منهم بوجه خاص، والجميع يفزعهم أن تحكمهم دولة دينية يقودها( رجال دين) هكذا يقولون، ليسوا متخصصين، ويخشى أن يقودوا البلاد والعباد إلى قعر التخلف فوق ماهي عليه اليوم، ولهم مبرراتهم الخاصة في ذلك، لكن أخطرها على الإطلاق أن صورة الصراع بين رجال الدين من جهة ورجال العلم والسياسة من الجهة الأخرى التي حدثت في أوروبا إبان ما يُعرف عندهم بالعصور الوسطى حاضر دوماً في أذهانهم، ومن ثم فالصورة عندهم متطابقة وقائمة سلباً على ذلك النحو، ومن الجهة الأخرى ثمة وعي ضعيف لدى بعض العلماء الشرعيين، وثمة احتكار أحيانا للحقيقة بل عدم أو ضعف قدرة التمييز بين الكليات والثوابت المطلقة الحقيقية وبين المسائل التفصيلية الجزئية الاجتهادية، وثمة حدة بل خشونة وعنف لدى بعضهم تجاه زميله أو تجاه جماعة مدرسية (دينية) أخرى، وهذا بدوره يدعم حجج العلمانيين المتوجسين من حكم(الفقهاء) إذا كان هذا تعاملهم مع أقرانه، ومن هم معهم على الاتجاه العام ! والحل يكمن في مراجعة كل طرف لخطابه ومسلكه، ولا ينبغي أن نزكي علماءنا، أو نحسب أن في نقدنا لهم مشايعة للتهم التي توجه لهم من قبل الخصوم، بل النقد الذاتي الواعي المسئول مطلوب وفريضة أحياناًو(الدين النصيحة لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم) . 

*يطرح البعض ممن نلتقي بهم ونتحدث معهم أن الأستاذ الدكتور أحمد الدغشي حاد في كتاباته،وطرحه عن السلفيين والخلفية التي يكتب من خلالها تعود لانتمائه للمدرسة الإخوانية التي هي في خلاف وافتراق معهم ،ولاتتفق والمهنية التي يجب أن يكتب بها كـ" باحث " ومنصف ؟ 

لا أحد يستطيع أن يزكي نفسه بالمطلق، وأرحب بكل توجيه ونصح بل نقد جاد وإن احتد من أي اتجاه جماعي أو فردي، وأعترف بأن ثم قسوة وحدّة أحيانا في بعض ما أتناوله في كتاباتي المحدودة، ولكن ربما يشفع لها أنه قسوة المحب المخلص الصادق الصدوق، و أستشعر قول القائل :

قسوت ليزدجروا ومن يك ذا حُبٍ فليقسٌ أحياناً على من يرحم

وللعلم فإني أحتفظ بعلاقات طيبة مع مختلف الأطياف المعتدلة من شتى المدارس الإسلامية – وهي محل الحديث هنا- وفي مقدّمتهم السلفيون،و ولكن ما ليس سليما بمرة هو ظن بعضهم أن نقدي الحاد أحيانا ينطلق من انتمائي لمدرسة الإخوان المسلمين، وهذا ما أعترف بأني عجزت في إقناع كثيرين – ربما حتى من داخل الإخوان أنفسهم – أنني مستقل حرّ، وإن كنت لا أنكر أن تأثري بالمدرسة الإخوانية من حيث التنشئة لأولى و القناعة العامة أكثر بأدبيات الجماعة لايعني انتماء عضويا ، ولا سواه، وقد نقدت الإخوان- وأنا العبد الضعيف المقصّر ولكن أدّعي أن النقد المسئول بضاعتي- كما نقدت غيرهم، في مناسبات كثيرة، ولعل من أشهرها دراستي المنشورة قبل 5 سنوات في مجلة نوافذ (اليمنية) ومجلة المنار الجديد (القاهرية) بعنوان( سيكولوجية التحزب في العمل الإسلامي: الإصلاح نموذجاً)، وهي التي استغرب لها كثيرون من أطراف شتى، وربما جنت عليّ من بعض الذين كأنما صدموا من موقفي على ذلك النحو من الصراحة والوضوح ، وذلك لأنهم ينظرون بعين واحدة- مع الأسف- والحقيقة أن النقد كان أقوى وربما أقسى من أي نقد وجّه للسلفيين أو لسواهم، ولذلك قد يعذرون من هذه الزاوية في حدود معيّنة، هذا في الوقت الذي تناولت بعض كتاباتي غيرهم من سلفيين بمختلف فصائلهم إلى شيعة بما فيها الحوثية، إلى قاعدة وآخرها كتاب قيد النشر عنوانه( في الفكر التربوي عند القاعدة مع التركيز على الحالة اليمنية: عرض ونقد). وأعتقد أن كل باحث جاد منصف يعرف أن العبد الضعيف يسعى لإيجاد اتجاه حرّ داخل كل مدرسة ليفكّر الفرد بعقله لابعقل الشيخ أو الأستاذ أو القائد أو السيّد أو ما شئت أن تسميه!

*على سبيل المثال ماأوردته عن السلفيين في معرض دراسة لك عن جمعية الحكمة قولك " أنهم امتداد لمدرسة الشيخ مقبل الو ادعي عليه رحمة الله ،وربطهم بحركة جهيمان ..،،وغير ذلك وهم يعتبرون هذا منك تجنياً عليهم فما تقول ؟ 

حين أقول إن الخوارج خرجت من بين الصحابة أو أقول إن جماعة شكري أحمد مصطفى في مصر التي أطلق عليها فيما بعد ( جماعة الهجرة والتكفير) خرجت في الأصل من جعبة الأخوان المسلمين، فهل تراني أسأت إلى الصحابة أوالإخوان –مثلا- أم أثنيت عليهم وعلى منهجهم الذي يرفض الشذوذ والانحراف؟ أظن الجواب واضحا، وهل يختلف الأمر فيما يتصل بالسلفيين حين أقول إن حركة جهيمان أو المدرسة الوادعية أو حتى القاعدة خرجت جميعها من عباءة السلفية ( الوهابية) فهل تراني أسأت للشيخ محمد بن عبد الوهاب بالضرورة؟ أما حين أقول إن جمعية الحكمة أو الإحسان أو سواهما تنتنمي إلى السلفية أو التيار السلفي، التي شملت من سبق وسواهم فهل في الأمر ما يستأهل الانزعاج؟ لو كان الأمر كذلك لصح أن ينزعج المسلمون لمن يصف كل الجماعات الشاذة والمنحرفة المتلبسة بالإسلام من السنة أو الشيعة بأنها خرجت من (جعبة) الإسلام؟ وهل في ذلك خطأ أو شك؟ أرجو أن نفكّر قليلا قبل أن نطلق التهم، الجاهزة عند بعضنا بسبب أزمة الانتماء!

*في أي سياق توجهون موقف الإخوان المسلمين والإصلاح في اليمن من الحوثيين وإيران؟

في سياق الموقف السياسي الذي اتخذه تحالف المشترك ، وهو الموقف الذي لايعني قناعة الإصلاح بالضرورة، كما لايعني قناعة غيرهم، في مواقف أخرى، وهذه طبيعة التحالفات السياسية، أنه لابد أن تتنزل قليلا – وربما كثيرا أحيانا- عن بعض قناعاتك ورؤاك الخاصة،لكن لاشك أن الموقف الإصلاحي الحقيقي( أي القناعات القائمة على أساس التربية ونمط العلاقة عبر تاريخ الإخوان في اليمن غير ذلك) .

*ماذا عن تجربتك يادكتور في مسألة التقريب بين السنة والشيعة وأنباء عن تراجعك عنه؟

تجربتي محدودة ومتواضعة ولكنها تزداد تراكما يوما بعد آخر، وقناعة أكثر ، رغم كل ما يعتري الطريق من أشواك وعقبات، ذلك أن ليس أمامنا إلا التقريب، وأنا أعني به التعايش باختصار شديد، أي أن تقبلني كما أنا ، وأقبلك كما أنت، في إطار عدم استفزاز كل طرف للآخر، وقد أوضحت ذلك في رسالة صغيرة منشورة عن مركز عبادي بصنعاء عن التقريب بين السنة والشيعة و: رؤية أخرى). وأظن أن في هذا ما يعفيني من الإجابة على الشق الثاني من السؤال المتعلق بما إذا كنت قد تراجعت، لكني أزيد فأقول إن من أطلق عليه – وأرجو أن لا أقع في المبالغة الفجّة- إمام العصر يوسف القرضاوي كان قد دخل في خلاف معروف مع الإخوة الإثني عشرية قبل عامين، فأرسلت إليه خطابا مفتوحا أشرت فيه إلى مقامه والأمل المعقود عليه في التقريب، وموقفه ذاك في الخلاف تجاوز ما كان معقولا، وانجر باتجاه المشاريع الطائفية، التي ظل الشيخ حتى يوم الناس هذا يحذر منها ولعله قد أدرك هذا اليوم، بعد أن هدأت النفوس، بدليل ترحيبه القوي جدا بدعوة الرئيس الروحي للجمهورية الإسلامية في إيران جمهور الشيعة إلى عدم المساس برموز السنة وأمهات المؤمنين، وهذا هو القرضاوي الذي عرفناه.،ليس أمامنا من سبيل إلا التقارب أو التقريب أو التعايش أو سمه ما شئت – مرة أخرى-. 

*هل من رسالة تقدمونها ؟ لمن ؟

أقدمها لقيادات العمل الإسلامي جميعاً، بان يتقوا الله في أمتهم وشعوبهم ، وأن يعيشوا للأمة لا لطوائفهم ولا لأحزابهم أو مذاهبهم أو جماعاتهم أو جمعياتهم أو عشائرهم أو نحو ذلك- مع التقدير للجميع- . أن يكون انتماؤهم العام الحضاري السلوكي الفعلي للأمة كلها، وتظل تلك الأطر الخاصة بهم أمراً واقعا مشروعا في حدودها، ولكن ليس بديلا عن ذلك الانتماء الأرحب. وأن ينشئوا أفرادهم على هذه المعاني الحضارية السامية، ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله) والله موفق كل مخلص واعٍ.

*رسالة أخيرة تقدمونها لصحيفة الرشد،والقائمين عليها ؟

أن تفتح صفحاتها لكل صاحب قلم جاد أيا ما اختلف مع إطارها الخاص، مادام في إطار الثوابت العامة الكلية (الفعلية لا المتوهمة) ، وأن تجوّد مستوى محرّريها وكتابها مهنيا، مع المجاهدة بنا يُغرف بأخلاق المهنة.

*نقلا عن صحيفة "الرشد".