علي عبد الله صالح وآخر الكروت المحروقة
بقلم/ فكري القباطي
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 25 يوماً
الخميس 01 ديسمبر-كانون الأول 2011 06:47 م

لم تكن ضغوط الأمم المتحدة ومجلس الأمن كافيةً لإثناء علي عبد الله صالح عن مراوغة المجتمع الدولي والشعب اليمني على حد سواء..

فالضربات الموجعة التي تلقاها علي صالح من الباب الخلفي لصنعاء باستيلاء قبائل نهم على اللواء 63 واقتحام قبائل أرحب معسكر الصمع وقتل قائد عملياته أعادت لعلي عبد الله صالح بعض صوابه بعد أن أيقن أن معسكر الصمع ليس بأكثر مناعةٍ من قاعدة العند ..

مع العلم أن ذات القوى التي اعتمد عليها علي صالح في معركته مع الحزب الاشتراكي هي ذاتها اليوم التي تمشط معسكراته المتمركزة في ضواحي صنعاء تمهيداً للحظة الحسم ..

فهذه القوى ممثلة بالفرقة الأولى مدرع والقبائل ومجاهدي حزب الإصلاح شكلت فيما سبق مثلث الرعب الذي اعتمد عليه علي صالح للظفر في معركته مع الحزب الاشتراكي ومن قبلهم الناصريون حتى شب الرئيس عن الطوق وانفرد بالقرار وانقلب على عقبيه واصفاً الطوق الأمني الذي كان يلجأ إليه في الشدائد بالكرت المحروق ليتخلوا عنه في معاركه -المفتعلة- مع الحوثيين والتي كان يحسمها بالهُدنِ تارةً وبالوساطات تارةً أخرى ..

واليوم بعد أن لقنه حلفاء الأمس درساً في احترام الخصوم نراه يتكلم بصوتٍ مخنوق عن حادثة النهدين متهماً ( الكرت المحروق ) بأنه وراء ما حدث وكأنه يجهل أنه لولا المبدأ والقيمة الإنسانية والصبر الذي يتحلى به حلفاؤه السابقون خاصةً بعد أن التحموا بالشعب لما أكمل نصف المدة التي صمد فيها وهو يهدد ويُرعد بمنطق العاصفة التي فاتها أن صبر الأعاصير قد ينفذ إن لم تكف عن اقتلاع أغصان الزيتون ..

ولا يفوتني هنا أن أذكر بدور طاولة المبادرات التي استدعاها علي صالح من دهاليز مكره بعد أن اكتمل مثلث الرعب بانضمام علي محسن الأحمر الذي انتظر هذه الفرصة بفارغ الصبر ليرد الدين للرجل الذي انقلب عليه بعد أن تترسن بأبنائه وأبناء أخيه ليبدأ في تصفية قياداته العسكرية التي لا يثق بولائها لينجح -جزئياً- في تهيئة الجو لأطفاله لولا أنه اصطدم بصخرة علي محسن الذي أفلح الرئيس في إنهاكه بعد إقحامه مع الحوثيين في معارك سيرها علي صالح بالريموت كنترول ليتوّج ذلك التآمر بفضيحة الإحداثيات الخاطئة التي تلقاها الطيران السعودي من قوات الدفاع الجوي اليمني والتي كادت أن تقضي على آخر عقبةٍ تقف في طريق علي صالح لخصخصة الجيش لولا لطف الله وعنايته ..

ليبدأ بعد ذلك علي صالح في تهيئة المناخ لنجله أحمد (عسكرياً ) من خلال حشد كل إمكانيات الدولة لصالح معسكراته و ( إعلامياً ) من خلال تصويره بصورة الجنرال الذي لا يُقهر وبالذات بعد الملحمة السينمائية التي كان طرفاها الحرس الجمهوري وبضعة أنفار من الحوثيين الذين تسللوا إلى بني حشيش ..

وعلى الرغم من أن الحرس الجمهوري أحرق بني حشيش براً وجواً وأهلك الحرث والنسل للقضاء على مجموعةٍ بسيطةٍ من الحوثيين غامرت بهذه الخطوة الجرئيةِ إلا أن الآلة الإعلامية لعائلة عفاش وجدت في هذا النصر الكرتوني فرصةً سانحةً لتقديم أحمد علي صالح للجمهور وتصويره بأنه البطل الذي يستحق أن ينال شارة التفوق عوضاً عن الجنرال العجوز الذي رمى به النظام في محرقة صعدة لإنهاكه وأيضاً لتمزيق صورته المرسومة في أذهان الشعب ..

وذلك من خلال الحيلولة دون تحقيق علي محسن أي انتصارٍ حاسمٍ على الحوثيين سواءً بالهدنِ التي كان يعلنها علي صالح شخصياً كلما اقتربت الفرقة الأولى مدرع من الحسم أو بطعنةٍ من الظهر عبر تحريك ألوية الحرس الجمهوري المتمركة في الجوف أو تلك التي كان يرسلها علي صالح من صنعاء تحت مسوغ المدد ..

وهكذا قص علي صالح بيديه أجنحته التي طالما حلقّ بها عالياً في سماء الألقاب بعد كل ملحمةٍ يخوضها لتكون الثورة الشعبية آخر مسمار يدقه حلفاء الأمس في نعشه بعد أن ألحقت به الكروت المحروقة مع الجنرال المتهالك هزائم متلاحقة في أرحب ونهم وتعز وكنتاكي وهائل وغيرها ..

ليُدركَ علي صالح - بعد فوات الأوان - أن قوته التي استمدها من ثقة حلفائه بحسن نواياه تجاه قضايا الوطن هي كل ما كان يملك ويُدرك أن الدخول في مواجهةٍ مسلحةٍ مع حزب الإصلاح الذي تنضوي تحت لوائهِ القوة القبلية المشبعة بروح الجهاد ليست كمواجهة الحزب الناصري ويُدرك أخيراً أن مواجهة علي محسن الذي قضى ثلثي عمره في ساحات المعارك جندياً ثم قائداً ليست كمواجهة علي سالم البيض ..

فحزب الإصلاح الذي انتهج فكر سيد قطب (في ضرورة تحصين الدعوة بالقوة لضمان استمراريتها ) يُعدُّ اليوم وبلا منازع أقوى حركة سياسية إسلامية في الشرق الأوسط نظراً لشعبيته الطاغية أولاً ولـ دقته التنظيمية ثانياً ولإمكانياته الدفاعية ثالثاً باعتباره الحزب الإسلامي الوحيد القادر على الدخول في معركة مفتوحة ضد جيش النظام في حال فرض عليه النظام ذلك ..

ولأن احتمالات المواجهة ما زالت واردة فسيتحتم على مثلث الرعب ممثلاً بالفرقة الأولى مدرع والقبائل الموالية للثورة وأبناء التجمع اليمني للإصلاح أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه الشعب الذي آمن بهم على الرغم من أخطاء الماضي ...

فالواضح أن الأب المخلوع قد هيأ أبناءهُ وأبناء أخيه لمثل هذه اللحظة فنوازع الأبوة في قلبهِ لن تطفئ نيران حقده على الشعب الذي خلعه ...

وهذا ما سيدفعهُ لاستخدام كروتٍ جديدةٍ يختم بها تاريخه الملطخ بالخيانة والغدر حتى وإن كانت هذه الكروت هم أقرب الناس إليه ..

ولأن هذه الكروت لن تكون بصلابة وبأس الكروت التي سبقتها فسيتوجبُ على الرئيس المخلوع أن يُعد ومنذ الآن خطاباً ديماغوجياً ينعي فيهِ آخر كروتٍ أحرقها إكراماً لكبريائه المجروح ليدخل التاريخ من أوسخ أبوابهِ كأول رئيسٍ أحرقه الشعب فانتقم بإحراق أبنائه ..