كلمة توكل كرمان في حفل استلام جائزة نوبل للسلام 2011
توكل  كرمان
توكل كرمان

بسم الله الرحمن الرحيم

أصحابَ الجلالةِ والسموِ والفخامة، السادةَ لجنةَ جائزةِ نوبلْ للسلام، شبابَ الربيعِ العربي، وشبابَ الثورةِ في ساحاتِ الحريةِ وميادينِ التغيير، إلى جميعِ أحرارِ العالم

من منبرِ نوبل للسلام....السلام عليكم

بكل غبطةٍ وسرور، أعبرُ عن العِرفانِ بالجميلِ لتشريفي وزميلتيّ، المناضلتين من أجل السلام: فخامةُ الرئيسةْ ألين جونسن سيرليف Ellen Johnson Sirleaf والسيدة ليما غبووي Leymah Gbowee بهذه الجائزةِ العالمية التي تحملُ معنىً أخلاقياً وإنسانياً عظيماً. فشكراً لكم على الجائزة، التي أعتبرُها تشريفاً شخصياً لي، ولبلديَ اليمن، وللمرأة العربية، ولنساء العالم، بل ولكل الشعوبِ المتطلعةِ للحريةِ والكرامة. أقبلُ الجائزةَ باسمي وباسمِ الشبابِ اليمني والعربي الثائر، الذي يخوضُ اليوم نضالَه السلمي ضد الفسادِ والاستبداد، بشجاعةٍ أخلاقيةٍ وحكمة سياسيةٍبالغة.

إن حُلُم ألفريد نوبل Alfred Nobel بعالمٍ يسودهُ السلمُ وتختفي منه الحرب، لم يتحقق بعدُ... لكن الأملَ في تحقيقهِ يكبُر، والعملَ لتحقيقهِ يتضاعف. ولا تزالُ جائزةُ نوبلْ للسلام تقدم الدفعةَ الروحيةَ والوجدانيةَ لهذا الأمل. لقد ظلت الجائزةُ منذ أكثرَ من مائةِ عامٍ، تبرهنُ على قيمةِ النضالِ السلمي من أجل الحقِ والعدلِ والحرية، وعلى خطأ العنفِ والحربِ ونتائجِهِما العكسيةِ المدمرة.

لقد آمنتُ دائماً بأن مقاومةَ القمعِ والعنفِ ممكنةٌ دون الركونِ إلى قمعٍ وعنفٍ مشابهَين. كما آمنت دائماً بأن الحضارةَ الإنسانيةَ هي ثمرةٌ لجُهد النساء والرجال معاً؛ ومتى غـُبـِنت المرأةُ ومـٌـنـِعت حقَها الطبيعي في هذه العملية، تكشفت عَوْرات المجتمعِ وبانت علَلُهُ الحضاريةُ بما يتأذى منه في نهايةِ الأمر المجتمعُ كُلُه برجالِهِ ونسائِه. إن حلّ قضايا المرأةِ لا يمكنُ أن يتحققَ إلا في مجتمعٍ حرٍ ديمقراطي تتحررُ فيه طاقةُ الإنسان، طاقة ُالنساءِ والرجال ِمعاً. فحضارتنا تسمى الحضارةَ الإنسانيةَ غيرَ منسوبةٍ لرجل أو امرأة.

أيتها السيدات أيها السادة؛

منذ تقديمِ أولِ جائزةِ نوبل للسلام عام الفٍ وتسعمائةٍ وواحد، مات الملايينُ من البشر في حروبٍ كان من المُمكن تفاديْها بشيءٍ من الحكمةِ والشجاعة. وكان للبلادِ العربيةِ حظُها من هذه الحروبِ المأساويةِ رَغم أنها أرضُ النبوءاتِ والرسالاتِ السماويةِ الداعيةِ إلى السلام. فمنها جاءتِ التوراةُ تحملُ رسالةَ: "لا تقتل"، ومنها جاء الإنجيلُ يبشر: "طوبى لصانعي السلام"، ومنها جاء القرآنُ برسالتِهِ الخاتمة يحض: "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة". ويحذر " أن من قتل نفساً فكأنما قتل الناسَ جميعاً ".

ومع ذلك، فإن تاريخ َالإنسانيةِ ورَغم منجزهِ العلمي الكبير، ظل تاريخاً ملطخاً بالدماء. فالملايينُ قد سقطوا ضحايا في مسيرةِ قيامِ الممالكِ وسقوطها، التاريخُ القديمُ يقولُ ذلك! التاريخُ الحديثُ يؤكده! والشواهدُ الماثلةُ اليومَ تقولُ إن جوهرَ الرسالاتِ الداعيةِ للسلم، قد ديسَ عليه مراراً، وإن الضميرَ الإنسانيَ كثيراً ما علت على صوتهِ أصواتُ القاذفاتِ والراجماتِ والقنابلَ وكلِ وسائلِ القتل!

أيتها السيدات أيها السادة؛

إن شعورَ الإنسانيةِ بالمسؤوليةِ في صنعِ الحياةِ الكريمةِ وجعلِها جديرةً بالعيش ِبما يحققُ كرامتَها، كان دائماً أقوى من كلِ إرادةٍ لقتلِ الحياة،،،، وإن بقاءَ الجنسِ البشريّ رغم المقاتِلِ الكبرى، هو التعبيرُ الكاملُ عن توقِ الإنسانيةِ في مجملها إلى الإعمارِ لا الهدم، إلى التقدمِ لا التراجع والفناء . وهو نزوعٌ يتعززُ يوماً بعد آخر بما تيسر للإنسانيةِ من تواصل بفضلِ التطورِ المذهلِ والمتسارعِ لتكنولوجيا المعلوماتِ وثورة الاتصالات. لقد انهارتِ الجدرانُ بين المجتمعاتِ الإنسانية، وتقاربت أقدارُها ومصائرُها، وبدأت مرحلةٌ جديدة. مرحلةٌ أًصبحت فيها شعوبُ وأممُ عالِمنا الواسعِ ليسوا فقط سكانَ قريةٍ صغيرةٍ كما يقال، بل أفرادَ أسرةٍ واحدةٍ رغم اختلافِ الأجناسِ والأعراق، وتباينِ الثقافاتِ واللغات. أسرةٌ يتفاعلُ أفرادُها جميعاً في كل أركانِ كرتنا الأرضية، يتشاركونَ التطلعاتِ والمخاوف. وستبقى الإنسانيةُ رغم كل عثراتِها ماضيةً باتجاه " ماينفعُ الناس " ويدفعُ الثقافاتِ والخصوصياتِ الحضاريةِ، والهُوياتِ المتعددة والمتباينةِ لتمضي على طريقِ التقاربِ والتمازج والتلاقح الإيجابي أخذاً وعطاءَ؛ وشيئاً فشيئاً يَحِلُ التفاهمُ محلَ النزاع، والتعاونُ محلَ الصراع، والسلامُ محل الحرب، والتكاملُ محل الانقسام.

يمكن القولُ إن عالمنا المعاصر الذي صقلتهُ وأنضجتهُ خِبراتُهُ وتَجارِبُهُ الطويلةُ بحُلوها ومرها يسير بخطىً متئدةٍ و واثقةٍ نحوَ صياغةِ عالمٍ جديدٍ و عولمةٍ مشرقة: عالمٌ... إيجابيٌ ذو آفاقٍ انسانية، وعولمةٌ... تحققُ للبشريةِ قيمَ الحرية ِوالحقِ والعدالةِ والتعاون. عالمٌ،،، تقومُ علاقاتُهُ وتعاملاتُهُ وشرائعُهُ، على نفيِ وتحريمِ كلِ مظاهرِ وممارساتِ استبعادِ واستعبادِ الانسانِ لأخيهِ الانسان، وعولمةٌ،،، لا مكان فيها لسياساتِ الظلمِ والقهرِ والتمييزِ والطغيان؛ عالمٌ،،، مفعمٌ بالشراكةِ والتعاونِ والحوارِ والتعايشِ والقبولِ بالآخر، وعولمةٌ،،، تزولُ في ظِلِها وتنتهي إلى الأبد كلُ حالاتِ اللجوءِ والاحتكامِ إلى شرعيةِ القوةِ وجبروتِها في إاخضاعِ الجماعاتِ والشعوبِ والأمم، واستلابِ حرياتِهم وكرامتِهِم الانسانية. هل تراني أسرفت في الحُلُم...؟

إنني ألمح في الأفق عالماً جديداً، وعولمةً مشرقهً زاهرة. إنني أشاهدُ يقيناً، نهايةً لتاريخٍ آثمٍ وسوداويٍ مرير، ذاقت جرائَه شعوبٌ وأممٌ في العالمِ ويلاتٍ ومآسيَ ودمارٍ وكوارث. إنني أشاهد يقيناً بدايةَ مرحلةِ تاريخٍ إنسانيٍ مزدهرٍ ومعطاءٍ، بالخيرِ والسلامِ والحبِ والإخاء.

أيتها السيدات أيها السادة؛

إن السلامَ داخلَ الدولِ لا يقلُ أهميةً عن السلامِ بين الدول. والحربُ ليست مجردَ الصراعِ بين الدول، فهنالك حربٌ من نوعٍ آخرَ أشدُ مرارةً؛ هي حربُ القادةِ المستبدينَ على شعوبِهِم، هي حربُ من استأمنتهُم الشعوبُ على مصيرِها فخانوا الأمانة، هي حربُ من وكلتهُم شعوبُهُم على أمنِها فوجهوا إليها سلاحَهم؛ وهي الحربَ التي تواجهها الشعوبُ في الدولِ العربيةِ اليوم.

ففي الوقتِ الذي أتحدثُ فيه إليكم الآن، ينطلقُ الشبابُ العربيُ من النساءِ والرجال، في مسيراتٍ سلميةٍ يطالبُ حكامَه بالحريةِ والكرامة. يمضون في مسيرِهِمُ النبيلِ هذا، ما في أيديهم سلاح، إلا إيمانَهم بحقِهِم في الحريةِ والكرامة. في مشهدٍ دراميٍ يجسدُ أجملَ ما في الروحِ الإنسانيةِ من معانيْ التضحيةِ والتعلقِ بالحريةِ وبالحياة، في مواجهةِ أقبحَ ما في النفسِ البشريةِ من غرائزِ الأنانيةِ والظلمِ وحبِ الاستئثارِ بالسلطةِ والثروة.

أيتها السيدات أيها السادة؛

إن السلامَ لا يعني مجردَ توقفِ الحرب، إنما يعني أيضاً توقفَ القمعِ والظلم. وفي مِنطقتنا العربية، هناك حروبٌ طاحنةٌ بين حكوماتٍ وشعوبِها، وليس للضميرِ الإنسانيِّ أن يرتاح َوهو يرى هذا الشبابَ العربيَ في عُمُرِ الزهورِ تحصُدُه آلةُ الموتِ التي أشهَرَها في وجههِ الطغاة. إن الروحَ التي تُجسدُها جائزةُ نوبل للسلام هي الروحُ التي نتطلعُ إليها اليومَ لنصرةِ الشعوبِ العربيةِ الطامحةِ إلى الديمقراطيةِ والعدلِ والحرية. إذا نصرنا هذه الروح، روحَ جائزة ِنوبل للسلام، فسنبرهنُ للمستبدينَ أن أخلاقَ النضالِ السلميَّ أقوى من سلاحِ القمعِ والحرب.

 

أيتها السيدات أيها السادة؛

إن ثوراتِ الربيعِ العربيِ في تونِسَ ومصرَ وليبيا واليمنَ وسوريا، وإرهاصاتِ الثورةِ في بلدانٍ عربيةٍ اخرى كالجزائر والمغرب والبحرين والسودان وغيرِها لم تكُن في بواعِثِها ومحركاتِها وأهدافِها تجري في جزرٍ معزولةٍ ومقطوعةِ الصلةِ عن مجملِ التطوراتِ والمتغيراتِ الهائلةِ المذهلةِ والمتسارعةِ التي يشهدُها عالمُنا المعاصر. لقد استيقظت الشعوبُ العربيةُ على بؤسِ حظها من الحريةِ ومن الديمقراطية ومن الكرامة، فثارت. وهي تجارِبُ تشبهُ إلى حدٍ ما الربيعَ الذي اجتاحَ أوروبا الشرقية مع أفولِ الاتحادِ السوفيتي . ومثلما تعسرت ولادةُ الديمقراطياتِ في أوروبا الشرقية، وخرجت الى الوجودِ بعد صراعٍ مريرٍ مع الأنظمةِ القائمة، يشهدُ عالمُنا العربيُ اليومَ ولادةَ عالمٍ جديدٍ يقفُ الطغاةُ والحكامُ الظلمةُ في وجهه، لكنه خارجٌ إلى الحياةِ لا محالة .

إن شعوبنا العربيةَ الثائرةَ سلمياً وبشكلٍ حضاري، رزحت عقوداً طويلةً من الزمنِ مقموعةً ومقهورةً من قِبَل نُظُمِ حكمٍ مستبدةٍ طاغيةْ، أوغلت في الفسادِ ونهبِ اموالِ وثَرَواتِ شعوبِها، وسَلَبتها كلَ حرياتِها وحقوقِها الطبيعيةِ في الحياةِ الكريمةِ والمشاركةِ في إدارةِ شئونِ حياتِها ومجتمعاتِها، وغيّبتها تماماً عن وجودِها الإنسانيِ المشروعْ، ونشرتِ الفقرَ والبِطالةَ لضمانِ تأبيدِ سيطرةِ حكامِها في الحكمِ والعملِ على فرضِ افرادِ عائلتِهم حكاماً بالتوريث. أقول إن شعوبَنا المظلومةَ هذه، تثورُ اليومَ معلنةً انبلاجَ فجرٍ جديد، السيادةُ فيه للشعوبِ وإرادتِها التي لن تقهر بعد اليوم ابداً، وقد عقدت عزمَها على الانعتاقِ والسيرِ في ركبِ الشعوبِ الحرةِ المتمدنةِ في العالمِ من حولها.

إن كافةَ الأفكارِ والمعتقداتِ والشرائعِ والقوانينِ والمواثيقِ التي انتجتها مسيرةُ الانسانيةِ عبرَ مراحلِ تطورِها ونموِها وكذا كلِ الرسالاتِ والدياناتِ الالهيةِ بدونِ استثناءٍ توجبُ الانتصارَ للمظلومينَ شعوباً كانوا أو جماعاتٍ أو أفراداً. ونصرةُ المظلوم، يا سادة، لا تقتضيها فقط حاجَتُهُ إلى المناصرة، ولكن لأن الظلمَ ضدَ الواحدِ هو ظلمٌ للبشريةِ جمعاء.

أيتها السيدات ايها السادة؛

إن ما دعاهُ مارتن لوثر كينغ "فنَ العيشِ بانسجام" هو أهمُ فنٍ نحتاجُ إتقانَه اليوم. ولكي تسهم َالدولُ العربيةُ في هذا الفنِ الإنساني، فإن المصالحةَ مع شعوبِها أضحت أمراً لازماً، لأنها ليست مجردَ مصلحةٍ داخلية، بل مصلحةً دوليةً مطلوبةً لكل المجتمعِ الإنساني. فالدكتاتورُ الذي يقتلُ شعبَه لا يمثل حالةَ انتهاكٍ لذلك الشعب وسلِمه الأهلي وحسب، بل هو حالةُ انتهاكٍ لقيمِ الانسانيةِ ومواثيقِها وتعهداتِها الدولية،،،، إنها تشكلُ تهديداً حقيقياً للسلم العالمي.

لقد عانت شعوبٌ كثيرةٌ ومنها الشعوبُ العربيةُ رغم أنها لم تكن في حالةِ حرب، كما لم تكن في سلامٍ أيضاً. لأن السلامَ الذي كانت تعيشه هو "سلام المقابر" الزائف، سلامُ الخضوعِ للاستبدادِ والفسادِ الذي يستنزفُ الشعوبَ ويقتلُ الأملَ في المستقبل. واليومَ يتوجب على المجتمعِ الإنسانيِ كلِه الوقوفُ مع شعوبِنا في نضالِها السلميِ من أجلِ الحريةِ والكرامةِ والديمقراطية، بعد أن قررت أن تخرجَ على معادلةِ" الصمت مقابل الحياة"، وتدركَ معنى العبارةِ الخالدةْ لعمر بن الخطاب " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا "

أيتها السيدات أيها السادة؛

حينما بلغني خبرُ حصولي على جائزةِ نوبل للسلام، كنت في خيمتي في ساحةِ التغيير في صنعاء، واحدةً من الملايين من شباب الثورة، لا نأمنُ فيها على أنفسنا من قمع وبطش نظام علي عبد الله صالح. وقد تأملتُ وقتها في المفارقةِ بين معانيَ السلامِ المُحتَفى به من قِبَل نوبل، ومأساةِ العدوانِ الذي يشُنُه علي عبد الله صالح ضدَ قِوى التغييرِ السلمي بلا هوادة. ولم يخفف من وطأةِ المفارقةِ الفادحة، إلا فرحُنا بأننا في الجانبِ الصحيحِ من التاريخ .

كان الملايين من اليمنيين نساءً ورجالاً، أطفالاً وشباباً وشيوخاًً، قد خرجوا في ثمانيةَ عشر محافظة يطالبون بحقهم في الحريةِ والعدلِ والكرامة،،،، يستخدمون اللاعنف وسيلةً ناجعةً لتحقيقِ مطالبِهم. لقد تمكنوا بكلِ كفاءةٍ واقتدارٍ من المحافظةِ على سلميةِ ثورتِهم على الرّغم من امتلاكِ هذا الشعبُ العظيم مايزيدُ عن سبعينَ مليونِ قطعةِ سلاح مختلفِ الأشكال. وهنا عبقرية الثورة، التي اقنعت الملايين بتركِ سلاحهم والالتحاق بها سلمياً، ومواجهةِ آلةِ القتلِ والعنفِ الرسمي بالورود والصدورِ العاريةِ والعامرةِ بالحلمِ والحبِ والسلام . لقد فرحنا كثيراً لأننا أيقنا وقتها بأن جائزةَ نوبل لم تأتِ فقط لتوكل عبد السلام كرمان بل أنها تعدُ إعلاناً واعترافاً من العالمِ كله بانتصارِ الثورة السلميةِ اليمنيةِ وتقديراً منه لتضحيات شعبها المسالم العظيم.

وها أنذا الآن أقفُ امامكم في هذا الحفل العالمي المهيب في لحظةٍ فارقةٍ من أهمِ لحظاتِ التاريخِ الإنساني، قادمةً من أرضِ المشرق العربي ، قادمةً من أرض ِاليمن، يمنِ الحكمةِ والحضارات القديمة، يمنِ التاريخِ الممتدِ لأكثرَ من خمسةِ آلافِ عام ، يمنِ مملكةِ سبأ العظيمة، يمنِ الملكتين بلقيس وأروى. اليمنُ التي تشهدُ اليومَ أعظمَ وأقوى وأضخمَ ثَوْراتِ الربيعِ العربي ، ثورةُ الملايين على امتدادِ أرضِ الوطن والتي لاتزالُ هادرةً ومتصاعدةً حتى اليوم، لتكمل بعدَأيامٍ قلائلَ عاماً كاملاً متواصلاً منذ لحظةِ انطلاقها كثورةٍ شبابيةٍ شعبيةٍ سلمية، لها مطلبٌ واحد ألا وهو التغييرُ السلمي والسعيُ إلى حياةٍ حرةٍ وكريمةٍ في ظل دولٍة مدنيةٍ ديمقراطيةٍ عادلة، نقيمها على انقاضِ سلطةِ حكمٍ أسريٍ عسكريٍ بوليسيٍ قمعيٍ وفاسدٍ ومتخلف، أوصلت اليمنَ خلالَ ثلاثةٍ وثلاثينَ عاماً متواصلة إلى حافةِ الفشلِ والانهيار.

ان ثورتنا الشبابيةَ الشعبيةَ السلميةَ ليست منعزلةً ولا منقطعةً عن ثَوْرات الربيعِ العربي، لكنها وبكلِ مشاعر الأسفِ والحزنِ لم تجد ما وجدتهُ ثَوْراتٌ أخرى في المنِطقة من تفهمٍ ودعمٍ ورعايةٍ دَولية، وهو أمرٌ يجب أن يؤرقَ الضميرَ العالمي، لأنه يطعنُ في فكرةِ نزاهتِهِ وعدله.

أيها الأعزاء .. نرسلُ للعالمِ من خلالكم وعبرَ محفلكُم العالميِ العظيم رسالةً واضحةً ومعبرة، نؤكد فيها:

- ان ثورتنا شبابيةًشعبيةً سلمية، التف حولها الشعب، تحلُمُ بوطنٍ حرٍ ديمقراطي، لا مكانَ فيه للاستبدادِ والفسادِ والديكتاتوريةِ والفشل. وأتعهد نيابةً عن شبابِ الثورةِ السلمية للإنسانيةِ جمعاء أن نلتزمَ بالنضال ِالسلميِ خِياراً استراتيجياً لا انحرافَ أو رجعةَ عنه مهما كانت التضحياتُ أو بلغت آلةُ القمعِ وامتدت مساحةُ القتلِ والعنفِ الرسمي.

- ان ثورتنا شبابيةً شعبيةً سلمية، تحركها قضيةٌ عادلةٌ ومطالبُ واهدافٌ مشروعة،،، تنسجمُ تماماً وتتطابقُ مع كافةِ الشرائعِ السماويةِ وعهودِ ومواثيقِ حقوقِ الانسان الدولية. وهي عازمةٌ ومصممةٌ عاى صناعةِ التغيير ِالشاملِ للأوضاعِ الفاسدة، وضمانِ العيشِ في ظلِ حياةٍ حرةٍ كريمةٍ لائقة، مهما كلفها ذلك من تضحياتٍ جسيمة، ومعاناتٍ مريرة حتى اقامةِ الدولةِ المدنيةِ الديمقراطية، دولةِ سيادةِ القانون والمواطنةِ المتساوية والتداولِ السلمي للسلطة.

- ان ثورتنا الشبابيةَ الشعبيةَ السلميةَ العارمة استطاعت ان تجذبَ إلى صفوفِها ومسيراتِها مئاتِ الالافِ من النساءِ اللاتي قمن ولازلن يقمن بدورٍ رئيسيٍ كبيرٍ وملحوظٍ وفعال في احداثِ الثورةِ وقيادةِ مسيراتها بل قيادةِ كل تفاصيلِها ، وقدمنَ العشراتِ بل المئاتِ من الضحايا شهيداتٍ وجرحى في سبيلِ انتصارِ الثورة.

- بفعل ثورتنا الشبابيةِ الشعبيةِ السلمية، طغى صوتُ الشبابِ ومسيراتُهم الهادرة، وتلاشى صوتُ الإرهابِ والأحزمةِ الناسفةِ التي لطالما وظفها حكمُ علي صالح مسوغاً لوجوده. إنها ثقافةُ السلم تتسعُ وتنتشر، وتجدُ لها مكاناً في كلِ حيٍ وشارعٍ يجوبُهُ الشبابُ المطالبون بالتغييرِ السلمي وبالديمقراطية.

- ان ثورتنا الشبابيةَ الشعبيةَ السلمية برهنت على أن قيمَ واهدافَ الحريةِ والديمقراطيةِ وحقوقِ الإنسان، وحريةَ التعبير وحريةَالصحافة، والسلامَ والتعايشَ الإنسانيِ ومكافحةَ الفسادِ ومكافحةَ الجريمةِ المنظمةِ والحربَ على الإرهابِ ومقاومةَ العنفِ والتطرفِ والدكتاتورياتِ،،، كُلُها قيمٌ ومُثُلٌ ومطالبُ وأهدافٌ وغاياتٌ إنسانيةٌ عامة، تَهُمُ البشريةَ والمجتمعَ الدَوليَ كلِه،،، وانها غيرُ قابلةٍ للتجزئةِ أو الانتقائيةِ أو الإلغاءِ تحتَ دعاوي خصوصياتِ الهويةِ ومقتضياتِ السيادةِ بأيِ حالٍ من الأحوال.

سادتي وسيداتي الأجلاء:

أؤكد على أن ثوراتِ الربيعِ العربي جاءت تلبيةً لاحتياجاتِ شعوبِ المِنطَقة لدولةِ المواطنةِ وسيادةِ القانون وتعبيراً عن ضيقهم بدولةِ الفسادِ والمحسوبيةِ والرشاوي. فقد أشعلها الشبابُ التواقونَ للحريةِ والكرامةِ وهم يعلمونَ أن ثورتهم تمر عبرَ أربعةِ مراحل لا سبيلَ لانتقاصِها أو الالتفافِ عليها:

- إسقاطُ الديكتاتور وأفرادِ عائلته.

- إسقاطُ مسؤولي أجهزتِه الأمنيةِ والعسكريةِ وشبكات ِمحسوبياته.

- إقامةُ مؤسساتِ الدولةِ الانتقالية.

- الانتقالُ إلى الشرعيةِ الدستوريةِ وإقامةُ الدولةِ المدنيةِ الديمقراطيةِ الحديثة.

وعليه، فإن ثوراتِ الربيعِ العربي مستمرةٌ ومستدامةٌ عبر فعلها الشبابي الحاضر والمستعد والجاهزِ لتدشينِ كلِ مرحلةٍ وتحقيقِ أهدافها كاملة. وعلى العالم اليوم أن يكونَ جاهزاً وحاضراً لمساندةِ شبابِ الربيعِ العربي في كلِ مراحلِ نضالهم من أجلِ الحريةِ والكرامة. وعلى العالم المتمدن أن يَشرعَ فور اندلاعِ الثوراتِ الشبابية إلى حجزِ وإيقافِ أرصدةِ رموزِ النظامِ وأركانه ومسؤولي أجهزتهِ الأمنيةِ العسكرية. ولا يكفي ذلك، بل تجبُ ملاحقتُهم قضائياً وأن تكونَ المحكمةُ الجنائيةُ الدوليةُ لهم بالمرصاد، فلا حصانةَ للقتلة، سارقي قوت الشعوب.

إن على العالمِ الديمقراطي الذي حدثنا كثيرا عن فضائلِ الديمقراطيةِ والحكمِ الرشيد، ألا يدير ظهرَه لما يحدث في اليمن ومعها سوريا وقبلها تونِس ومِصر وليبيا وفي كل بلدٍ عربي وغيرِ عربي تواقٍ للحرية. فكلُ ذلك هو مخاضٌ ديمقراطيٌ عسيرٌ يستوجبُ الدعمَ والمساندةَ لا التخوفَ والحذر .

اسمحوا لي أيها السيدات والسادة أن أشارككم إيمانيَ بأن السلامَ سيظلُ أملَ البشريةِ إلى الأبد. وأن أملنا في مصيرٍ أفضلَ للإنسانيةِ سيبقى يشدنا إلى نبيلِ الأقوالِ والأفعال، وسندفع معاً الآفاقَ أفقاً وراءَ أفق نحو عالمٍ يتحقق فيه كمالُ الإنسان.

وختاماً، أتأمل في وقفتي هذه أمامكم، وهي لحظةٌ يطمَحُ إليها كلُ رجلٍ وكلُ امرأةٍ لما فيها من اعترافٍ وتكريم. وإذ أفعل، فإني أرى خلقاً عظيماً من النساءِ ما كان ليَ أن أصلَ إلى هنا دون نضالاتهنّ وسعيِهنّ الدؤوبِ لنيلِ حقوقهنِ في مجتمعٍ غلبت عليهِ سطوةُالرجال. وكانت سطوةٌ فيها ظلم لهم ولهن. فللنساءِ اللواتي غيبهُنّ التاريخ وغيبتهُن قسوةُ النظم، وللواتي ضحين من أجل مجتمعٍ معافىٍ تصِحُ فيه علاقةُ الرجال بالنساء، وللواتي لا يزلن يتعثرنَ في طريق الحريةِ في أوطانٍ لم تتحقق فيها العدالةُ الاجتماعيةُ، ولم تتساوَفيها الفرص، لكل هؤلاء جميعاً أقول: شكراً لكن... ماكان ليومي هذا أن يكون إلا بكن .

*شاهد الكلمة هنـــــــــــــــــــــا


في الثلاثاء 13 ديسمبر-كانون الأول 2011 05:05:18 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=12805