سعودية تتحدث عن دروسٌ في العفة من عائلات الغرب
مرام عبدالرحمن مكاوي

حينما يسألني الكثيرون عن سبب عدم وجود طبق لاقط حيث أقيم، وبالتالي فأنا لا أتمكن من مشاهدة القنوات العربية، فإن لدي أكثر من إجابة. فابتداء أنا طالبة وكاتبة في نفس الوقت، ولدي الكثير من الالتزامات، التي لا تجعل مشاهدة التلفزيون من أولويات حياتي. أما إذا كان التفرج عليه بقصد الترفيه، فهناك في هذا البلد أمورٌ أخرى كثيرة توفر متعة سمعية وبصرية متميزة، مثل السينما والمسرح والأوبرا وعروض صالات التزلج المغلقة وغيرها.

سبب آخر هو أنني تركت العالم العربي وقد سئمت أساساً من القنوات العربية، كما أنه بما أنني أعيش في بريطانيا، فأنا إذن أريد أن أكون متابعة لما يحدث هنا، لا أن أعيش في هذه البلاد بجسدي فقط. لكن السبب الأهم في رأيي هو أن التلفزيون البريطاني، يحوز وبصراحة في أحيان كثيرة على إعجابي، أعني قنواته الخمس الرسمية. ففي حين أن إحدى الزميلات اعتبرته مملاً جداً، ولا يستحق المشاهدة، وجدته أنا مميزاً ومختلفاً.

البي بي سي بشكل رئيسي، مشهورة ببرامجها الوثائقية المدهشة، لديهم قدرة هائلة على أن يجعلوك تتابع ولساعة كاملة برنامجاً علمياً، تاريخياً أو ثقافياً دون أن تشعر بالملل. ك
ما أن التحقيقات التلفزيونية، تدور حول قضايا جديدة. فتجدها تغطي موضوعات لم يتطرق لها أحدٌ من قبل، كما أنها تقدم لنا صورة لحياة أناسٍ مختلفين عنا يعيشون معنا في هذا الكوكب، وربما هم جيراننا، ولكن لا نعرف عنهم شيئاً. وكم من أمراضٍ فريدة، وديانات عجيبة، وعادات غريبة، لم أكن أعلم عنها شيئاً، قبل مشاهدة هذه البرامج. لكن سأعترف أيضاً بأن القناتين الرابعة والخامسة تخرجان عما يمكن أن تسمح به أكثر التلفزيونات ليبرالية في عالمنا العربي أحياناً، فتعرضان موضوعات لا تصلح لمن هم دون 21 أو حتى فوق ذلك! ومع هذا فإن هذه البرامج تعرض بعد الساعة التاسعة أو الحادية عشرة ويسبقها تحذير وتنبيه لمحتواها.

الأسبوع الماضي تابعت حلقة من سلسلة (حياة مخفية) على القناة الخامسة، كانت تدور حول العوائل المسيحية في بريطانيا وأمريكا، والتي لا تزال مسيحية بالمعنى الحقيقي والحرفي للكلمة. والتي تتخذ من الإنجيل وتعاليمه طريقة حياة، وتربي أبناءها عليه، في مجتمعين من أكثر المجتمعات ليبرالية، واستهلاكاً، وعولمة في عالم اليوم.

شاهدنا كيف أن هذه العائلات مثلاً لا تعترف بتحديد النسل، ولذلك فإن أقل عدد للأطفال في الأسرة هو ستة تقريباً، وهو أمرٌ نادرٌ جداً في بريطانيا، حيث متوسط عدد الأطفال في الأسرة بالكاد طفلان. وأن الأم لا تعمل، بل هي تعتقد اعتقاداً جازماً بأن دورها _كما يقول الكتاب المقدس - ينحصر (فقط) في أن ترعى الأطفال في المنزل وتهتم بأسرتها. وكيف أن على الأطفال أن يستيقظوا صباحاً للصلاة، وأن معظم هذه العائلات لا تسمح بذهاب الأبناء للمدارس الحكومية، حتى لا يتعلموا النظريات والأفكار التي تقدح في ذات الرب، مثلاً نظريات دارون في التطور والارتقاء الطبيعي، والتي تتعارض مع حقيقة أن الله هو الخالق. ولذلك فإن التعليم يتم في المنزل، والامتحانات تؤدى لاحقاً في المدارس إن لزم الأمر. بل فوق هذا، لا يُسمح بالتفرج على التلفاز إلا نادراً، وحتى برامج الأطفال ممنوعة، وهناك بدائل لرسوم متحركة مسيحية. وحين يذهب الأطفال إلى المكتبة العامة، فيجب ألا يختاروا كتباً تتعارض مع قيم المسيحية، وبالتالي فأي شيء يتحدث عن السحر أو القوى الخارقة، وما وراء الطبيعية ممنوع. وهكذا فإن أشهر كتب الأطفال في يومنا هذا (هاري بوتر) ممنوع وبشدة، فالسحر جريمة ولا ينبغي تشجيعه. كما أن الأب والأم يتحدثان بثقة بأن الطفل العاصي يجب أن يعاقب، والطفلة المتمردة يجب أن تضرب ضرباً غير مبرح، وهذا جزء من مسؤولية الوالدين. فعلى الأبناء أن يتعلموا أن هناك أشياء ممنوعة عليهم في هذه الحياة الدنيا، وأن هناك قوانين يجب أن تطاع، ووظائف يجب أن تلبى. والتربية يجب أن تبدأ من سن ستة أشهر!

نأتي للمراهقات والشباب من أبناء هذه الأسر، وهذا أكثر جزء أثارني، وكان مصدراً للدهشة الشديدة. فابتداء اتخاذ الأخلاء والخليلات من الجنس الآخر ممنوع دون الثامنة عشرة، وبعدها يمكن ولكن بشرط أن يكون الغرض الخطبة والزواج. وهكذا استمعنا إلى الشاب الذي حدثنا أنه عرف خطيبته لمدة أربع سنوات، في السنتين الأوليين لم يكن مسموحاً أن يضع يده في يدها، وحين كبرا قليلاً سُمح بذلك، ولكنه لم يقم بتقبيلها إلا حين صارت خطيبته رسمياً. وبذلك حسبما يقول: "تكون أول فتاة عرفتها وقبلتها في حياتي هي زوجتي.. والأمر نفسه بالنسبة لها..لقد حفظنا بعضنا من الحرام..حتى نكون جديرين بما يسمح به ديننا!". لاحظوا أن هذا الكلام يصدر من شاب عشريني مسيحي غربي، يعيش وسط مجتمع فيه الكثير من الإباحية، وتحمل الفتيات فيه أحياناً في سن الثانية عشرة، وفي مجتمع يبيح اللواط والسحاق والزنا برضاء الطرفين البالغين. ومع ذلك فقد رباه أهله على الالتزام بتعاليم دينه عن قناعة، فالتزم بها حتى بعد أن غادر البيت وذهب للعيش في الحرم الجامعي في مدينة أخرى. وبالرغم من أن الشرب حتى الثمالة، وممارسة الجنس بشراهة، من تقاليد طلاب السنة الأولى في الجامعات الغربية، كنوع من الاعتراف بوصولهم سن الرشد، وخروجهم عن سلطة الأهل، فإن هذا الشاب وشباناً آخرين، لا يفعلون ذلك. وأنا شخصياً تعرفت قبل سنتين على طالبة من الجمعية المسيحية، حدثتني ذات مرة كيف أنها في السنة الأولى كانت تدعو الله أن يحفظها، وكانت تقول: " ما أصعب أن تكون مسيحياً في الجامعة!".

نعود إلى البرنامج، وإلى الشابات هذه المرة، فبالإضافة إلى كونهن لا يمارسن شرب الخمر حد السكر ولا يمارسن الجنس قبل الزواج، ولا يحضرن الحفلات الصاخبة، أو يدخلن دور اللهو والديسكو وصالات القمار، فإنهن أيضاً يلتزمن بارتداء الأزياء المحتشمة. فليس مسموحاً ارتداء الملابس الفاضحة، أو التي تبرز المفاتن، حتى حين أرادت إحداهن شراء ثوب زفافها، تأكدت أمها أن الصدر مغطى بالكامل، وأن فتحة الظهر محدودة، لأن الحفل مختلط بطبيعة الحال.

لو لم أكن متأكدة من أنني أتفرج على برنامج بريطاني، على التلفزيون البريطاني، باللغة الإنجليزية، لما صدقت للحظة أن هناك عائلات محافظة بهذا الشكل في المجتمع الغربي، من غير المسلمين. وقد خرجت من مشاهدتي هذه بأفكار عديدة.

فابتداء، أريد لبعض الغربيين الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على الشعوب الأخرى، ويحاولون تمرير قناعاتهم الذاتية عبر الاتفاقات الدولية (مثل حق ممارسة البالغين للجنس دون ضوابط)، وأن ما دون ذلك هو اضطهاد، أن يعرفوا أن هناك من يختار أن يعيش حياة الحشمة والعفة، حتى ممن يعيشون في المجتمعات المنفتحة من أبنائها الأصليين، وليس من مهاجري الشرق الإسلامي المنغلق.

وثانياً، بالرغم من أنني لا أتفق تماماً مع طريقة هؤلاء في تربية الأطفال وعزلهم عن محيطهم، وعدم جعلهم يتعرفون على الحياة بالصورة الحقيقية، وأرى أنهم بالغوا كثيراً في الممنوعات، وفي رأيهم لوظيفة المرأة، لكنني احترمت قدرتهم على تبرير أفعالهم، وعن نسبة ذلك لتدينهم. في حين أننا كمسلمين أحياناً نحاول تبرير بعض تعاليمنا بطريقة ساذجة وغير مقنعة.

ثالثا، أعجبني كثيراً كيف أن العفة سلوك وتدريب وتربية، وليست قمعاً للمراهقين، وتلصصاً على المراهقات، أثبت فشله غالباً في عالمنا العربي، حيث العلاقات في هذه السن صارت أحياناً هي الواقع، ودون ذلك هو الاستثناء، رغم إصرارنا على رفض الاعتراف بذلك، ولذلك غضبنا من رواية حاولت _وإن بسذاجة - تصوير هذا الواقع. وأنها مسؤولية الأهل ابتداء، لا الشرطة الدينية، أن يحرسوا الفضيلة في المجتمع، بتربية جيل محترم عفيف.

وأعجبني كيف أن الشاب انتظر (وسينتظر) فتاته حتى يوم العرس، ولم يقل له والده (القسيس) أن يذهب ويفرغ طاقاته في بنات خلق الله، مقابل وعد كاذب بالزواج، أو بزواج "عرفي" أو "متعة" أو "مسيار" أو "مسفار" أو "فرند" أو "صيفي" أو "شتوي"! إذ لم يحاول والده أن يشرع له الزنا بغطاء إنجيلي، رحمة بشاب يعيش في مجتمع الجنس فيه حيٌّ في كل مكان، في وسائل الإعلام والترفيه، وفي حياة الشباب ودور لهوهم، وحيث يتبادل العشاق قبلاتهم في كل زمان ومكان.

وبالتالي، أعتقد أنه إذا كان شاب مسيحي، في بلد غربي، يستطيع أن يحافظ على عفته من أجل دينه، ليكون جديراً بعروسه العذراء، فإنه قطعاً سقطت حجج القائلين بأن الشاب العربي والمسلم لا يستطيع أن يضبط غرائزه في الخارج أو في الداخل. فابحثوا - أيها الرجال المسلمون المحترمون - عن حجج أخرى (غير الدين..والخوف من الحرام) لتبرير اتباع الهوى في موضوع النساء!

* كاتبة سعودية، وطالبة دراسات عليا بالمملكة المتحدة


في الأربعاء 02 مايو 2007 07:45:00 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=1664