|
(الرؤية الغائبة ...أم المناورة والتكتيك ؟)
يبدو للمتابع ان حركة النهضة الاسلامية في تونس والتي يقودها الغنوشي تتقدم بمسافات على أخواتها في المنطقة من حيث القراءة والتعاطي السياسي ، وهي في هذا الملهمة لتجربة العدالة والتنمية التي تعمل الآن في تركيا ..
تليها إن لم تقترب منها تجربة الاصلاح في اليمن وهي أنموذج رائع ومتقدم ايضا ، أثارت الاعجاب والدهشة ، لكن هذه الأخيرة أفادتها التجربة وكم الخبرات وطول المفاعلة والحكمة وقليل من النظري محدود جاء متوازيا أو بعد الحركة والفعل كدروس مستلهمة أفاض بها الحدث ..
بيد أن الريادة والجودة تبقى لحركة النهضة دون غيرها براءة اختراع مسجلة ومحفوظة وامتياز لم يصله غيرها ....
الابداع لديها في الجديد ، وفي الرؤية والتطبيق ، وفي التكامل والترتيب ..لم تأت الى العملي والفعل على الميدان الا بعد أن سبقت برؤية عميقة ، مرنة ومتكاملة ، متئدة ومتقدمة ،جامعة ومبوبة ، بلورتها بنظرية ذات أبواب وفصول وبتقعيد أصولي متجدد استوعب المتغيرات وتجاوز في ثناياها المشكل.
فكانت الروعة والابداع في الرؤية التي سبقت قبل هذا النوعي في الممارسة على الارض ثم في هذه السلاسة والاتقان والانجاز عند الممارسة ، من ينظر اليها كأنما هي في التقدير حصاد لتراكم خبرات وسلسلة ممتدة من التجربة على الارض ..
إبداع حركة النهضة لا يقف عند ما نشاهده منها على تونس الآن ، بل وفي كونها من بلوّر الذهنية وساعد في الرؤية لأهم حركة اسلامية تعمل اليوم في اكبر وأهم دولة اسلامية ..
العدالة والتنمية الشاغل على جغرافيا تعد محورية بالنسبة للعالم ، تمتلك من المقومات والعمق الحضاري ما اتاح لها الظهور الحضاري ذات مرحلة امتدت وهي على وشك ان تعاود اليوم من جديد .
ولها حركة النهضة في تونس الريادة وبراءة الاختراع مرة اخرى كونها من سبق بالخطة ، وأحسنت في الادوات والتوقيت لهذا الربيع العربي الذي شده الانسانية كلها .
أحسب ان الربيع العربي لها وحدها ، وهي جدلا إن زاحموها وزعموه لغيرها فيكفها منه فحسب صيحة (الشعب يريد اسقاط النظام..)
على ان حركة النهضة في تونس ليست متباينة أو تختلف في الفكرة والاهداف والنسق القيمي مع حركة الاخوان المسلمين ، فهذه كانت ولازالت الام والنبع والسقاء , غير ان النهضة استوعبت البيئة أكثر ، والمتغير الزماني والمكاني فتطورت في الموازاة وجددت في الفقه السياسي .
عدا النماذج السابقة وحماس في فلسطين فإن الحركات السياسية الاسلامية في المنطقة تبقى ضامرة ومتأخرة كثيرا في السياسي رؤية وممارسة .
القصور ونقطة الضعف هذه تعود على الاسلاميين انفسهم كل قطر على حدة لا على النظرية الاسلامية ذاتها ... فالرتابة والتقليدية في الخطة كموروث يسحب نفسه هي المحك وأس ذلك ضيق الافق وانحساره لدى الجهات التي ترسم وتوجه ، فكان التفريط في جوانب حيوية والافراط في جوانب ما عادت على تلك الاهمية .
هذه الاختلالات الخطيرة عند هذه اللحظة الزمنية الحرجة والعجلة التي صار فيها الفضاء مفتوحا ، يصنع الراي العام والتحولات عبره من اراد وحشد واستعد ولو كان فردا بسيطا خاليا من الانواط والدرجات العلمية ..
اُقتحمت الحدود السياسية لجغرافيات الدول ، واخترقت اسوار القيم والخصوصيات للأمم والجماعات والافراد ، فهذه وتلك وغيرها وغيرهم يعلنون من على أي بقعة في الارض جاهزون جاهزون .
واصبحت ايقاعات الزمان والمكان تتطلب التعويل اكثر على السياسي ، والتنموي ، والبرامجي والتقني وقراءات للراي العام والدراسات المستقبلية التي في اكثر من الاحيان يسبقها المتغير المتوقع .
وفي ظل هذه الايقاعات السريعة والتغيرات المهولة والمتغيرات الفجائية مازالت بعض الحركات الاسلامية في بعض البلدان تحبس نفسها على التربوي التكويني فتعطيه ما نسبته الـ 95% من الجهد والامكانات والنفرة .
فهذه تجربة الاسلاميين في الاردن رغم عراقتها وما يقال عنها من رصانة وخبرات ، وغناها بالمورد البشري ، والتماس الذي تعيشه مع اسرائيل الذي يفترض ان يُنضجها اكثر سياسيا ويمدها خبرات ومكر ودهاء ازاء الاستراتيجية الدولية والاقليمية والمحلية ...مع كل ذلك كشفت الاحداث الاخيرة عنها الغطاء فإذا بها حسيرة كثيرا وقعيدة ومحلك للوراء في الذهنية والتعاطي السياسي .
الامر الاشد دهشة والاكثر عجبا عند المرور على المشهد السياسي المصري الآن وتملي الفعل السياسي المرتبك والهزيل والذي يفتقد الرؤية والافق لدى الإخوان المسلمين كبرى الحركات الاسلامية في العالم .
الحالة تعكس الافتقاد الى القراءة السياسية الفطنة والبعيدة ثم الضمور الحاصل في هذا المجال ... وأن الجماعة على ما يبدو لم تتهيأ من قبل برؤية ونظرية وتأصيل وكوادر مؤهلة تقرأ وتعطي فظلت حبيسة على أدبيات الجماعة والتنظيم ولم تستطع ان تنهض نحو الدولة بمنظومة من المفاهيم والقيم وقدرات في التعاطي والاستيعاب لعناصر ومكونات النظام السياسي والبيئة السياسية جملة .
كما وقع صدام حسين في خطأ استراتيجي قاتل تسبب في حصول مآسي في حربه مع الامريكان عندما كلف قياداته السياسية وخلصائه امثال طه يسين وعزت ابراهيم وعدي صدام وغيرهم بقيادة وإدارة قطاعات ومناطق عسكرية بعد استبعاده المحترفين من أركانات جيشه عن تخصص وواجب قد اُعدوا له والفوه في مواجهة جيش امريكي محترف فإن الإخوان في مصر وحركات اسلامية اخرى في المنطقة تقع في ذات الخطأ الاستراتيجي المميت حينما لا تعطي للجماهيري أهله من الكوادر وعندما لا تُولي السياسي فرسانه .
الشارع السياسي الاسلامي في مصر ممتد وواسع لكنه تسكنه اليوم حالة من الارتباك والفوضى ، كما ان النخب السياسية الاسلامية والقيادات الوسطى تعيش هي الاخرى حالة حرجة من القلق والحيرة في ظل هذا الغبش والتداعي جراء الافتقاد الى ضابط ايقاع جامع يعمل على ترشيد الحالة السياسية الاسلامية .
الرؤية على ما يبدو ذات ضبابية ولا تلمح الافق المستقبلي ، وهي على النقيض تماما عنها في تونس او اليمن.
هذه الرؤية الضبابية والفعل السياسي المرتبك لإخوان مصر تجلت على المسار الممتد للمشهد السياسي المصري منذ سقوط مبارك سواء مع فرقاء المشهد او مع المجلس العسكري ..
وهي اليوم في صورة اشد مع الانتخابات الرئاسية .
سيقول تلقائي بسيط وماذا عليهم لو اصطفوا مع ابو الفتوح فهو رغم تباينه اخيرا معهم فإن منبته منهم ومشربه كان سقاءهم ، وغذي بلبنهم منذ اوائله ، والاهم انه اقرب الى محل التوافق مع الطيف والنسيج المصري ..؟
أو أنهم اصطفوا خلف سليم العوا ، فجمعوا ، ورشدوا ، واعطوا حالة من الوفاق مفتوحة وليست حدية .
والملفت أنه حتى الآن حسب الاستطلاعات من بعض الجهات يتقدم ابو الفتوح بمسافات ..
فكيف إن نجح هو بدونهم ، وعلى صوت الشارع الاسلامي منهم ؟
اتوقع ان المشهد السياسي للإسلامين في مصر سيلد اردوغان واوجلو من جديد على حساب الفضيلة وأربكان ...مالم تكن العملية برمتها تكتيك ومناورة ...
في الأحد 13 مايو 2012 01:44:59 ص