في جامعة صنعاء: رحل طميم فهل رحل الفساد!!!
د. عبد الملك الضرعي
د. عبد الملك الضرعي

تشهد الساحة اليمنية تحولات تأريخية معاصرة غير مسبوقة فرضتها ثورة التغيير الشبابية الشعبية السلمية ، تلك التحولات أفضت إلى تغيير رأس الدولة الرئيس السابق علي عبدالله صالح برئيس جديد، وغيرت حكومة اللون الواحد بحكومة متعددة الألوان السياسية ، وأحدثت تحريكاً كان مستحيلاً في المؤسسة العسكرية ذات الطابع العائلي ، يضاف إلى ذلك التغير في بعض المفاهيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية لدى أفراد المجتمع اليمني.

إن التحولات التي سبق الإشارة إليها إنطلقت شرارتها الأولى من أمام بوابة إدارة جامعة صنعاء لتتشكل بعد ذلك أهم ساحات التغيير والحرية في اليمن وهي ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء والتي تمتد اليوم لعدة كيلومترات.

إن جامعة صنعاء التي تحتضن ساحة التغيير كان لها نصيب من التغيير تمثل بخلع رئيسها السابق الدكتور/خالد طميم بعد احتجاجات طلابية غير مسبوقة ، وعُين رئيساً مؤقتاً لها هو الدكتور/أحمد باسردة وعُين نواب جدد لرئيس الجامعة ، ولكن السؤال الذي يتردد لدى كل المهتمين بقضايا التعليم العالي وخاصة في جامعة صنعاء بصفتها أكبر الجامعات اليمنية ،هل هذه الخطوة كافية لإنقاذ الجامعة من لوبي الفساد الذي عشعش فيها منذ عقود ؟؟؟ إن الإجابة على هذا السؤال يؤكد إستحالة حدوث التغيير الحقيقي في جامعة صنعاء بآلية التغيير تلك.

إن تغيير رئيس الجامعة السابق بنائبه وتعيين نواب لرئيس الجامعة بعضهم تمت ترقيتهم من عمداء كليات لم يحسنوا إدارتها ، لم يكن حلاً موفقاً لأن هؤلاء كانوا أعضاء في مجلس الجامعة السابق ، وكل التجاوزات القانونية التي أقرت خلال السنوات الماضية كانت بعلم ومشاركة أغلبهم ،ومن ثم فموافقتهم على تلك التجاوزات القانونية الخطيرة أو حتى سكوتهم يضع المتابع أمام تساؤلات عديدة تتصل بمقدرتهم على إنتشال الجامعة من حالة الفساد التي توغلت في مختلف مكوناتها الأكاديمية والإدارية ، ومن المؤسف وكما يعرف كثير من منتسبي جامعة صنعاء أن غالبية تلك التجاوزات كانت تتم بضغوط لوبي فساد من خارج وداخل الجامعة .

إن مشكلة جامعة صنعاء لم تكن محصورة في شخص رئيسها السابق خالد طميم بل في تحالف لوبي الفساد الممتد داخل وخارج الجامعة ، هذا اللوبي من الصعب تجاوزه دون تغيير هيكلي حقيقي يقوم على تفكيك ذلك التحالف ومحاصرته من خلال رصد التجاوزات القانونية خلال الفترة الماضية وتحليلها ومعرفة أبعادها والأطراف المشتركة فيها من داخل وخارج الجامعة ، وكشف ذلك التحالف ممكن وبسهولة لأن التجاوزات القانونية التي نفذت في عهد رئيس الجامعة السابق جاءت بتوجيهات من جهات وشخصيات إجتماعية وأمنية وإدارية نافذة عرفت منذ سنوات بتدخلها المباشر في شئون الجامعة الإدارية والمالية والأكاديمية .

إن إشكالية جامعة صنعاء ومختلف الجامعات اليمنية ليست شخصية يمكن حلها بتغيير رؤساء الجامعات الحكومية أو نوابهم أو عمداء الكليات..إلخ ، بل مشكلة عميقة تتعلق باحترام النظام والقانون الذي ينتهك في كل وقت ، وتلك الإنتهاكات القانونية ليست سرية بل عقدت في شأن بعضها جلسات محاكمة علنية وصدرت فيها أحكام قضائية باتة تدين جامعة صنعاء ، ولكن من المؤسف أن تلك الأحكام تنتهي بصلح عرفي مع الأشخاص المباشرين في القضية وتلبية رغباتهم ، ويهمل الحق العام ويعفى الفاسد من المساءلة وتموت القضية بل قد تتحول تلك المخالفة إلى ممارسة مشروعة فيما بعد ، وذلك فتح شهية الفاسدين لما هو أكبر وبالتالي تحول صغار الفاسدين إلى لوبي يتحدى القانون ويمارس الفساد دون خوف أو مسئولية ، ومن المؤسف أن ذلك الجو حول كثير من الشرفاء الوطنيين من منتسبي جامعة صنعاء إلى غرباء في مكاتبهم وبين زملائهم.

 إننا نود التأكيد أن إدارة الجامعة المكلفة زملاء أعزاء ينالون منا كل الإحترام والتقدير، ولكننا نعتقد أن تغيير قيادات جامعة صنعاء بالطريقة التي تمت لن تحقق تحولاً حقيقياً في الجامعة كما أن ذلك لايصب في مصلحة تلك القيادات على المستوى الشخصي ، كون تلك القيادات كانت جزءً من الإدارة السابقة وبالتالي من الصعب عليها إن تحدث تحولاً إيجابياً على المستوى الإداري أو الأكاديمي ، وتلك حقيقة معلومة من المنظور الإداري ، والأشهر الأولى من تسلم الإدارة الجديدة لمهامها أثبتت حقيقة ذلك ، لذا من الأفضل للزملاء الأعزاء في الإدارة الجديدة(القديمة) لجامعة صنعاء إتخاذ خطوات شجاعة تفك ارتباطهم بسلوكيات الإدارة السابقة في عهد طميم والمتمثلة في التجاوزات القانونية وخاصة مايتعلق منها بالتعيينات الأكاديمية المخالفة (التعيين بدون إعلان أو مفاضلة) والتي مورست على نطاق واسع تحت مسمى مكرمة رئيس الجمهورية (السابق) فأي مكرمة تنتهك القانون!!! وكذلك تدخل وزارات أخرى في إجبار جامعة صنعاء على تعيين العشرات من حملة الشهادات العليا دون الرجوع إلى معايير التعيين الأكاديمية بمبرر حصول تلك المجموعات على درجات مالية(وذلك التصرف يمثل تدخل سافراً من قبل وزارة المالية أو غيرها في شئون الجامعات اليمنية كونه انتهاك لقانون الجامعات اليمنية الذي يشترط الإعلان والمفاضلة) !!!وبالتالي إذا لم تتمكن تلك القيادات من فك ذلك الإرتباط بقوى الفساد وأستمرت قوى النفوذ تفرض هيمنتها على جامعة صنعاء فمن الأولى لها أن تنحاز للجامعة والوطن وأن تكون لها خيارات أخرى تعكس إستقلال وحرية وكرامة عضو هيئة التدريس.

أخيراً إن ماتمر به جامعة صنعاء اليوم لم يختلف كثيراً عن الممارسات التي كانت في عهد رئيسها السابق خالد طميم ، فالأقسام لازالت تدون محاضرها المخالفة للقانون تنفيذاً لتوجيهات الرئيس (السابق) ولازالت محاضر مجالس الكليات تمارس تلك الإختراقات القانونية أيضاً ولم يعترض عليها أحد ، بل أن قيادة الجامعة الجديدة لم تصدر حتى تعميماً واحداً يلفت نظر الأقسام والكليات للكف عن تلك المخالفات ، بل الأدهى والأمر أن يتم تجميع تلك المحاضر غير القانونية في الإدارات المختصة بهدف البت فيها بعد إن يتمكن لوبي الفساد من معالجة مشكلات بعض الأقسام الرافضة لتلك الإنتهاكات، إن ذلك الحال يؤكد أن خالد طميم رحل بينما بقيت الممارسات المخلة بقانون الجامعات اليمنية ، فياترى هل مشكلة جامعة صنعاء كانت في شخص الدكتور خالد طميم كما يروج له البعض ، أم أن المشكلة أكبر وأعم تتعلق بلوبي يؤثر في مسار الإصلاحات القانونية بالجامعة ،هذا اللوبي لايمكن كشفه إلاَّ في ظل وجود إصلاحات قانونية حقيقة وإحالة من ثبت تورطهم في مخالفات قانونية سابقة أو حالية للتحقيق ، تلك الإصلاحات ستدفع لوبي الفساد للخروج من مخبئه تحت الطاولة مكشراً عن أنيابه ومدافعاً عن ثلته الفاسدة ، أما أن يستمر الحال على ماهو عليه بحجة التوافق السياسي والوضع لايحتمل والعديد من الأعذار التي يرددها البعض ، فسوف يستمر ذلك اللوبي في تدمير أهم المؤسسات العلمية في اليمن وسوف يُجيِّر تلك المخالفات القانونية على رؤساء الجامعات ومساعديهم، ومن ثم يمكن القول أن تغيير رؤساء الجامعات كقضية شخصية دون النظر للقضايا الجوهرية المتصلة بإصلاح الجامعات واحترام القانون ، سيُبقي حالة الفساد بل ويوسعها حتى تنهار منظومة التعليم الجامعي بشكل نهائي ، لذا نأمل من رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق الوطني تدشين ثورة علمية وإدارية في الجامعات الحكومية تبدأ بفتح ملفات الفساد المرفوعة ضد قيادات الجامعات في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في إنتهاك القانون، ذلك الإجراء هو الوحيد الذي سيوقف لوبي الفساد عند حده ، وبدون ذلك فمستقبلاً قاتماً ينتظر جامعة صنعاء بشكل خاص والجامعات اليمنية بشكل عام ، ومن ثم يمكن القول إن مستقبلاً قاتماً للتنمية والتحديث ينتظر اليمن ، كون التعليم بمختلف أنواعه وخاصة التعليم الجامعي هو الأساس والرافد للتنمية والتحديث والتطور في مختلف دول العالم.


في الأربعاء 06 يونيو-حزيران 2012 07:24:57 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=15932