الشباب والمستقبل الموعود
منير العمري
منير العمري

من ينظر حوله يرى سواداً في سوادٍ في سواد. الأمور من حولنا لا تبشر بالخير والبلد يواجه أزمة حقيقية وهناك تحديات جمة على كل الصعد، فيما الكل في إنتظار الأمن والسلام والمستقبل المشرق، وهي أمور لن تتأتى من تلقاء نفسها، بل بعمل متصل ورؤى وخطط إستراتيجية واضحة. تحقيق الأمن والأستقرار والوصول إلى التنمية المنشودة والمستدامة تتطلب جهوداً جبارة منا معشر الشباب.

في رائعته ذائعة الصيت "في إنتظار جودو" والتي كانت سببا في حصوله على جائزة نوبل في الأدب في العام 1969م، قدم الكاتب الإيرلندي الشهير صامويل بكيت شخصية "جودو" وهي شخصية لم يرها الحاضرون على خشبة المسرح ولم تظهر مطلقا على الرغم من أن الحبكة الدرامية وأحداث المسرحية تدور تقريبا حولها وكل الشخصيات يتحدثون عنها، وقد ذهب النقاد بشأنها مذاهب شتى فمنهم من يرى بأنها ترمز للرب وبعضهم يرى بأنها ترمزلشخصية المسيح، فيما رأى أخرون بأنها ترمز للمخلص أو المنقذ. وتدور أحداث المسرحية حول شخصين يجلسان في اللامكان واللازمان في إنتظار شخصية مجهولة وغير معروفة لهماعلى أمل أن يخصلهم مما هم فيه، وبإستثناء الحركات القليلة التي يقومان بها بين الفينة والأخرى فأنهما يظلان في حديث متصل، أغلبه لا معنى له، عن "جودو"، بينما لم يسبق لهما أن شاهداه من قبل ولا يعرفون حتى ما الذي يريدانه منه بالضبط. طبعا تنتهي أحداث المسرحية وهما في إنتظارهما اللإنهائي لـ"جودو". المدهش بأن المؤلف نفسه عندما سئل عن كنه تلك الشخصية ومن تكون، أجاب بغضب "لا أعرف، ولو عرفت لكنت قلت ذلك في سياق النص المسرحي".

السؤال ما علاقة هذه التوطئة بموضوع المقال؟ الجواب هناك علاقة وعلاقة قوية جدا بأحداث تلك المسرحية وما يدور حاليا في اليمن، فالشباب الآن، يشبهون تماما بطلي المسرحية،في عجزهم وقلة حيلتهم وتواكلهم وهوانهم على الناس. الشباب اليوم في حالة توهان، لا يعرفون ماذا يفعلون ولا كيف يتصرفون.وأمل الا يكون الشباب اليوم في إنتظار"جودو" أو مخلص أخر.ولو سألت أي شاب في ساحات الحرية والتغيير في كل ربوع الوطن: ماذا تريد وما هي الغاية أو الهدف الذي تنشده؟ لأجاب بسرعة إسقاط النظام وبناء الدولة المدنية، وعندها تنتقل إلى السؤال التالي وما هو السبيل نحو تحقيق ذلك؟ عندها ربما يجيب إسقاط النظام بكل رموزه وأزلامه، وبعدها تسأل لكن كيف يتأتى ذلك؟ عندها سيهرش شعره ويشير لك بأنه لا يعرف.

عموما أقول لقد فاتتنا نحن الشباب الكثير من الفرص التي كان يمكن من خلالها إسقاط النظام بكل أركانه وأزلامه بسهولة ويسر وبأقل كلفة ممكنة. أعتقد بأن الثورة في أهدافها وغاياتها كانت واضحة ولكن أفتقرنا إلى السبل والطرق المثلى لتحقيق هذه الأهداف وتلك الغايات. وهناك جملة من الأسباب التي أخرت الثورة وأعاقتهاعن تحقيق أهدافها كاملة ومنها عدم النضج الثوري، غياب التخطيط الإستراتيجي وتقديم المصلحة الشخصية أو الحزبية أو غيرها على مصلحة الوطن ربما من الطبيعي أن يعوز الثورة في بداياتها التنظيم، لكن كان بالإمكان التغلب على ذلك من خلال التخطيط المرحلي السليم، وإجمالا نقول بأنه قد شاب الثورة في مراحلها المختلفة الكثير من الإرتجالية والعشوائية والتنافس بين بعض المكونات من خلال التحرك بدون أهداف واضحة ومتفق عليها بين كل المكونات من ناحية أو حب الظهور والنرجسية لدى البعض. لم يكن لدى القيادات الشبابية النضج الكافي في كيفية التعامل مع التطور الدارماتيكي للأحداث، كما لم يكن لديها خطة واضحة للوصول إلى الهدف المنشود، وبخاصة بعد جمعة الـ 18 من مارس (أو جمعة الكرامة التي قضى فيها 55 شهيدا من خيرة شباب اليمن وهم في عمر الزهور). قد يقول قائل بأنه من الصعب الوصول إلى الوضع المثالي للثورة لأن مئات الالآف خرجوا للساحات وهؤلاء الناس لديهم توجهات مختلفة ورؤى متباينة، وأقول بأنه كان يمكن تحقيق ذلك بسهولة لو كان هناك قيادات ناضجة ولديها خطة واضحة وبخاصة وكل الثوار– على إختلاف مشاربهم وتوجهاتهم – يلتقون حول هدف واحد وهو إسقاط المنظومة الحاكمة بكل شخوصها وأزلامها ورموزها وبناء الدولة المدنية واليمن الحديث.

مؤخرا أعلنت الحكومة عن نيتها التحاور مع الشباب في الساحات كجزء من منظومة الحوار الوطني الشامل، ومع ذلك فهذا الحوار لم تتضح ملامحه بعد. وهنا ينبغي أن يتفق الشباب على المطالب التي يرون بأن على الحكومة الإيفاء بها قبل التحاور معهم ومن أبرز هذه المطالب، كما حددتها اللجنة التنظيمية، محاكمة المتورطين في جرائم قتل المعتصمين السلميين وإقالة رموز وأزلام وزبانية النظام السابق المتهمين بقضايا الفساد، بالإضافة إلى إقالة أقارب المخلوع علي صالح من المؤسسات العسكرية والأمنية وكذلك المؤسسات المدنية. كما يأتي ضمن قائمة المطالب التي أعدها شباب الثورة إخراج المعسكرات من المدن الرئيسة ورفع المتاريس والحواجز الأمنية داخل وبين المحافظات اليمنية وأيضا حل مجلسي النواب والشورى على اعتبار أن شرعية الأول قد أنتهت منذ زمن بعيد والأخر مجلس غير منتخب وغير شرعي، وينبغي اعادة تشكيلهما بما يتفق مع مقاصد الوفاق الوطني والمبادرة الخليجية. السؤال في ظل الإنقسام الحاصل في الساحة وتقديم الولاء الحزبي على الولاء الوطني، مع من ستتحاور الحكومة؟ وكيف يمكن الضغط عليها بإتجاه تحقيق المطالب قبل الشروع في الحوار؟ في ظل الوضع الحاصل سيبقى الشباب هم الحلقة الأضعف لأنهم لا يلعبون أوراق الضغط المناسبة بشكل سليم.

الأحزاب تعمل وفق الممكن السياسي وهذا الممكن له سقف وفيه مكسب وخسارة، وهذه المكاسب أو الخسائر تحددها آليات التفاوض وقدرات المتفاوضين وكذا قوة أو ضعف الطرف الأخر. وقد بنيت المبادرة الخليجية على هذا الأساس وفي إعتقادي لن تحصل تغييرات كبرى في المواقف مالم يحصل تغير في موازين القوى للأطراف كافة، بمعنى أن هناك حاليا توازن وهو توازن مرحلي هش يعتمد بدرجة كبيرة على حقيقة أنه ليس في وسع طرف التغلب حاليا على أو إخضاع الطرف الأخر. ولكي يتمكن طرف من إدارة أوراق اللعبة يلزم أن يكون هناك إختراق للطرف الأخر أو إحداث إنشقاق فيه.

بالتأكيد سيأتي اليوم الذي يطلب فيه من الأحزاب رفع يدها عن الساحات ودعوة الشباب للعودة إلى منازلهم، عندها ترى ماذا أعد الشباب لهذه اللحظة وهل لديهم خطط وإستراتيجيات محددة للإبقاء على جذوة الثورة ودفعها إلى أقصى مدى حتى تتحقق كامل أهدافها.فالشباب خلافا للأحزاب، لا يحكمهم سقف فسقف حريتهم هو السماء وعليهم أن يسعوا بكل ما أوتوا من قوة لدعم المرحلة الإنتقالية بالأفعال وليس بالأقوال والشعارات الفارغة على الفيس بوك، حتى وإن تطلب الأمر التصعيد الثوري لإخراج العائلة المعلونة من أوكارها.ما الذي نريده نحن الشباب حاليا؟ وما هي أنجع الطرق الإستراتيجيات للوصول إليه؟ لتكن هذه هي العناوين العريضة للخطة المستقبلية. يجب أن نعي أن الشباب هم أمل الحاضر وكل المستقبل وما سنزرعه اليوم سنحصده غدا وكلما كان الزرع أبكر كان المحصول أطيب. يجب أن يقدم الشباب حاليا الهم الوطني على ما عداه وإن يكون لديهم الروئ والأفكار الخلاقة والخطط التي تتناسب وكل مرحلة.

أظن بأنه يكفينا إنشداداً للماضي، فنحن بحاجة للتطلع المستقبل بأفق مفتوح وأفكار واعدة خلاقة. الإنشداد للماضي لن يفيد في شيء قط، ودائما ما كان إنشدادنا لماضينا نحن اليمنيون ينسينا الحاضر والمستقبل، وجل أعمارنا نقضيها في التحسر على الماضي الجميل أو لعن الماضي والتبرأ منه. والأصل هنا أن نعمل على تخليد الماضي الجميل والإستفاده من إيجابياته ودروسه الإيجابية وأن نتعظ من ماضينا السيء ونعمل على أن لا يتكرر. الإنشداد للماضي يستهلك طاقتنا كيمنيين ويعيقنا عن التفكير بإيجابية حول المستقبل ... وغالبا ما تستهلك هذه الطاقة في صراعات جانبية أو محاولات إثبات البراءة.

من يتابع الأمور من الزوايا المختلفة سيجد أن البلد يتجه نحو المجهول فيما الكل يصارع الكل على الفتات وأخاف إن تأخرنا اليوم عن نجدة الوطن أن يأتي اليوم الذي لا يكون لنا فيه وطن لنختلف أو نتقاتل عليه، كما قالها ذات مرة الرجل الذي لم يحظ بما هو أهل له الدكتور ياسين سعيد نعمان.وحالة الوطن اليوم لا تحتمل التأخير. كل المشاكل في إنتظار الحل، وما يقوم به عبد ربه منصور هادي ليس كافياً. الفعل الثوري ينبغي أن يكون حاضرا في كل مكان، لا أن يكون حبيسا في مناطق بعينها. وينبغي أيضا أن ننهج خطابا هادئا ورصينا، خطاب يجمع ولا يفرق وعلينا أن نقترب أكثر من أولئك المخدوعين في الصف الأخر ومحاولة إيصال الرسالة الواضحة للتغيير السلمي المتمثلة في بناء يمن جديد ينعم فيه الجميع بالعدالة الإجتماعية والمساواة وحرية الرأي والتعبير وغيرها من القيم الحضارية.


في السبت 05 مايو 2012 05:16:46 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=15399