الحوار الوطني والخيار الفدرالي: الحل القادر على الصمود
جميل امذروي
جميل امذروي

ستلتقي قريباً على طاولة الحوار الوطني مجموعة من الكتل السياسية والمناطقية المتصارعة فيما بينها وفيما قد يبدوا للكثير أن المشهد سوداوي بين قوى متنافرة، الا انه من الممكن للمراقب أن يلمح بادرة أمل تكمن في أن الحوار يدور بين مجموعة من الضعفاء اذ لم يعد هناك من تواجد لطرف قاهر لرغبات بقية الأطراف ورغم أن هذا أمر قد يبدوا أيضاً سلبياً عند البعض ممن تعود على قواعد النظام السابق في فرض شروطه السياسية على الآخر، الا انه برأيي ضمانة حقيقية لكل الأطراف أن لاتُفرض عليها بالقوة حلولاً غير عادلة لقضاياها العادلة حتى لو لم تكن هي نفسها الأجدر بتمثيل هذه القضايا.

الضامن الثاني الحقيقي لنجاح الحوار الوطني هو مشاركة العالم ورعايته أو وصايته على هذا الحوار، إذ لم يعد ممكناً ولامقبولاً أن تشكل النخب السياسية اليمنية وتطرفها شوكة في حلق العالم الذي يخشى من سقوط اليمن في هاوية الدول الفاشلة وما قد يسببه ذلك من كوارث على أمن العالم واستقرار الإقليم.

كثيرةٌ هي القضايا المطروحة على طاولة الحوار الوطني واهم هذه القضايا هي القضية الجنوبية، تليها عدد من القضايا الملحة على الساحة كقضية صعدة وصياغة الدستور الجديد وشكل النظام السياسي القادم وقبل هذا وبعده هيكلة وتوحيد الجيش الذي سيظل مطلب يطارد كثير من أطراف الحوار ويرمي بظله على كل مراحله، لكن المؤكد أن موضوعاً واحداً رئيساً قد يشكل الحل الجامع لكل هذه القضايا المهمة، انه شكل النظام السياسي القادم للحكم.

ان شكل النظام السياسي القادم هو لبّ مشروع صياغة الدستور الجديد وهو جوهر الحل لكل القضايا السياسية في البلد لو استشعرت الأطراف السياسية مسؤوليتها التاريخية وفهمت جميعها أنْ لاغير اتفاقها من سيعبُر بها وبالبلد الى برِّ الأمان. يستطيع أي طرف من هذه الأطراف الضعيفة أنْ يعرقل مسيرة البلد إما لطمع سياسي بالاستحواذ ووراثة النظام السابق أو للتشفي والانتقام، لكن ماينبغي عليهم جميعاً فهمه هو عدم وجود طرف واحد قادر بعد اليوم على فرض كل شروطه على الآخرين، وعليه فلاغير توافقهم واتفاقهم من سيحقق الاستقرار والعدالة للجميع. وعلى الجميع ان يدرك أن خارطة التحالفات عند بدء الحوار قد لاتكون كما كانت قبله، وأنّ من سيبقى منهم وحيداً شاداً ومتشدداً في رؤاه السياسية فليتحمل صميل العالم الذي سينزل عليه كحجارة من سجيل وماصالح عنكم ببعيد.

إن المتابع للشأن اليمني سيرقب بسهولة مدى صعوبة إبقاء الوضع السياسي كما كان عليه في عهد الرئيس السابق من مركزية أهلكت الناس ومنعتهم من المشاركة العادلة في السلطة والثروة وهو أمر يستحيل استمراره مهما كانت رغبات بعض القوى القبلية المستفيده من ذلك والقوى الدينية والسياسية المتحالفة معها، كما لاتخطئ عين المراقب أيضاً تململ الكثيرين من الخطاب الداعي الى فك الارتباط والذي لايضمن للخارج أمنه ولا للداخل استقراره، مهما كان خطاباً عادلاً في أعين أنصاره. تلك هي رغبات الشعوب وموازين السياسة الدولية والمعادلات الإقليمية التي يستطيع من أراد أن يرفضها لكنه لايستطيع أن يتجاوزها بسهولة.

إنّ النظام السياسي الأمثل للدولة القادمة ليس هو النظام الذي يتمناه فريق معين بل هو ذلك القادر على حل مشاكل البلد - كل البلد - والذي يملك القدرة على الصمود عند تطبيقه على الأرض، والذي يمكن تسويقه والتبشير به في مناطق الاحتقان بالذات، والذي يستطيع أن يسحب البساط من الأطراف الراديكالية في كل مكان. إن الحل العادل كما يبدوا في الأفق السياسي حتى الآن هو الحل الفدرالي الذي يحضى بتأييد الدول العظمى الراعية للحوار (بالمناسبة كلها دول فدرالية) وستتجه أشرعة الخارج وكثير من الداخل نحو هذا الخيار الا في حالة حصول مفاجئات عسكرية أو تغيُر في مصالح الإقليم والدول العظمى.

إنني أعتقد جازماً أنّ الفدرالية - بغض النظر عن تفاصيلها - هي أكثر مايمكن للشمال أن يقدم وأقل مايمكن للجنوب أن يقبل به، وأعتقد أنها قد تشكل حلاً عادلاً لمشكلة صعدة وإعادة الاعتبار للمناطق الوسطى والسهل التهامي وكل مناطق الوطن، وأعتقد آملاً انه حين يتم تضمينها في الدستور القادم فستشكل الرافعة السياسية الأمثل لنزع فتيل الأزمة وستساعد بشكل مباشر أوغير مباشر في توحيد الجيش وإعادة هيكلته، وأؤمن يقيناً أنها ستعود على كل مكونات البلد بالخير الكثير.

gameels2000@yahoo.com


في الخميس 14 يونيو-حزيران 2012 04:49:17 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=16038