معارك شبوة- حضرموت- ليست الوحدة أو الإنفصال ولا الإخوان.
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: سنة و 7 أشهر و 7 أيام
السبت 20 أغسطس-آب 2022 08:37 م

لعل جذور المعركة العسكرية الحالية الدائرة في نطاق مناطق النفط والثروات في شبوة وتخوم حضرموت تعود إلى قبل ٣٥ عاماً، وبالتحديد الأعوام ١٩٨٧- ١٩٨٨م حيث قاد وزير دفاع نظام عدن حينها هجومات عسكرية للأستيلاء على منابع النفط والثروات المعدنية المشتركة بين مناطق شمال اليمن والجنوب..

وهو الذي يوجه بعض المعارك والوحدات العسكرية الحالية من المكلا باسم استعادة دولة الجنوب وطرد شرعية الإخوان من الوادي، فيما الهدف الحقيقي للمهاجمين هو الأستئثار بالنفط والثروات المعدنية المشتركة في أراضي مناطق الشمال المتاخمة، ومحاولة ضم كل المنابع المشتركة للجنوب.

* وحدة آبار النفط*

والواضح إن تحركات وتعزيزات القوات العسكرية المعاكسة المحسوبة على شرعية الدولة اليمنية في شبوة وحضرموت ومأرب لا تهدف إلى منع انفصال الجنوب، ولا تدافع كذلك عن الوحدة اليمنية أو فرضها بالقوة على الطرف الآخر، بل تسعى باستماتة للدفاع عن نوع آخر من الوحدة، هو وحدة آبار النفط والثروات المعدنية المشتركة للشطرين السابقين من اليمن، التي لا يحق لأي طرف الأنفراد بها والأستحواذ عليها حتى لو جرى إعلان كيان انفصالي في الجنوب أو الشمال من طرف واحد.

إنتهت محاولة هيثم قاسم طاهر (أبرز اذرع التحالف حالياً) قبل قيام الوحدة اليمنية في الجنوب باستخدامه القوة وتفجير الموقف للأستيلاء على آبار النفط ومناجم الذهب والمعادن المشتركة إلى قرار توقيفه رسمياً بما يشبه الأقامة الجبرية من قبل اللجنة المركزية للحزب الإشتراكي اليمني في عدن، ومنعه من ممارسة مهامه في وزارة الدفاع بسبب اتخاذه قرارات فردية كادت تغرق الجنوب والشمال في حرب طويلة مدمرة تقضي على أي أمل في استغلال الثروات النفطية والمعدنية على طول جغرافية المناطق المتاخمة والمتداخلة ضمن حدود كل شطر يمني مع الآخر.

أفضت تلك المعارك والمناوشات العسكرية غير المعلنة على حدود شبوة- مأرب- حضرموت بين عدن وصنعاء [وبرعاية أمريكية غير مباشرة] إلى حل وسط مقترح بين الطرفين والحكومتين، وتحويل تلك المحنة إلى مشروع وطني كبير لاستغلال الثروات اليمنية المشتركة، وتنمية البلاد تحت راية مشروع الوحدة اليمنية.

نجح الأمريكان في توحيد ثروات مأرب- شبوة- حضرموت لما اعتقدوه في البداية مصالح ومنافع كبيرة لشركاتهم العملاقة فيما أسموه لاحقاً ب(وحدة آبار النفط).

* جنوب وشمال السودان*

وقريباً من ذلك ما حصل في نموذج وحدة آبار نفط السودان بين الشمال والجنوب والحروب الطاحنة المدمرة طوال ٤ عقود من الزمان، بين الخرطوم وجوبا التي لم يعترف فيها جنوب السودان بحقوق شمال السودان في الثروات النفطية والمعدنية منذ البداية، ثم تبين لاحقاً إن الشمال لا يصر على فرض الوحدة على الجنوب أكثر من مطالبته بحقوقه المكتسبة في الثروات الهائلة من جغرافيا الحدود المشتركة، كما أن الجنوب لا يصر على الإنفصال إلا ليستحوذ على ثروات أشقائه بمفرده تحت شعارات مواربة ومراوغة باسم الإستقلال والتحرر، رغم أن جنوب السودان توحد مع الشمال في مرحلة طوعية انتقالية، لكنه عندما قرر الأنفصال كان قد منح الشمال حصته وحقوقه الكاملة في الثروات المشتركة.

وتختلط في معارك شبوة-مأرب- العبر حضرموت دوافع المهاجمين بين محاولة فرض الإنفصال والأستحواذ بالقوة، فيما يضيف المدافعون نوزاع وطنية وحقوقية مختلطة، خصوصاً بعد تنامي الوعي الإنساني غير العنصري لشرائح كبيرة من أبناء الجنوب تجاه أهمية وحدة البلاد والأستغلال الوطني المشترك للثروات الطبيعية كلها، بدلًا عن خيار الحرب العبثية المهلكة للجميع، حيث لا ثروات، ولا وطن ولا استقرار، سوف تجر معها اليمن بكل مربعاتها وجهاتها إلى نصف قرن أخرى قادمة وتهديد الأمن الدولي والأقليمي ، تارة على الثروة وتارة أخرى على السلطة والأستحواذ والنفوذ.

* إستغلال دولي *

جاءت التحركات العسكرية الفرنسية-الأمريكية الأخيرة في كل من حضرموت وشبوة استجابة لهاجس تهديدات الأوضاع الأمنية المتفاقمة في المنطقتين، وتعارضهما مع استراتيجيا أمن المصالح الإقتصادية للكبار..

فليس تعويض نقص إمدادات الغاز الروسي لفرنسا وأوروبا المحرك الوحيد لتأمين نقل غاز مأرب إلى ميناء بلحاف- شبوة لتغطية بعض احتياجاتها ، إذ تقرر منذ عقود أن تكون كل مناطق ثروات اليمن النفطية والمعدنية، من الداخل إلى الساحل ومنافذ تصديرها، في ظروف أمان واستقرار مستدام. إنها وحدة آبار النفط التي دفعت الأمريكان الأسبوع الماضي إلى طلب محافظي شبوة وحضرموت عوض خفض التصعيد واحتواء وتسوية تداعيات المواجهات الخطيرة.

ويبدو إن فئات من اليمنيين الجهويين العنصريين لم يعوا جيداًً معنى أن يختنق الجميع وتغرق السفينة المشتركة جراء سطوة عقلية النَّهَم القاتل لابتلاع ثروات شعب بأكمله بالرهان على حسابات التفوق الوهمي، أو محاولة التعدي لفرض أمر واقع بالقوة، على اعتبار أن الطرف الآخر يتحاشى الدفاع عن حقوقه أو لا يستطيع ذلك ..

فليحذروا غضب الحليم، وليعيدوا حسابات الربح والخسارة، خصوصاً حين تزج فئة بسيطة ومحدودة فوضوية وجاهلة بالشعب خلف عَرَبة جنونها، لمجرد إنها تمتلك السلاح لوحده فقط، ومعه أيضاً وقاحة ونزق الأخلاقيات.