حصاد السراب
أحمد الزرقة
أحمد الزرقة

1

قبل ثلاثة وثلاثين عاما وتحديدا في 17يوليو 1978م ألقى علي عبد الله صالح أول كلمة له أمام مجلس الشعب التأسيسي بعد أدائه اليمين الدستورية بصفته رئيسا للجمهورية العربية اليمنية خلفا للمقدم أحمد الغشمي متحدثا فيها عن الملامح العريضة للسياسة التي سينتهجها خلال فترة حكمه للبلاد، لم تتعدى كلمته تلك عن كونها مجموعة من الجمل الإنشائية الفضفاضة ولم تقدم رؤية سياسية أو تحمل ملامح مشروع اقتصادي او ثقافي أو اجتماعي سيحرص على تنفيذه خلال فترة حكمه، واستمر خطاب صالح خلال فترة حكمه التي وصلت لما يقارب ثلث قرن من الزمان يحمل نفس المفردات ويكرر نفسه حتى اصبحت مفردات( الثورة والجمهورية والحرية والديمقراطية والتنمية الشاملة ومحاربة الاعداء والمتربصين بالحكم) هي المفردات التي يكررها دوما دون ان يعرف معانيها الحقيقية، فبعد كل هذه السنوات التي تربع فيها مستاثرا بحكم البلاد لم يستطع خلالها تحقيق أي شيئ من تلك المفاهيم،التي غالبا ماكان يستخدمها للترويج الاعلامي والشعبي فقط.

2

وفي كلمته تلك حرص على أن يقدم نفسه كشخص زاهد في السلطة تعرض لضغوط من قبل أعضاء مجلس الشعب التأسيسي ليقبل بتحمل"المسؤولية الجسيمة والأعباء الشاقة لقيادة هذا البلد كرئيساً للجمهورية وقائداً عاماً للقوات المسلحة في مرحلة من أدق المراحل التي يمر بها شعبنا اليمني".

وهي العبارات التي دائما ماكررها كثيرا خلال فترة حكمه والتي حرص غير مرة في تذكير اليمنيين على المشقة التي تحملها ومازال متحملا لها فقط من أجل خدمة الوطن والمواطنين، في محاولة لانكار الجهود والضغوط والتهديد والتآمر من أجل ان يصل لسدة الحكم، ولا أدل على ذلك شهادات معاصريه من السياسيين والعسكريين، واصراره على التشبث بالحكم خلال كل هذه الفرصة واعلانه الحرب على كل من يحاول منافسته أو الاقتراب من كرسي السلطة.

3

عاهد صالح في كلمته الاولى والقصيرة نسبيا، (الله والشعب اليمني العظيم "على النهوض بالمسؤولية الجسيمة التي كلفه بها مجلس الشعب بكل إخلاص وأمانة وأن يبذل كل جهده وطاقاتاته في سبيل الحفاظ على أهداف ومبادئ ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة وتطلعات حركة الثالث عشر من يونيو المباركة، وعلى كل مكاسب الشعب، وأكد للجماهير إصرارهً على مواصلة مسيرة التنمية الشاملة في إطار من الحرية والديمقراطية وعلى رعاية ودعم الحركة التعاونية والدفع بعملية التصحيح وصولاً إلى بناء الدولة المركزية الحديثة دولة النظام والقانون والاهتمام بالمغتربين من أبناء شعبنا في كل مكان وعلى بذل المزيد من الجهد من أجل تطوير القوات المسلحة والأمن وانه "سيمد يده نظيفة إلى الجميع من أجل بناء اليمن ومن أجل سعادة الشعب وأمنه وسيادته"، ولن يفرق بين مواطن ومواطن إلا من حيث السلوك والممارسة وأنه وبكل طاقاته وجهده سيعمل لتجنيب اليمن الوقوع فيما يريده له الأعداء ولن أفرط في حق من حقوق الشعب).

4

تلك كانت تعهداته التي اعلنها وأقتطفتها من خطابه ذلك ولم يوف بأي منها لشعبه،فلا هو حافظ على اهداف ومبادئ الثورة، وانقلب على أهداف حركة 13 يونيو، وبذل جهودا كبيرة لانهاء الحركة التعاونية،ووأد عملية التصحيح التي كان قد بدأها الرئيس الراحل الشهيد ابراهيم الحمدي،وأبدى حرصا متزايدا على تدمير الصورة الذهنية للمشروع التحديثي الذي وضع ملامحه الحمدي، ولم يبن دولة مركزية حديثة ولا دولة للنظام والقانون، وفي عهده الميمون اهين المغترب اليمني في كل بقاع المعمورة، وبات الشعب الذي تعهد باسعاده واحدا من أكثر شعوب العالم فقرا وجوعا وتخلفا.

5

في خطابه ذاته قال أنه سنضرب بقوة وقسوة كل من يريد المساس بسيادة واستقلال اليمن والاخلال بامنها واستقرارها،لكن ماحدث في عهده هو عكس كل ذلك فقد فرط بسيادة اليمن وباع جزء من أراضيها للشقيقة الكبرى بلا ثمن، وسلم قياد البلاد للخارج ، وهاهو اليوم قد نجح في تقديم اليمن كملاذ للعنف والارهاب القادم من بلاد حلفائه السعوديين، واشعل مئات الحروب الاهليه، ودعم عمليات الخطف والارهاب، وعزز من نفوذ مراكز القوى التقليدية المتخلفة، وأحكم هو وأسرته على كل مفاتيح القوة والثروة في البلاد.

6

قال أنه يؤمن إيماناً عميقاً وراسخاً بوحدة شعبنا اليمني،ولن يتردد لحظة واحدة عن بذل كل الجهود في سبيل تحقيق تلك الأمنية الوطنية الغالية، وأتهم القوى السياسية الحاكمه في الجزء الجنوبي من البلاد بإلارهاب والدناءة ، تلك كانت نظرته لمن مد يده بعد ذلك له لتحقيق وحدة اليمن ، وبتلك العقلية تعامل بعد ذلك مع شريك الوحدة الصادق والذي كان اكثر وحدوية منه، ولا أدل على ذلك اكثر من سياساته إزاء الحزب الاشتراكي وأبناء الجنوب الوحدويين،والتي انتهت باعلانه الحرب على شريكه ،وعلى كافة ابناء الجنوب بعد حرب صيف 1994م.

7

أكد صالح في نفس الخطاب إن الشعب هو خالد أبداً وفوق كل الأفراد، وهاهو اليوم يقتل شعبه في كل المدن والساحات والقرى والعزل من أجل أن يبقى هو خالدا ولا ضير أن يفنى الشعب ليبقى القائد يوزع عليه وجبات الموت المجاني من صعده حتى المهره، ويتهم شعبه بالعمالة والارتزاق ويصفهم بمجموعات غوغائية انقلابية، وكمكأفأة لشعبه الذي صبر عقودا طويله متحملا ويلات حكمه بات ينتهج ضده سياسات العقاب الجماعي ويحرمه من جميع حقوقه الطبيعية، ويسوقه نحو الموت وويلات الاقتتال للحفاظ على بقايا كرسي حكمه المتهالك، وينوي هدم المعبد على رؤؤس جميع ساكنيه لانهم ضاقوا بقيود الذل والاستعباد التي منحها اياهم.

لكن يبدو انه طول بقائه في كرسيه انساه ماقاله في خطابه الاول عن خلود الشعب وفناء الافراد، ولم يتعظ مما اصابه في حادث النهدين الذي اقترب منه الموت كثيرا، فما زال من مشفاه السعودي يتوعد ويهدد شعبه ومناوئيه بالموت والقتل،ويستخدم نفس لغة الامام أحمد حميد الدين في عام 1959م اثناء تواجده في روما للعلاج ضد مناوئيه، لكن تلك التهديدات لم تمنع قيام الثورة ضد حكمه، ولم تفلح تهديداته تلك في أيقاف حركة التغيير، وهذا ما سيكرره التاريخ وستثبته الايام القادمة.

الخلود للشهداء والشفاء للجرحى والنصر للثورة والمجد والرفعة لليمن.

Alzorqa11@hotmail.com


في السبت 23 يوليو-تموز 2011 05:08:21 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=11099