الإفصاح عن الحب
متابعات
متابعات
 
 

 (قال لي صاحبي بخجل وعيناه تفضلان عدم لقاء عيناي: إنني في أحيان كثيرة أشتاق إلى زوجتي، وأستشعر فقدها، وأتلمس لقياها، فسألته: أمن طول غياب؟ فأجابني بالنفي وقد زاد إطراقًا: والله إني لأفتقدها، مع أنها تكون قد ودعتني إلى عملي في الصباح، بعد إفطار شهي وحوار دافئ، وأنا أعبر عن ذلك الفيض من المشاعر بأن أجرى مكالمة هاتفية معها أبثها تحية سريعة أو كلمة حب خاطفة وسط نهار ازدحم بأعباء العمل.

تعجبت لشدة إنسانيته وسمو عاطفته وتوهجها، خصوصًا أن هذا الصديق تعدى الستين من عمره ومضى على زواجه أكثر من خمسة وثلاثين عامًا، كما تعجبت لخجل الرجل وحرصه البالغ على إخفاء هذه الحقائق، ولأنه صديقي ولأني أعرفه جيدًا فلم أفسِّر خجله هذا بأن هذا خصوصية يريد إخفاءها، ولكنني فسرته بأنه الخجل من إظهار هذا الحب، لذا فقد علقت على هذا الموقف قائلًا: إن هذه المشاعر لهي مشاعر مشرِّفة تستحق أن تعلن وتبرز ويشار إليها ويشاد بها، لا أن تُكبت وتُخفى وتُسجن في أقفاص الصدور.

وجرني ذلك للتفكير في طبيعة عقلياتنا المترددة أمام هذا الأمر، وهو ذكر الحب والإفصاح عنه، فقد شاع عندنا أن الإفصاح عن الحب ضعف، وأن من الكبرياء والكرامة عدم ذكر هذه العاطفة للطرف الآخر، وإذا فهمنا دوافع الكتمان بين المحبين الذين ليس ثمة رابط شرعي بينهما، فإننا لا نفهم أن يظل الزوجان يدوران في فلك الكتمان بدعوى الكبرياء والحفاظ على الصورة السامية لكل طرف في عين الآخر، لأنه من العيب) [حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري، ص (311)].

أرح قلبك وأفسح عما بداخلك:

إن الإفصاح عن الحب هو سمة الأزواج الذين يعيشون حياة سعيدة، بل هل جرب كلًا من الزوجان أن يردد شريك حياته: الحياة جميلة لأنك أنت موجود بها، الحياة تستمد جمالها من جمالك، فهيا بنا نعيش حياة الجمال وجمال الحياة معك وبك، هيا بنا نتأمل الزهور والنهر والفجر والنجوم والليل والسحر، وننفتح على الثقافات والأفكار، هيا بنا ننفتح لعقول وقلوب الناس فكثير من الناس طيبين وأخيار.

(فهيا بنا نرى الجمال في الإنسان، ونأمل ونطمح ونحلم ونعلم بجد وإتقان وإخلاص وإبداع، ونتقرب إلى الله ونمتع النفس والروح والعقل بالعبادة، فالحب جمال، والزواج جمال، والحياة معًا جمال، ولا أقدر من الأحباء على رؤية الجمال ومعايشته، ولا أقدر من الأزواج على رؤية الجمال ومعايشته، والإنسان فُطر على حب الجمال بشرطين: أن يكون عاشقًان وأن يكون معه رفيق حياته) [متاعب الزواج، عادل صادق، ص(284-285)].

فمشاعر الحب مشاعر سامية وهي معنوية موطنها القلب، والقلب عالم مغيب لا يوصل على ما بداخله إلا ببريد، كاللسان مثلًا، فاللسان هو واحد من وسائل التعبير عن أحاسيس القلب ومشاعره، وهناك الأفعال السلوكية التي يمكن للمحب أن يُعبر بها عن حبه لغيره.

العشق الواجب:

إننا إن لم نسلك طريق الحب فقد تاهت بنا الخطوات، فقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم رحيم القلب، مرهف الحس، عذب المشاعر، وقد سار على خطاه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو القوي الشديد، فكان يرفق بزوجته ويحبها، وها هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يسير على نفس الطريق، فنراه يدخل على زوجته فاطمة، ويجدها تستاك بعود من الأراك، فيأخذ العود منف فمها، ويضعه أمام عينيه ، ويلاطفها بالكلمات الرقيقة، وعبارات الحب اللطيفة، فيقول لفاطمة:

حظيت يا عود الأراك بثغرها أما خفت يا عود الأراك أراك

لو كنت من أهل القتال قتلتك ما فاز مني يا سواك سواك

وإن من أهم الأدوار التي يجب على الزوج والزوجة أن يلعباها، هو دور العاشق فلتكن العاشق لزوجتك ولتكوني العاشقة لزوجك، وإن علاقة الحب في الزواج هي العلاقة الأصل والأم، فالمرأة تريد أن تشعر أنها مرغوبة ليس لأنها زوجة، ولكن لأنها المرأة التي عشقها وأحبها الزوج، والرجل أيضًا يريد ان يشعر أنه مرغوب، ليس لأنه الزوجة، ولكن لأنه الرجل الذي عشقته الزوجة.

وهناك عشق حلال وهو يجلب رضا الله تعالى على الزوجين وهو(ما كان قربة وطاعة، وهو عشق الرجل امرأته، وهذا العشق عشق نافع، فإنه أدعى إلى المقاصد التي شرَّع الله لها النكاح، فهو أكف للبصر والقلب عن التطلع إلى إلى غير أهله، ولهذا يحمد هذا العشق عند الله وعند الناس) [الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ابن القيم، ص(267)].

الحب المشروط والمطلق:

شتان شتان بين الحب المشروط والحب المطلق، فالحب المطلق هو الذي نحب فيه الآخر دون القيود والشروط، نحبه كما هو ليس كما نريد أن يكون، وأما الحب المشروط فهو الذي يحمل في حناياه "إذا".

والحب بين الزوجين يجب أن يكون غير مشروط، وأن يكون مقرونًا بروح الصداقة والإيثار وإنكار الذات، بل إن الحب لا يكون حقيقيًا إلا إذا لم يتوقع المحب بالضرورة حبًا يقابله به محبوبه، (فحينما تحمل رياح الحب الإنسان إلى هذه المرحلة فهنا سيكون قادرصا على رؤية الشخصية الفريدة المطلقة لمحبوبه، ليس من منطلق ما لديه، وإنما من منطلق ما هو بالفعل، هنا يتعلق الأمر بالمحبوب بالدرجة الأولى بصحته وسعادته، إنه قبول للآخر كما هو، ودعمه ليصير ذلك الشخص الذي يريد أن يصير إليه، فإن الحب الحقيقي، ليسأل هنا: ما هو الأفضل لحبيبي؟ وما هو الأصلح بالنسبة لنا معًا هنا يتعلق الأمر بصحة الآخر وسعادته، فإنها حقًا نعمة أن يكون المرء محبوبًا من الآخر، أما أن يحب المرء الآخر فهو جزاء طيب) [بلوغ النجاح في الحياة الزوجية، كلاوديا إنكلمان، ص(259)].

ويجب على الزوجين أن يكون الحب المطلق هو شعارهما في حياتهما السعيدة، فهو أقصى تعبير عن تلك الكلمة التي تسمى بالحب، ومضمونه: أنا أحبك لذاتك ولا يجب أن تكون شخصًا مختلفًا لتنال حبي، ليس هناك أية شروط متعلقة بالحب، فلا يرتبط ذلك بأن تنقص وزنك، أو أن تكسب قدرًا معينًا من المال، أو أن توافق على كل ما أقوله لك، أو أن تتصرف وفق ما أريد، أو أن تشاركني كل أهدافي لأنني أحبك على كل حال.

إن الحب في الزواج (له طعم مختلف، له شكل مختلف، له جوهر مختلف، إنه ذلك الحب الذي تداخل مع كل أنسجة الجسد والروح والنفس واستقر في كل خلية وأصبح يجري مع الدم، ومن شدة أنه داخلي ومنتشر مع الخلايا وفي أعمق الأعماق، فالإنسان لا يراه رؤية العين ولا يحسه على الجلد ولا يشمه بأنفه، ولكننا يمكن أن نراه بالقلب وندركه بالعقل في الأزمات، وحين تتهدد حياتنا، وحين يلوح ما ينذر بانفصالنا، هنا يفيض الحب من الداخل إلى الخارج فيملأ العيون وتنطقه الألسنة وتسمعه الآذان نشيدًا سماويًا خالدًا، يعبر عن حكمة الله في الزواج، وأنه ليس مثل أي علاقة، بل هو توحد، هو ضرورة حياة، وهو التعبير عن أسمى درجات الحب وأعمق درجات الارتباط الإنساني.

في هذا الحب العميق يرى الإنسان نفسه جزءًا من إنسان آخر، ومن خلال هذا الإنسان الآخر، إنه إحساس مختلف من الحب) [متاعب الزواج، د/ عادل صادق، ص(13)].

ورقة عمل:

ـ أخي الزوج/ أختي الزوجة، لتفصحا عما في قلبكما بصدق، فالزوج يذهب إلى زوجته وليعبر عن حبه لها إما بشراء هدية صغيرة, أو بكلمة طبيبة، أو بربت على الكتف، أو مسحة حانية على الوجنات والخدود.

وكذلك المرأة تحنو على زوجها، وتعبر عن حبها له، بتقدير لمجهوده، أو بمظهر حسن يحب أن يراها عليه، أو بطعام يحب أن يأكله وغير ذلك من الوسائل.

ـ إلى الأزواج الذين ذهبا حبهما بعد زواج الأولاد، فهذه وسائل عملية لكي يرجع الحب بينهما مرة أخرى:

(1. اضربا الصفح عن الماضي: فاترك انزعاجات الماضي تذهب مع الماضي، إذ أنه في هذه المرحلة كثيرًا ما ينتاب الزوجين امتعاض واستياء وندم لعدم تحقق ما كانا يريدان تحقيقه، أو لأن الآخر (الزوج أو الزوجة) لم يتغير كما كان يريد الزوج أو الزوجة له أن يتغير.

فلم يصبح الزوج غنيًا مثلًا كما تريد الزوجة، ولم تترك الزوجة عادة الإسراف في المصاريف كما كان يطلب منها زوجها دائمًا.

2. التقبل: فعلى الزوجين أن يتقبلا الحياة الجديدة، ويعملا معًا على التحول من حياة زوجة كان التركيز والاهتمام الرئيسي فيها على الأبناء، إلى حياة زوجية مركز اهتمامها الزوجان نفسهما، كل منهما بالآخر، الأمر الذي لم تكن له الأولوية الأولى من قبل.

ومن المفارقات أنه عندما يكبر الأزواج فإنهم يصبحون أكثر رعاية، ويحبون الاهتمام بالبيت والبقاء فيه أكثر من ذي قبل بينما ترغب الزوجة، وقد انتهت مسئوليتها من تربية الأولاد ورعايتهم في الترفيه عن نفسها والخروج من المنزل.

وفي هذه المرحلة يبدأ الزوج يفكر بالتقاعد أو تخفيف أعباء العمل على الأقل، بينما يبدأ لدى الزوجة الرغبة الجادة في تحقيق مشاريعها المؤجلة.

وإذا كانت الرغبات الفردية مشتركة فإنها تكون أكثر جدية، وأهمية وقابلية للتحقيق، وعليهما أن يسعيا معًا لأن يجعلا حياتهما الزوجية بعد كبر الأبناء ومغادرتهما للعش الذي درجوا فيه، أفضل من أي وقت مضى.

وليسافرا معًا وليذهبا وليفعلا ما يريدان تحقيقه بتعاون وتفاهم.

أي مزيدًا من التركيز والاهتمام على علاقتهما وعلى مشاريعهما معًا، ونشاطاتهما المختلفة التي يتفقان عليها، وسيجدان بعد ذلك أنهما أكثر ارتياحًا من أي وقت مضى.

3. أن يعيدا لحياتهما الزوجية روح الاهتمام المشترك، ويركزان على الود والرحمة بينهما بدلًا من التركيز على العش الخالي، والأيام الماضية ومآسيها وإساءاتها.

وعليهما التغيير إلى الأفضل، فيتسامحا إذا أساء أحدهما إلى الآخر, ويهتمان بأعمال جديدة واهتمامات جديدة مثل الأعمال الخيرية والتطوعية، ومساعدة الآخرين .

* أم عبدالرحمن محمد


في الأربعاء 15 فبراير-شباط 2012 06:18:02 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=13800