لمن لم يعرف هذا الشيخ
احمد عبد الله مثنى
احمد عبد الله مثنى

شخصية ما إن تراها حتى تمنحك السكينة والطمأنينة وتشعر معها بالأمن والأمان وينجذب إليها القلب إجلالا وحبا، فإذا تكلم شعرت كأنه يوحى إليه ، فهو لا ينطق بكلمة إلا بما يتوافق مع ما ينطق به الشرع ، يتحرى الصدق كلمة كلمة فيذكرك بحديث النبي – صلى الله عليه وسلم - : (ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا )، حتى إنه ليخالجني شعور بأن الكون كله ينصت لحديثه ، ليس لأنه يغرق في البلاغة أو يجمل أسلوب خطابه بالمحسنات البديعية ، ولكن لأن كل كلمة لو وضعتها في ميزان الصدق لما رجح الميزان قيد أنملة يتمثل قول الله – جل وعلا - : ( والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون).

وذلك – والله – هو الأمر الذي غاب عن كثير منا ، فما رأيت أحدا في زماننا من عالم أو كاتب أو سياسي إلا وجدت له زلات في الصدق إلا هذا الرجل الذي أستطيع أن أقول : إنه من رجال السلف الصالح شاء الله أن يبعثه في زماننا هذا ليجدد به أمر هذا الدين .

هو رجل يستلهم همة أبي بكر في الحق وقوة الفاروق في العدل وشخصية الإمام علي في الشجاعة والإقدام وخلق سيدنا عثمان في الحياء وسياسة عمر بن عبد العزيز في الإدارة .

إنه رجل تكسو وجهه سماحة التواضع ، وتزين معاملته المروءة ، فمهما حاولت أن تقلب البصر في سلوكه ونظراته لعلك تظفر بشيئ يعيبه أو بأمر يشينه في دينه ، ارتد إليك بصرك خاسئا وهو حسير، ومهما أردت أن تجد له نظيرا في عصرنا فاربع على ظلعك ولا تتعب نفسك فإنه أمة وحده في هذا العصر ؛ ولايذهبن بك سوء الفهم أن تظن أني جعلته معصوما ، فحاشا أن أزعم ذلك ، فمن أنا ومن هو ؟! فما من عاقل يملك ذرة من عقل أن يزعم ذلك لمن هو خير منه ...وإياك أن تترك مدخلا لوساوس الشيطان يلقيها عليك بأن مدح هذا الشيخ يعني التقليل من شأن مشايخ وعلماء آخرين ، كلا وألف كلا، فليس ذلك مقصودا ألبتة ومما ينبغي أن لا ننساه من شيم هذا الرجل أنه رجل العدل أمام طغيان الاستبداد فما خضع وما استكان ؛ بل كان وقافا عند حدود الله جهورا بالحق لا يخاف في الله لومة لائم ، وكلما لاحت له فرصة سانحة للدعوة عض عليها بالنواجذ ليكون الداعية الموفق علما وعملا ،بل أصبح رائدا من رواد الدعوة في عصرنا ؛ فكان من الدعاة الذين منحوا الدعوة أفقها العالمي بطريقة علمية تقنع العقل وتدحض الشبهة وتزيل اللبس ، في وقت كانت الدعوة لا تزال قاصرة على الكلمة الوعظية المحلية فقط ، فأخذ على نفسه أن يبلغ الدعوة للبشرية ، فخاض غمار المناظرات العلمية ودعا غير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة ، مهتديا بنور قول الله تعالى : (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ...) ..حتى إنه ليخالجني شعور أنه يأسرهم بشخصيته ذات الهيبة والوقار ، وبابتسامته الصادقة التي تزيد وجهه نورا على نور ، وبملامح سمته الذي تقرأ فيه هدي النبوة وسمتها ؛ خاصة وأن هؤلاء العلماء قد د جاءوا إليه فرحين بما عندهم من العلم ، يرتدون رداء العظمة والكبرياء لا يخطر ببال أحدهم أن يكون أحد قد سبقهم إلى نظرياتهم سواء كان فيلسوفا ملهما أو نبيا مرسلا ، غير أنه ما إن يبدأ حديثه حتى ينكسر غرورهم ويتطامن كبرياؤهم ، ليكسر بعضهم الصمت بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وآخرون يتساءلون في أنفسهم : كيف يكون هذا وأنى يكون ؟ (خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ) يطوون صحفهم متوجهين إلى كنائسهم يقابلون أحبارهم بما يكرهون وبما لا قبل لهم به ، فمثلهم كمن قال الله فيه : ( فبهت الذي كفر ) يسائلون أحبارهم أعندكم من العلم كما في كتاب المسلمين ؟ فلا يسمعون منهم إلا ما قد سمعوه من قبل ، وما فهموا منه شيئا ، فلا يزالون في ريب منه وشك ؛ بل قد وقر اليقين في قلوبهم أن كنيستهم لا تملك إجابة لأدنى تساؤل ، بل هي والعلم نقيضان لا يلتقيان وضدان لا يجتمعان ، غير أن طبيعتهم العلمية تدفعهم للبحث عن الحقيقة مرة أخرى ، فتدفعهم إلى أن يبصروا طريق الحق وصدق الله : (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ريك الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد ) ،والدعوة في مقام المناظرة والمجادلة لا يكفي أن يكون الداعية حافظا النصوص مستظهرا المتون بل تحتاج - أيضا - إلى بديهة حاضرة وذكاء وقاد يهبه الله من اصطفاه من عباده ، لتعلم – أخي القارئ – أن النجاح في المناظرة فتح من الله ،تراه ماثلا في مواقف هذا الشيخ الداعية، وفي أمثاله ممن سبقه من الدعاة مثل الداعية أحمد ديدات – يرحمه الله ، وفي خليفته من بعده الداعية الهندي محمد زاكر ، وغيرهم ممن كان همه هداية البشرية ، نعم لقد حمل هؤلاء هم هذه الأمة فما يغمض لهم جفن إلا وهم يسألون الله الخير والنصر لهذه الأمة ، وهذا هو شأن العظماء في كل زمان ، إنهم عظماء في سلوكهم، عظماء في همتهم ، عظماء في رؤيتهم للحياة ، يستحقون من أمتهم أن يضعونهم تاج فخر على رؤوسهم يفاخرون بهم الأمم الأخرى ، ولا تأخذنك – أخي القارئ – الغرابة إن قلت لك : إن في بلد الإيمان والحكمة الكثير ممن يحق لنا أن نفاخر بهم على مدى الزمن ومن هؤلاء في عصرنا الشيخ عبد المجيد الزنداني ، ولكننا ابتلينا في عصرنا هذا بثقافة آسنة تسلل فسادها إلى عقل كثير من شبابنا ومثقفينا ، فاختلطت لديهم المفاهيم خاثرها بالزباد منها ، وحابلها بنابلها ، وطفح زبدها وغاض النافع منها وراء سياسات ماكرة تنفخ في نار الخلافات المذهبية والحزبية وتختلق الصراعات وتفرق بين الأحبة فتكون النتيجة العداوة والبغضاء ، يعزز ذلك جهل فئام من الناس أصابتهم الأهواء فأصبحوا عبيدا لها ، تزداد ضرواة تلك العداوة كلما زاد الشيطان من لهيب الحسد في صدور أصحابها .

ولقد ساءني ما وجدته من أبناء قومي أحفاد الأنصار الذي شهد لهم نبيهم بالحكمة والإيمان ، ساءني أن رأيت كثيرا منهم قد قلبوا ظهر المجن لعلمائهم ، وأشهروا في وجوههم سيف البغض يكيلون لهم التهم جزافا ويقذفونهم بما لا يمكن أن يقال في حق أي إنسان ولو كان كافرا ، فما بالك برجل من رجال الدعوة والجهاد ، وإن شئت فاقرأ تعليقاتهم وردودهم كلما قرأوا للزنداني تصريحا أو سمعوا له ذكرا ، فلن تملك إلا أن تردد قول الشاعر الحكيم :

هل صح قول من الحاكي فنقبله ..........أم كل ذاك أباطيل وأسمار .

أما العقول فآلت أنه كذب ...والعقل غرس له بالصدق إثمار .

ولا أريد أن أقتبس بعض تلك التعليقات كي لا أرهق بصرك بقرائتها ، كما لا أريد لقلمي أن يألف تلك الكلمات التي لم يسمعها من لساني – بفضل الله - ، فما عودته إلا أن يقتبس كل قول يزداد به حكمة وإبداعا ،

إذا هو الابتلاء الذي قدره الله على أمثال هؤلاء المصلحين ، فما وجدت رجلا في عصرنا ابتلي بمثل ابتلي به الزنداني ، آذوه قومه في دينه فقالوا :ضال مبتدع ، وقال آخرون : إرهابي مجرم ، فما زاده ذلك إلا ذلا وافتقارا بين يدي الغني الحميد ، يرفع يديه مبتهلا متضرعا : ( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين .....)

...أخي القارئ الكريم : تلك كلمات فاض بها الخاطر قياما بحق علماء الأمة ودعاتها والمصلحين منهم وهو واجب أؤديه وفاء لهؤلاء وأداء للأمانة التي حملها كل منا ونصحا لأولئك الذين قلبوا ظهر المجن لعلمائهم وأطلقوا ألسنتهم يكيلون التهم جزافا بغير تثبت يتبعون الظن وما تهوى الأنفس ، غافلين عن قوله تعالى : ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ،

و أخيرا وحتى لا أدعك – أخي القارئ – تصنفني في هذه الجماعة أو تلك ، أقول لك : لست من طلاب جامعة الإيمان ، وإن كنت قد سجلت بها ، لولا أني لم أحضر الدورة التي يعقدونها للطلاب المستجدين في بداية العام الدراسي ، فحاولت جاهدا شرح ظروفي التي كانت سببا في ذلك فما أفلحت في إقناعهم ، فخرجت من باب الجامعة وقلبي معلق بها وبصاحب فكرتها ومؤسسها ، كما أني لم ألازم الشيخ رغم أنها كانت أمنية ، فلم أقابله سوى مرتين في حياتي :

الأولى : يوم كنت طالبا في الصف الثاني الثانوي ، التقيت به قدرا لدقائق معدودة ، فرحا بمصافحته راسما قبلة على جبهته الزكية وكان ذلك في موسم الحج ، والثانية قبل ست سنوات في زيارة عابرة له في منزله ، وإن أردت أن يزداد عجبك ، فاعلم أني لم أنتسب لحزب الإصلاح بل كانت بيني وبينهم في منطقتي صولات وجولات ، فما جمعني بهم تنظيم ولا جماعة ولكن دين ننتسب إليه يؤلف بيننا وكذا المودة في القربى .


في الجمعة 08 يونيو-حزيران 2012 08:52:16 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=15954