اللقاء المشترك .. فرصة العمر فهل يضيعها؟
بقلم/ أ.د سيف العسلي
نشر منذ: 15 سنة و 6 أشهر و 15 يوماً
الأربعاء 10 سبتمبر-أيلول 2008 01:21 ص

لقد كنت قطعت على نفسي وعداً بأن لا أكتب في شهر رمضان وخصوصاً حول الجدل بين الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك فيما يخص تشكيل اللجنة العليا للانتخابات.

وقد كان هذا الوعد نتيجة لقراءتي للحديث الذي رواه البخاري في صحيحه "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال الله كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به والصوم جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه" فقد استنتجت من هذا الحديث أن خلوف فم الصائم هو نتيجة إقلاله من الكلام خلال الصوم. وقد قست فضيلة الإقلال من الكتابة خلال الصوم على فضيلة الإقلال من الكلام خلاله.

ولكني تراجعت عن هذا الوعد عندما قرأت حديثاً آخر رواه أيضاً البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" فقد فهمت من هذا الحديث أن قبول الصيام يتطلب ترك قول الزور والعمل به وفهمت أيضاً أن ذلك يعني عدم التردد في قول الحق والعمل به مهما كانت النتائج المترتبة على ذلك، ومن أجل أن يتقبل الله صومي ويجعلني من عتقاء هذا الشهر الكريم من النار فإن عليّ قول ما أعتقد أنه الحق.

فمعرفة الحق والتردد في قوله خوفاً من عدم اتفاق البعض مع وجهة نظرك أو خوفاً من تشويههم لسمعتك هو في الحقيقة وقوع فيما هو أشر من قول الزور بل إنه الزور بعينه وإنه ممارسة له. ذلك أن ترك قول الزور والعمل به والمسارعة إلى قول الحق يجب أن يكونا مراعاة لله وحده وخوفاً منه وحده وبالاضافة إلى ذلك فإني اعتقد أن كتابة هذا المقال في رمضان قد يسهل على هؤلاء أو على الأقل على بعضهم تقييم ما فيه من نصائح بموضوعية وتجرد.

فمن وجهة نظري فإن مواقف أحزاب اللقاء المشترك خلال حوارها مع المؤتمر حول تعديل قانون الانتخابات وعملية تشكيل اللجنة العليا وتجاه قرار رئيس الجمهورية بتعيين أعضاء اللجنة العليا للانتخابات لم تكن موفقة ولا مسؤولة ولا في صالح هذه الأحزاب ولا تخدم المصلحة الوطنية فقد كان عليها من وجهة نظري قبل أن تتخذ هذه المواقف أن تتقي الله وأن تعرف قدرها وأن تقدم المصلحة الوطنية العليا على رغبات قادتها. وفي هذا الحالة فإن مواقفها من هذه القضايا كانت ستكون حتما مختلفة ولحسن الحظ فإنه لا زال أمامها مجال لمراعاة ذلك من خلال قيامها بمراجعة مواقفها هذه والتصرف وفقاً لما يقتضيه تقوى الله وحجمها الحقيقي ومصالحها والمصالح الوطنية.

فلو استحضرت هذه الأحزاب تقوى الله عند تحديد موقفها من أي قضية من القضايا فإنها كانت ستعطي الوفاء بالعهود التي وافقت عليها وقطعتها على نفسها أولوية كبرى مهما كانت الظروف إذ يقول الله تعالى: «لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» [177:البقرة]

فهذه الآية توضح بما لا يدع أي مجال للشك بأن التقوى ليست طقوسا «التوجه قبل المشرق والمغرب» تؤدى وإنما هي سلوكيات وممارسات ملموسة على أرض الواقع ولذلك فإنه لا يمكن تبرير التصرفات المتناقضة مع مقتضى التقوى ونتائجه بعدم تحقق شكلية من الشكليات وكذلك فإن الديمقراطية ليست شعارات تردد بل هي التزام بقواعد العمل الديمقراطي وخدمة للمصالح الوطنية العليا وبالتالي فإنه لا يمكن تبرير تعطيلها لأن بعض الأحزاب لن تحقق النجاح الذي تتوق إليه فمواقف أحزاب اللقاء المشترك عكست فهمها للعمل الديمقراطي على أنه شعارات ترفع ويتم التخلي عنها لأتفه الأسباب لذلك فإنها لا تتردد عن التراجع عن الديمقراطية إذا تحتم عليها تقديم أي تضحية على أرض الواقع.

ولو استحضرت هذه الأحزاب تقوى الله لما تنكرت للثوابت بحجة عدم تحقق بعض الجزئيات ولما عطلت المصالح العامة مقابل مصالح خاصة لها متوهمة إذ يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» [2: المائدة] .. فهذه الآية تدل على أنه لا يجوز التذرع بأي نقص أو تقصير غير أساسي أو أي مصلحة جزئية «الصيد» لتبرير التخلي عن الالتزام بالثوابت ومنها الوقوع في الممارسات التي تتناقض مع الثوابت وكذلك فإن الاختلاف في بعض الأمور لا يمنع من التعاون على البر والتقوى في أمور أخرى ولا شك أن الحجج التي ساقتها أحزاب اللقاء المشترك لتبرير عدم التزامهم بما تم الاتفاق عليه هي من هذا القبيل.

ولو استحضرت هذه الأحزاب تقوى الله لما تعاملت مع القوى السياسية الأخرى بنوع من الباطنية والتقية والريبة والتشكيك إذ يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ» [12: الحجرات].

فهذه الآية تدل على الأضرار الفادحة المترتبة على عدم الوضوح والمراوغة وتقمص وجهين وموقفين إن ذلك يؤدي إلى الاستسلام للأوهام والظنون في العلاقات بين الفرقاء، وللتخلص من ذلك فإنه لا ينبغي أن يتم تحديد المواقف على أساس النوايا ولا ينبغي التصرف وفقا للافتراضات والظنون التي قد تتحقق وقد لا تتحقق، فالاعتقاد الظني بعدم جدية الطرف الآخر لا يبرر ممارسة الخداع معه، وما من شك بأن أحزاب اللقاء المشترك قد وقعت فريسة للأوهام والظنون كما يدل على ذلك خطابها الإعلامي.

ولو استحضرت هذه الأحزاب تقوى الله لما لجأت إلى إقحام مواضيع أخرى لا علاقة لها بموضوع الانتخابات بهدف التعجيز ومنع حصول أي توافق، فلا علاقة بين محاكمة الخارجين عن القانون والعملية الانتخابية ولا علاقة بين حصة هذه الأحزاب في اللجنة العليا للانتخابات ونزاهة العملية الانتخابية. فقد كانت هذه الأحزاب مشاركة في اللجنة العليا واللجان الفرعية السابقة ومع ذلك فإنها رفضت قبول نتائج كل الانتخابات الماضية.

إن مبالغة أحزاب اللقاء المشترك في المطالب التي تقدمت بها وتمسكت بها تدل على أنها لا تعرف قدرها الشعبي والسياسي. فمن الواضح أن نسب المشاركة التي طالبت بها هذه الأحزاب في قوام اللجنة العليا واللجان الفرعية يفوق بكثير حجم شعبيتها بأي معيار من المعايير قيست شعبيتها. فنسبة تمثليها في مجلس النواب تقل بكثير عن نسب المشاركة التي تطالب بها وكذلك فان نسب عدد الأصوات التي حصلت عليها هذه الأحزاب في الانتخابات الماضية سواء البرلمانية أو الرئاسية أو المحلية تقل بكثير عن نسب المشاركة التي تطالب بها. فسعي هذه الأحزاب للحصول على مزايا لا تستحقها وفقا لأي معيار ديمقراطي هو نوع من الفساد السياسي.

لقد أثبتت هذه الأحزاب من خلال تميعها للحوار وردة فعلها السلبي على قرار تشكيل اللجنة العليا للانتخابات أنها لا تقدر المصلحة الوطنية العليا أو أنها لا توليها أي اهتمام. فعلى الرغم من أن قرار تعيين اللجنة العليا للانتخابات قد أعطاها نسب مشاركة تفوق نسب شعبيتها فإنها قابلت ذلك بالرفض والاعتراض. ولا شك أن تصرف هذه الأحزاب على هذا النحو يضر بالديمقراطية ويضع أمامها عقبات غير ضرورية. وكذلك فإن حملاتها الإعلامية قد عملت على تشويه سمعة اليمن بدون مبرر.

لقد أثبتت هذه الأحزاب أنها لا تهتم بالمصلحة الوطنية من حيث إصرارها على جعل اللجنة العليا للانتخابات أولوية مطلقة. فمن الواضح أن اقوام اللجنة العليا واللجان الفرعية ليست في مقدمة الأولويات الوطنية. فتحقيق انتخابات حرة وفقا لمعايير الدول المتقدمة يحتاج إلى فترة طويلة يتم فيها التعلم على إدارة مثل هذه العمليات وزيادة الوعي السياسي للأحزاب المشاركة والناخبين. ولا شك أن تحقيق ذلك في الوقت الحاضر مستحيل حتى ولو كان كل قوام اللجنة العليا واللجان فرعية من أحزاب اللقاء المشترك بل حتى لو كانت اللجنة العليا مشكلة من خبراء دوليين بل حتى لو كانت اللجنة العليا مشكلة من الملائكة.

ولو كانت هذه الأحزاب تهتم بالمصلحة الوطنية فإنها بدلا من الانشغال بهذا الأمر فإنه كان عليها أن تنشغل في تقديم برنامج انتخابي مفيد، ففي هذه الحالة فإنه كان من الممكن لأحزاب اللقاء المشترك إما أن تصل إلى السلطة إذا كان لديها برنامج أفضل من برنامج المؤتمر وإما على الأقل أن تجبر المؤتمر على تغيير بعض سياساته الخاطئة من وجهة نظرها.. وفي هذه الحالة فإن الجميع سيستفيد وسيخرج من الانتخابات منتصرا، إن هذه النقطة في غاية الأهمية وتنبع أهميتها من أن اليمن يحتاج الى نقاش مستفيض حول السياسة الاقتصادية وحول برنامج الإصلاح الاقتصادي المناسب والقادر على تطوير اليمن.

وعلى الرغم من كل ذلك فإنه لا زال أمام هذه الأحزاب فرصة العمر إذا ما ارادت أن تغتنمها، فأحزاب اللقاء المشترك لن تجد شخصية تتعاطف معها مثل شخصية فخامة الأخ الرئىس -حفظه الله - فقد كان من المفترض أن يتم تجاهل هذه الأحزاب تماما لأنها لم تبد أي نية للتوافق والتجاوب مع التنازلات التي اعطيت لها ومع ذلك فقد اشركها فخامته في قوام اللجنة العليا، ومن الواضح أن تصرف فخامة الأخ الرئيس على هذا النحو ليس ضعفا ولا تكتيكا ولكنه تصرف ثابت واستراتيجي والامثلة على ذلك كثيرة فلولا شخصيته المتسامحة هذه لما تحققت الوحدة ولما تم التغلب على آثار حرب 94 ولما تم المحافظة على السلام الاجتماعي والاستقرار وخصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إنه ديمقراطي من الطراز الأول والأدلة على ذلك كثيرة فلولا التزامه الشديد بالديمقراطية لما صمدت التجربة الديمقراطية اليمنية وخصوصا في ظل سعي أحزاب اللقاء المشترك إلى زعزعة هذه التجربة وسعي بعض القوى السياسية لاستغلال الديمقراطية في تحقيق أهداف سياسية غير ديمقراطية لولا قوة وطنيته لتم حل العديد من الأحزاب التي لم تلتزم بالمعايير الوطنية والديمقراطية والأدلة على ذلك كثيرة فإذا لم يتمتع فخامته بحس وطني كبير لعمل على إقصاء هذه الأحزاب والقوى السياسية الأخرى التي ارتكبت من الأخطاء ما يبرر إقصاءها.

لو كانت هذه الأحزاب وطنية لمدت يدها إلى فخامته لتساعده وتعينه على تحقيق العديد من الإصلاحات الضرورية والصعبة انه القوي الأمين وبالتالي فإنه وحده القادر على اتخاذ قرارات صعبة من أجل اليمن سواء على الصعيد السياسي الديمقراطي أو على الصعيد الاقتصادي.

إن على أحزاب اللقاء المشترك أن تدرك أن لديها ولدى اليمن فرصة العمر في ظل قيادة فخامته والمتمثلة في تحقيق توافق وطني يعمل على تفرغ القوى السياسية بمختلف مستوياتها ومكوناتها لتحقيق التنمية الاقتصادية.

وفي حال تحقق ذلك فإنه سيكون من الممكن تحقيق إصلاحات صعبة لا يقدر على تحقيقها إلا فخامة الأخ الرئيس - حفظه الله - ومن ثم فإن إشغال فخامته بقضايا هامشية يعني تضييع فرصة العمر هذه، فلمصلحة من يتم إهدارها؟!.

نقلاً عن الثورة نت