الإحتضار السياسي لحكومة الوفاق الوطني .
صالح السندي
صالح السندي

حينما إتقدت شعلة الثورة كانت الآمال في أوجّها , الشعب يحلم بالتغيير والأمور تسير في الاتجاه الصحيح , وعلى مفترق الطرق كان لا بد من تقديم تضحيات جسام وقوافل من الشهدآء تصنع المجد والغد وترسم لمستقبل اليمن أمآلا واحلاماً متجددة تعانق أفق التطور وتكسر قيود الذل والعبودية وتجبر التأريخ ان ينحني إجلالا وإكبار لأولئك الفتية حملة راية الحق والعدل في مسيرة الوطن الجبارة , وهي تقهر عوامل الإحباط و فتور الهمم لتصنع تأريخاً عظيماً ومتجددا لليمن الحديث يعيد الدفة الى مسارها الصحيح , ويضع اليمن في مقامه الاممي والدولي والحضاري الرفيع , لم تكن تلك الأهداف العظيمة للثورة الشعبية السلمية ببعيدة عن رياح التغيير العربي مثلها مثل باقي دول الربيع العربي تسابق الأفق وتقدم الضحايا وتعارك المعوقات وتصارع المؤامرات لتخلق فرص جديدة وواقع جديد تملية عجلة التغيير وهمم الشباب الاحرار .

طالت المسيرة وتأخر معها أمل التغيير وتساقطت على الطريق الأهداف تباعا , حتى وصلت الى مرحلة مخزية من التنازل والاستسلام والانقياد لسطوة السياسة وقوة السلاح وأصبحت طوع الإملاءات الخارجية و رهن عصا العقاب الجماعي المسلط على رؤوس العباد , في مسيرة التنازل وركوب الموجة الشبابية كان مركب الثورة يغرق في وحل المبادرات والمؤامرات والمفاوضات , وحتى دون ان تعلن عن نفسها كان الإرهاق وطول المسيرة يصيب الثورة بالإحباط والجمود والانهيار أحيانا أخرى , وحين كانت الأيادي والسواعد الثورية متحدة وقوية ومتعاضدة استطاعت في ربيعها الأول وريعان انتفاضتها الكبرى ان تفرض نفسها على ارض الواقع الجديد وتهز عرش السلطان , وتصيبه بالوجوم والخوف والقلق وأصبح عاجزا عن التفكير وتسيير الأمور لصالحة ووفق هواه , لولا ان تكالبت على الثورة الطاهرة ذئاب الليل وخفافيش الظلام وتجار المبادئ , وهنا فقط بدأ سوس الفرقة والاختلاف ينخر في عظم الثورة من الداخل ويصيبها بالضعف والعجز والتآكل لتحط رحالها الثورية عند عتبة أول منعطف و محطة مفاوضات سياسية خليجية لتسلم للمبادرة وتذعن لها مرغمة .

وكانت الإرادات الحرة القوية تسيرها أدوات حزبية ضيقة , وهنا فقط عادت الأمور الى الوراء والى مربع الاستسلام والتناحر والاختلاف بين أطياف العمل الثوري , فزادت الطين بلة وأنهكت الثورة وضاعفت من مشاكل وتعقيدات المرحلة , وحكومة الوفاق الوليدة التي حتى اللحظه لم تصنع التحول المطلوب كانت بمثابة صفقة تآمرية على الوطن ومكتسباته وعلى الثورة وأهدافها , حتى وان كانت جدلا هي الخيار الأفضل , فقد كانت بمثابة ضربه قوية في صميم العمل الثوري ونصرا للنظام السابق , فتح المجال امام مزيداً من التنازلات والانقياد للحكم الأسري وبذل الحصانات ووضع وأسر الثورة الشبابية وأحلام التغيير في قفص قوى التآمر والتحايل , وتسويق اليمن للخارج فاشلا ثوريا وحضاريا , كان لا بدّ لحكومة الوفاق أن تخرج مجددا من أسر الهزيمة ومظاهر الفشل والانهزام , وتجر نفسها بعيدا عن مظاهر الجدل والتذمر الشعبي والانتقاد الواسع , فساقت فشلها المتكرر على وجود الرئيس السابق وأقاربه في سدة الحكم , وأصبحت حكومة صوريه عاجزة عن إحداث التغيير النوعي والفعلي وقلب الطاولة على النظام السابق وتجريده من عوامل القوة , الذي استطاع بدهاء سياسي وحنكة بالغه جر الأحزاب وأياديها الثورية في الساحات الى المبادرة الخليجية والانتخابات الرئاسية طوعا , وما مثّله من إغراءات كبيرة ومناصب عليا ومحاصصة وزارية وتعهدات بترك الحكم , وفرش البساط الأحمر لأحزاب اللقاء المشترك الى قصر السبعين والحكم الذي لم يتحقق شئ منه , استطاع النظام بببراعه فائقه وإتقان سياسي عال ان يكسب ودّ الأحزاب فسياسية العصا الغليظة لم تنفع , وبدلا منها اتبع سياسة العصا والجزرة , وقاد الأحزاب الى الهاوية المطلقة فلم تطل الجزرة ولم تنعتق من تسلط العصا على السياسة الوطنية .

مشوار البحث الطويل عن المناصب والبحث عن أماكن مرموقة جديدة في الوطن , وطول الجدل العقيم القائم واختلاف الرؤى والتصورات ووجهات النظر وضع الوطن رهينة الأسرة الحاكمة وأباطرة النظام السابق , وعجل من زوال الثورة الشبابية وأصابها بالجمود والانهيار , حتى وصلت الأمور والأحوال الى ماهي عليه الآن من التدهور الأمني الغير مسبوق في مختلف محافظات الجمهورية , أساسات الفشل السياسي وتصنع النصر والهروب الى الأمام صنعت واقعاً أكثر حلكة وظلاما عمّا كان علية سابقا , وفتحت الباب امام الجماعات المسلحة والقاعدة لتنهش في ارض الوطن وتلتهم الأصقاع والبراري وعواصم المحافظات وتزحف شرقا وغربا , وهنا يدق ناقوس الخطر بالتدخل الأمريكي عسكريا في اليمن , لن يتوقف مداه على الحرب ضد القاعدة بل ربما يذهب الى ابعد من ذلك بخلق النموذج العراقي او الأفغاني حقيقة قائمة لابد منها , تأخر الحسم الثوري , وارتضاء خيارات وبدائل اخرى , لم تتوقف عند عدم القدرة على القضاء على الحكم الأسري القائم بل ذهبت الى وضع الوطن رهين خيارات مستقبلية خطرة وصعبة لا يعلم مداها الا الله , قد تجر الوطن مؤخرا الى الانهيار لسنوات عديدة في لظى الحروب والمواجهات الداخلية والخارجية وتصفية الحسابات بين أقطاب النظام الواحد , وبين القاعدة وأمريكا من جهه أخرى , وستنشط الخلايا النائمة لمختلف الفئات والطوائف الدينية المتعصبة لتنصهر في نار الفتنة , ويصبح الوطن ساحة حرب عشوآء لا ترحم , هذا ما تدفعه السياسات الحاضرة اليوم نتيجة الفشل الذريع والتخبط والعجز عن ترجمة الارادت الشعبية الى واقع معاصر , وإزاحة التركة الكبيرة للنظام السابق من على كاهل الشعب , فلو فعلت وإن فعلت ذلك فلن تجد من ينتقدها او يقف في طريقها ويدعو لتصحيح المسار , فالانجازات العظيمة تستحق كل التقدير والثناء , والوقوف بجانبها ودعمها ومباركة حركة مسيرتها بعزيمة وقوة .

  في حال استمرار تردى الأوضاع على ماهي عليه الان , والاستمراء في تخطي الإرادة الشعبية سيقود حكومة الوفاق مؤخرا الى التآكل والانهيار كليا , ومع مرور الوقت ستجد الأصوات الرافضة تتعالي منتقدة مسيرة التغيير البطيئة والمتعثرة , ومع طول الجمود الوطني والاقتصادي سيصاب المواطن بالضجر والتذمر من عدم تحسن الأحوال , وستنقاد حكومة الوفاق طواعية الى الأسر السياسي مكبلة بقيود الفشل والامتهان , وعدم القدرة على الانجاز والتحول , لأنها أسيرة فعليا , فليست قادرة على التغيير في كنف النظام القائم , وليست قادرة على العودة مجددا الى أحضان الثورة التي لفظتها منذ الوهلة الاولى للتجرد من الأهداف والخروج عن مسارها الثوري .

هكذا استطاع علي صالح امتصاص الحماس السياسي المعارض بروية وطولة بال , ومن ناحية أخرى عزل العمل الثوري عن تحقيق انجازاته وأهدافه , ولكن هل ستستمر هذه القدرة لفترة طويلة هذا ما ستكشف عنه الايام , فحتى اللحظة لهيب الشارع مازال يغلي , والمعارضة المدمَجة في نظام المؤتمر مازالت تصارع البقاء , وغير قادرة على التغيير , وإن وجدت حسن النوايا ولكن الاستراتيجيات السياسية القائمة فشلت كليا في التعامل مع الخصم اللدود , والايديولوجية البنّاءة تفتقد قدرة وأدوات التحرك بحرية مطلقة , كان لا بدّ مع الوقت ان تصاب بالتصدع والتآكل , وأن ترسم نهاياتها بيدها .

في ظل المسيرة المتعثرة للوطن , كان لابدّ من وقفات صادقة وجادة لتلافي الانهيار الأكثر والغرق في تردي الأوضاع , والدعوة الى وحدة الصف والعمل معا وسويا لبناء الوطن الجديد , بعيدا عن التهميش والإقصاء والتخوين وكبت الأصوات والحريات , والنظر للامور بالعين الوطنية العليا للمساواه والعدالة , وفرض خيارات النصر الأكيد وعدم التنازل والإستستلام والثأر لدمآء الشهدآء وفرض العدالة الإلهية امرا واقعا مطبقا , والإستفادة من دورس الأمم وأدبيات الثورات , فالاعتراف الدولي الناتج لأي ثورات محلية نابعا من نصر الارادة الشعبية أولاً , وتحقيقها على ارض الواقع , فالاعتراف الدولي بثورات الربيع العربي نابع من قناعات دولية بمداراة الشعوب وتحييد الخيارات السياسية الأخرى لحين تحقق النصر الأكيد , وما نراه نموذجا مشرفاً في تونس ومصر وليبيا في سرعة الاعتراف بهذه الثورات والحكومات الوليدة القادمة من رحم ثورات الربيع العربي , اولاً لسرعة الحسم الثوري , ثانيا لفرض الارادة والخيار الشعبي واقعا لا يمكن التفاوض والتنازل عنه , مما جعل المؤامرات الخارجية في صدمة كبيرة غير مستوعبة لسرعة الحسم في تلك الدول , وأصاب مخططاتها ومؤامراتها بالشلل الكلي , من ناحية أخرى عجّل بالاعتراف الدولي بها , وهذا ما حدث مغايراً في اليمن للأسف الشديد حيث طول أمد الثورة والعجز عن الحسم الثوري والتلاعب بالأهداف والقيم وعدم حسن النوايا وركوب الموجة الثورية , فتح الباب على مصراعيه امام الخارج لبسط نفوذه عبر أياديه في اليمن , ونسج المؤامرات والتدخل في العمل السياسي الوطني تبعا لمصالحة , مما ساهم بصورة مباشرة في فشل الربيع العربي في اليمن , وربما تأخر الحسم لأجل غير مسمى , وهذا ما يجعل الصورة ظلامية وغامضة أكثر للمستقبل في اليمن , لا نملك معها إلا أن ندعو اللهّم أحفظ اليمن وأهله ..


في السبت 14 إبريل-نيسان 2012 04:14:17 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=15083