عقلية مراهق وابتسامة دكتور
معاذ راجح
معاذ راجح

عقلية المراهقين في القرن الحادي والعشرين صغيرة تسيطر عليها تحية صباحية من دكتور مبتسم ينثر السعادة في عقل أرهقته المذاكرة على ضوء شموع لا تغني من ظلام ،لينفخ فيها الأمل بعد ليلة طويلة ،تتناسب فساوتها عكسياً مع يوم مشرق ،وبتدخل مباشر من العوامل المحفزة ،والتي تتحكم بنسبية الانعكاسات السلبية.

 الطالب الجامعي مراهق في عصر الديناصورات ، وفي كل صباح جامعي يهيئ نفسيته المثقلة بأحلام الآلاف من اقرأنه المنسيين بقريته البعيدة بآلاف السنين عن الحاضر الهارب بخفة سلحفاة نحو مستقبل يبتعد بسرعة السنين الضوئية ، يهيئها بنسمات الهواء الباردة والتي تشق طريقها إليه بصعوبة بالغة في وسط الزحمة المرورية التي لوثت بها المؤسسات التعليمية في دولة صانعة للفساد تنتج ثلث احتياطيات العالم من خاماته السوداء.

 عاطفة جياشة تسحبنا خلفها لنقف ثابتين على مدخل كليتنا ،لنتنافس بإبعاد نظارتنا المستعجلة لرؤية تلك الابتسامة المجانية لنستشرق منها مستقبلنا البعيد ونتزود لرحلتنا الطويلة ولو باليسير.

 تأخر الدكتور الفاضل عن موعده ،فاستقبلناه بظمأ التائه في صحراء ندرت فيها الواحات الخضراء لصالح رمال متحركة تكاثرت مع تراكمات الزمن ، فتتضح الرؤى ويختفي السراب الذي حسبناه نهراً جارياً ،لتظهر الملامح الجديدة بعبارات نارية يتحدث بها والدنا الحبيب ساخطاً علينا لكابوس رآه في منامه و الطير تأكل خبزاً كان يحمله على رأسه.

 تغيرت ملامح وجننا واختفت أشواقنا وتوقفت عجلة الزمان بنا في دائرة مغلقة يراد لنا أن نسجن فيها تحت شعارات رومانسية مستغلين حبنا لوالدنا الفاضل ودكتورنا الغالي ومستغلين عبادتنا على كل حرف تعلمناه منه وصغنا به عبارات ألم رفعناها مع امتنان الكفيف لمن يرشده في طريق متعرجة.

لست في موضع اتهام أحدا أو ابرر فعلاً حدث وانتهى، فهذا أسلوب قديم يعود لعصور ما قبل التاريخ ، لكن حديثي يصب في الظروف التي حجزتني في الدائرة المغلقة والربيع الذي تسلل عبر أسوار جامعتي العريقة ليعيد الحياة لشعب سلبت منه الحرية في ظروف غامضة ساعدت في ذلك .

 انني استحي حين أقف أمام معلمي لأجيب عن سؤالاً ما ، ولا زلت أستحي حتى اليوم ، وعندما تعلق الأمر بمبدأ تعلمناه من الأستاذ الفاضل ومرّننا عليه كثيراً منذ أول يوماً وطئت أقدامنا حرم الجامعة المقدس ،واستشعارنا

للمبادئ، تغيرت حسابات العلاقة وتذكرنا قصة الميم الذي لا يتعلم وما ينتج عنها من مآسي قد تعاني منها أجيال متكررة بتعاقب الحياء، يقتل فيه العلم وتغتال الحقيقة ،ويستلب ذو الحق حقه.

 ان الواقع الذي يهرب منه الجميع سبب المشكلة في الوصول للوضع الراهن، وللأسف أن الساخطين علينا ينظرون للأمر بعقلية الخمسينيات ، ونظرات التشاؤم المعيقة للعقل المتعلم والحاجزة لقدراته البحثية لنفض الغبار عن ما تعمل ويواكب المرحلة التي وصل لها والمكانة التي حجزها في مجتمع ينظر له بكل وقار واحترام ،ومع ذلك للأسف يختصر المنافسة التي تجري أحداثها في عقلة ليرمي التهم علينا جزافاً مع تعليل الخسارة بعقلياتنا المراهقة .

 لقد أصبحت الرؤية واضحة لكل المتنورين بعد ان شاهدنا جميعاً التغيرات التي حدثت في عامنا المنصرم وكان لوطننا الحبيب نصيباً وافراً ،وبدل الأخذ بالاعتبار وترك المجرب واستخدام العلم للحفاظ على تاريخ كبير بكل ما يحمل ،يعني هذا التاريخ من مقومات صحيحة للبدائية الجديدة لننطلق بسرعة الصوت لندرك مستقبلنا الفار من مخلفات الماضي .

 كل هذا وذاك فرض علينا الخروج عن الحياء لنقول لوالدنا وآبائنا الفاضلين دعونا نرسم مستقبلنا كما نريد نحن بما يناسب مراهقتنا التي يصعب عليكم تخيل حجمها والمناسب للدور الذي ينتظر أن نقوم به، فرفعنا شعار التغيير، الفطرة الحقيقية التي اغتيلت براءتها في يوم أسود، وبهذا الشعار لم نخرج عن أعرافنا الطلابية والتي يحاجّنا بها غرباء يتدخلون في شؤون خاصة لينثروا سمومهم الحاقدة على آباء لنا قاموا بواجبهم ولم يعد يحالفهم الحظ ليواكبوا مطالب التغيير للظروف التي فرضت عليهم واقعاً صعباً حاولوا التأقلم معه مرغمين.

 متناسون أننا مراهقون في زمان شاخت فيه العقول ولم تعد تواكب مراهقتنا العصرية ، فنحن لا نحملهم المسئولية وان كانوا مشتركين فيها ،لكننا نستغرب حين يقولون مطالبنا سياسية ونرد على تهمهم الحقيقية بقولنا؛ عندما يكون مكتب الدكتور او العميد أو رئيس الجامعة مقراً لحزب سياسي ونشاهد كل يوم بأم أعيننا لافتة كتب عليها فرع حزب كذا وكذا، تكون مطالبنا حزبية لأننا في هذه الحالة لا نتحدث مع والدنا المعلم الذي يدرسنا في القاعات بل نتحدث مع رئيس حزب او مسئول مركز تنظيمي فانتم من جعلتم مكاتبكم سياسية أكثر من كونها أكاديمية، ونحن خير التلاميذ.

 ان الصراع اليوم ليس صراع بين العلم والجهل أو بين حزب معارض وحزب حاكم, الصراع اليوم بين جيل جديد وجيل قديم ،صراع بين أجيال وأفكار مختلفة ، صراع بين المستقبل والحاضر .

 لم يسقط العميد ولن يسقط رئيس الجامعة ولا الأستاذ، إن السقوط الذي يريده بعض الناس لهذه الهامات العملاقة سقوط وهمي يخططون له كل يوم لحقد في نفوسهم ، ولكي يتغنون به عبر الأبواق الإعلامية الكاذبة، ويتاجرون بكلماتهم المنمقة ، يتوسلون بها في أسواق الرذيلة.

 لا نريد لكم ذلك، اننا نريد أن يرحلوا ونحن نحفظ لهم تلك الابتسامة القديمة تلك الروح الجميلة والكلمات العذبة.

اننا نفرح حين يكون المسئول في بلدنا بشر مثلنا ، يتألمون من أجل مستقبلنا ، ويبكون حزناً علينا، فالوطن يحتاج لتضحية كبيرة يضحي فيها الجميع بكل تاريخهم بكل ماضيهم المشرق لأجل مستقبل مشرق لنا ولأولدهم .

فيا آباءنا الكرام ويا اخوتنا في الأحزاب السياسية اتركوا المؤسسات التعليمية بعيدة عن خلافاتكم وتوحدوا جميعاً ضد الفساد ، وساعدونا على تطهير المؤسسات التعليمية .

 الخلاصة.

إن الشهداء الذين ضحوا بدماهم كان أكثرهم طلاباً يحلمون بدراسة في جامعة تلبي تطلعاتهم واليوم تصبح دماؤهم في أعناقنا وأعناق المدرسين، والوفاء لهم هو أن نسعى لنحقق أحلامهم في هذه المؤسسات التعليمية بان تخلو من ملوثات العقول ومن الشوائب التي تعلق بالمحصل العلمي ، والشهداء يفرضون علينا أن نخلص للمبدأ الوطني، قبل الإخلاص لأشخاص أضروا به.

mthyemen@gmail.com


في الجمعة 27 يناير-كانون الثاني 2012 01:00:59 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=13469