وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِين
بقلم/ عريب الرنتاوي
نشر منذ: 13 سنة و 3 أسابيع
الأحد 06 مارس - آذار 2011 04:48 م

لم يُبقِ قادة الفساد والاستبداد فرية إلا وألقوا بها على شعوبهم الثائرة...ولم يتركوا وصفاً قذراً إلا واستخدموه في وصف طوفان الجماهير الذي دك عروشاً وهزّ أخرى...لسان حالهم يقول: ليس هناك سبب "وجيه" للثورة، فلماذا يخرجون للشوارع ومن يقف وراءهم...إنهم لا يصدقون ما تراهم أعينهم وما تسمعه آذانهم...لكأنهم في كابوس ينتظرون يتقلبون على جنوبهم ذات اليمن والشمال..."وجعلنا من بين أيديهم سدّا ومن خلفهم سدّا فإغشيناهم فهم لا يبصرون".

بعد حديث الجرذان والفئران ولغة الهلوسة وحبوبها...يأبى الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أن يترك زميله "المرتحل" معمر القذافي وحيداًُ متفرداً بمنصة الخطابة والتحليل...ويصر على مشاطرته بعض أفكاره "العظيمة" ككتابه وجماهيريته، عن "المنفّذين" والمقلدين"، لكأننا أمام موضة أو "تقليعة" وليس أمام ثورة باسلة وشجاعة، سالت فيها دماء مئات الشهداء في ليبيا واليمن على حد سواء، فبئس التحليل الذي لا يصدر إلا عن فاقدي نعمة البصر والبصيرة.

الرئيس صالح، لا فُضّ فوه، قدّم تحليلاً معمقً لأحداث ثورة العرب الكبرى...رأى أن المتظاهرين تحركهم في ليل، غرفة علميات سوداء في تل أبيب، بقيادة المايسترو الأمريكي القابع في البيت الأبيض...هو يريد لنا أن نصدق بأننا أمام "أمريكية – صهيوينة" هدفها الإطاحة بحكمه وحكم زملائه ممن هم على شاكلته...لكأني بالرجل وقد تقمص شخصية جياب أو جيفارا أو هو شي منّه، أو لكأن صنعاء في زمن "مُلكه السعيد" قد تحوّلت إلى هانوي أو هافانا زمن الحرب الباردة...وكأنه وأركان حكمه العائلي – السلالي، وقد تسلقوا جبال اليمن واستوطنوا كهوفها، في حرب مفتوحة ضد الهيمنة الإمبريالية – الصهيونية والاستكبار العالمي.

مع أن حبر وثائق ويكيليكس المخزية، لم يجف بعد، وفيها تفاصيل مروّعة عن الكيفية التي حوّل بها الرئيس علي عبد الله صالح بلاده إلى محمية أمريكية...وكيف مكّن الأمريكيين من استباحتها...كيف حثهم وحرضهم على تنفيذ طلعات جوية، ضد أهداف يمنية، وعلى أرض اليمن، على أن يقوم هو شخصياً بتغطيتها والزعم بأنها غارات ينفذها سلاح الجو اليمني.

لا ندري إن كان في تاريخ اليمن كله، زعيم أو رئيس أو حتى "إمام"، قدّم خدمات للولايات المتحدة أو غيرها من المراكز الاستعمارية، القديم منها والجديد، كما فعل الرئيس صالح، ومع ذلك لا يجد الرجل غضاضة في اتهام ثورة بلاده وثوّارها بأنهم عملاء جنباء تحركهم غرفة العمليات السوداء في تل أبيب وواشنطن ؟!...حقاً لقد صدقت العرب حين قالت: "رمتني بدائها وانسلّت".

من الذي تحوّل إلى إلعوبة في يد الجوار و"المجتمع الدولي" و"أصدقاء اليمن" و"الولايات المتحدة، واستتباعاً إسرائيل؟....من الذي جعل بلاده عبئاًَ على شعبها وأمتها والمنطقة برمتها...من الذي ألحق الشلل بطاقات أزيد من عشرين مليون يمني ثلاثة أرباعم أميين ونصفهم جياع وربعهم عاطلين عن العمل؟...من الذي جعل من بلاده مسرحاً لكل أجهزة المخابرات القريبة والبعيدة، تعيث فيها تآمراً وتخريبا، تارة ضد القاعدة، وأخرى ضد الحوثيين "الروافض"، وثالثة ضد الحراك الجنوبي ورابعة معه ودائما ضد اليمن؟

من الذي أدار عملية نهب وسلب منظمة لمقدرات اليمن وثرواته...من الذي غذّى "القطط السمان" وأشاع الفساد في طول البلاد وعرضها...من الذي جثم على صدور اليمنيين لثلث قرن بفعل لعبة "تصفير العداد" السمجة التي لم تعد تضحك أحداً...من الذي أطاح بحروبه الستة المجنونة على صعدة بعشرات ألوف القتلى والجرحى من أبناء شعبه...من المسؤول عن القتل اليومي الرخيص في شوارع عدن ولحج والضالع وتعز...من الذي هدد بالطوفان من بعده، إن فكر أحدهم بتغيير النظام...من الذي جعل وحدة اليمن مستحيلة، ووضع البلاد والعباد على حافة التشطير إلى أربع أو خمس ولايات...أية غرفة عمليات تلك التي أدارت كل هذه الحروب والمؤامرات على اليمن...أين أقيمت ومن أدارها ومن نفّذ تعليماتها وأوامرها...أسئلة يتعين على نظام الرئيس صالح أن يجيب عليها، وليس ملايين المتظاهرين في شوارع كل المدن اليمنية.

ثم، وبعد كل هذه الخبرة المريرة مع الرئيس وعائلته وصحبه في الحكم، وبعد كل هذا "الفيض الأسود" لمكنونات صدره المثقلة بالعداء والاتهامية بحق شعبه وأهله، من سيصدق الرئيس بعد الآن...من سيأخذ بوعوده وتعهداته...من سيطمئن إلى كلمته وقسمه...لا أحد على الإطلاق، حتى أقرب المقربين إليه، من أهله وعشيرته ونوابه وسفرائه، وستُبدي لنا الأيام ما كنّا جاهلين به، وسيأتينا من سبأ نبأ عظيم.

لم يعد أمام الشعب اليمني سوى المضي في ثورته على خطى تونس ومصر وليبيا...لم يعد أمام طلائع هذا الشعب سوى أن ترفع درجة يقظتها واستنفارها، فما واجهه الثوار في ليبيا سيواجهه زملاؤهم في اليمن...ألم يستعر الرئيس صالح لغة "ملك الملوك" ومفرداته...أليست تلك توطئة لاستعارة أدواته ووسائله...إنه المخاض الصعب لليمن السعيد الذي نأمل أن تشرق شمسه من الجنوب والشمال وصعدة، فيليق الاسم بالمسمى وبالتضحيات الجسام التي قدّمها هذا الشعب الجبّار الحر، المتحفّز دوماً لنصرة فلسطين وقضايا أمته.

مشاهدة المزيد