الرئيس إبراهيم ألحمدي مؤسسا لمشروع المؤتمر الشعبي العام
د.طارق عبدالله الحروي
د.طارق عبدالله الحروي

- من نافلة القول بهذا الشأن ضرورة الإشارة إلى أن لدي أسبابا مهمة وراء تناول موضوع هذه المقالة تحت هذا العنوان الكبير، وهي أسبابا تقوم بالدرجة الأساس على عدة اعتبارات رئيسة لها علاقة وثيقة الصلة بدلالات ومعاني اللحظة التاريخية بشقها الذاتي وثيق الصلة بالرئيس ألحمدي وفريق إدارته والموضوعي وثيق الصلة بالمعطيات الظرفية الطارئة التي فرضتها البيئة الخارجية أكثر منها الداخلية، واللذان يجب إعادة استيعابهما بكل ما تحمله هذه العبارة من معاني ودلالات لها شأنها في اللحظات التاريخية الذهبية والحرجة الحالية التي تعيشها حركة التغيير الوطني برمتها في هذه المرحلة والمرحلة القادمة- هذا أولا- وكذا للتدليل على طبيعة وماهية الجهة التي كانت تقف وراء انسيابية ومرونة حركة سيناريو تصفية النظام الوطني ورموزه وتتحمل المسئولية كاملة في كل ما جري ويجري لحد اليوم، في ضوء ما كانت سوف تمثله خطوة تأسيس المؤتمر الشعبي العام سواء من قفزة نوعية لم تكن في الحسبان كان مقدر لها أن تنقل مشروع حركة التغيير الوطني إلى الأمام أو من تداعيات وآثار على مصالحها ومصالح حلفائها المحليين والإقليمين والدوليين غير المشروعة- ثانيا.

- ولعل من الجدير بالذكر ضمن هذا السياق كما أشرنا إليه في المقالة المنشورة لنا على صدر الصحافة المحلية الورقية والالكترونية تحت عنوان (الرئيس الشهيد إبراهيم ألحمدي...أصبحت أعرفه أكثر منكم)، (الرئيس الشهيد ألحمدي لم يكن ناصري الانتماء والولاء كما تدعون في الذكرى الـ39 من قبوله بتولي مقاليد السلطة في اليمن 13/6/1974م)، الإشارة إلى أن إدارة الرئيس الراحل إبراهيم ألحمدي طوال فترة الحكم التي لم تتجاوز الـ4 سنوات كانت قد نجحت أثناء محاولاتها المتكررة إعادة صياغة ومن ثم بلورة أهم المعالم الرئيسة في صورتها الأولية لخارطة الطريق المراد عبوره للوصول إلى الغاية المنشودة، باعتبار إن هذه الإدارة كانت امتداد لحركة وطنية تصحيحه استثنائية تسلمت قيادة دفة البلاد منذ العام 1974م.

- في ضوء نجاحها النسبي والمهم الذي حققته في وضع يدها على بعض أهم المرتكزات الأساسية اللازمة لإمكانية قيام الدولة المدنية الحديثة المنشودة وخلق الإنسان اليمني الجديد- وفقا- لبعض أهم المعايير العالمية بهذا الشأن مع مراعاة الخصوصية الوطنية، وبالاستناد على ما بذلته من جهود مضنية في إعادة قراءة وتشخيص الواقع بشكل شبه موضوعي ودقيق نسبيا، بصورة كشفت أمامها أهم مكامن الضعف ومن ثم نقاط القوة الرئيسة فيه، والتي تسنى لها على أساسها وضع الخطوط العامة الأولية المحددة للإستراتيجية الوطنية المقترحة لتأسيس بعض أهم أركان الدولة المدنية الحديثة المنشودة.

- إلا أن مما تجدر الإشارة إليه هنا- أيضا- هو أن هذا الأمر كان قد أخذ الجزء الأكبر والمهم من وقت الرئيس ألحمدي وفريق إدارته، بحيث لم يتسنى لها ترجمة هذه الطموحات بشكلها المنشود الذي حددته خارطة الطريق الجديدة إلا في حدودها الدنيا، أما لماذا ؟ ترد بالقول لان الفترة اللاحقة التي ابتدأت منذ العام 1976م لم تكن بالكافية بتاتا لترجمة بعض أهم مفرداته الرئيسة ليس هذا فحسب، لا بل وأيضا لان طبيعة ومستوى ومن ثم حجم المعطيات الظرفية الخارجية ومن ثم الداخلية كانت قد تغيرت بالفعل في اتجاه تصفية النظام الوطني مشروعا وفكرا وأفرادا ضمن سيناريو أممي- إقليمي أعد للوصول إلى مثل هذا الغرض على أعلى المستويات القيادية في العالم تم تناول بعض أهم معالمه الرئيسة في مقالنا المنشور سابقا على صدر الصحافة المحلية تحت عنوان (سيناريو تصفية زعماء اليمن 1977-1978م: رؤية في إرهاصات المخطط ألأممي الأمريكي- السوفيتي وحلفائه الإقليميين والمحليين).

- وبمعنى آخر يمكن القول إن الرئيس ألحمدي وفريق إدارته كانوا إلى حد كبير محصورين بين أمام أمرين أساسيين لا ثالث لهما إما أنهم كانوا يدركون تمام الإدراك إن بقائهم معزولين إلى حد كبير عن أهم مكونات المجتمع بفعالياته المختلفة ضمن اطر مؤسسية حقيقية معدة لمثل هذا الغرض تحديدا تسعى وراء فتح الطريق واسعا أمام إشراكها بصنع القرار وتنفيذه والإشراف عليه؛ من خلال إعادة توزيع مصادر القوة والثروة فيما بين قياداتها وعناصرها، والتي نجح إلى حد كبير فصيل سياسي واحد من الاستحواذ على الجزء الأكبر والمهم منها كما أشرنا إليه في مقالاتنا المنشورة في صدر الصحافة المحلية تحت عنوان (قراءة في البعد الاستراتيجي: لسيناريو تصفية النظام الوطني في اليمن 1977-1979م)، (الناصريون: هم من أحملهم دم أبن اليمن البار وشهيدها) كان هو الحد الفاصل الذي حال دون إحداث نقلات جذرية ونوعية في مشروع حركة التغيير الوطني بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة، لاعتبارات عديدة لها علاقة بطبيعة واقع المعطيات الظرفية المحيطة بها من كل حدب وصوب والتي كانت أية محاولة في هذا الاتجاه تعنى فتح أبواب جهنم على رأسها، سيما أنها لم تكن قد حددت على أرض الواقع مالها وما عليها أو من معها ومن ضدها من ناحية تثبيت مواطئ أقدامها على أرض الواقع ليس هذا فحسب، لا بل كانت بحاجة لأكثر من ذلك الوقت الذي استغرقته بأضعاف لإعادة قراءة الواقع التي جاءت من أجل تصحيحه- وفقا- للثوابت الوطنية ومن ثم قيادته.

- أو إنها لم تدرك هذا الأمر برمته إلا متأخرة عندما قطعت مشوارا مهما في تحديد بعض أهم المعالم الرئيسة خارطة الطريق الجديدة بمراحلها الأولية الكفيلة بتمهيد الأرضية الصلبة للمراحل اللاحقة، سيما عندما بدأت تعد العدة لترجمتها على أرض الواقع، كي تكتشف أن هنالك أجنحة متطرفة في الحركة الناصرية لها شأنها لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها رهنت نفسها بين أياديها عناصرها أصبحت مصالح أفرادها يتعارض شكلا ومضمونا مع توجهاتها الوطنية وهذا ما سوف نتطرق له في مقالة أخرى أقوم هذه الأيام بإكمالها)- هذا أولا.

- وما فرضه المتغير الخارجي من أهمية لا وبل من ضرورة أصبحت أكثر إلحاحا في اتجاه رص الصفوف وتوحيد الجبهة الداخلية التي بدونها سوف يسقط النظام وحركة التغيير الوطني لقمة سايغة في فم التيار التقليدي المحافظ والمتطرف الذي كان قد استعد لالتهامهما دفعة واحدة، على خلفية ما طرأ من تغييرات في أولويات مصالح كياناته ودوله ضمن إطار إستراتيجية تصفية الأنظمة الوطنية التي ظهرت خارج نطاق سياسة الاستقطاب الثنائية في الفترة (1970-1977م) كما أشرنا إليها في مقالات سابقة- ثانيا.

- ومن هذا المنطلق بالتحديد سوف تنكشف أمامنا طبيعة حقيقة ومستوى ومن ثم حجم الخطوة الأكثر جراءة ووضوحا التي استعدت لها إدارة الرئيس ألحمدي بصورة نسبية بالتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة مع الجناح المعتدل في الحركة الناصرية وبذلت من أجلها جهودا كثيفة ومضنية في فترة زمنية وجيزة، المتمثلة بقرارها التاريخي الذي سعت من ورائه إلى محاولة وضع حاضر ومستقبل اليمن دولة وشعبا وتاريخا وطموحا بين أيدي أبنائها قاطبة، في قفزة نوعية لم تكن بالحسبان كان مقدرا لها تجاوز معظم العقبات والعراقيل المحيطة بها في جسر وطني جوي ينقل اليمن مباشرة من مكانها الذي تقف عنده إلى أمام عتبة الدولة المدنية الحديثة.

- عندما دعت إلى تشكيل كيان سياسي- حزبي جديد \" المؤتمر الشعبي العام\" يضم بين جنابته كافة العناصر والقوى والتيارات والحركات والفعاليات السياسية والمجتمعية..الخ، وتؤكل له مهام عديدة منها على المدى القريب تتعلق بمهام الإعداد لخوض المواجهة المتوقعة التي فرضت على البلاد دخولها مع ألد أعدائها الداخليين والخارجين كما أشرنا إليها سابقا، ومنها على المدى المتوسط والبعيد تتعلق بمهام قيادة الانتقال باليمن دولة وشعبا إلى عتبة دولة النظام والقانون، والتمهيد من خلالها لدخول مرحلة التنمية المنشودة.

- وهو الأمر الذي وقفت ضد تبلوره وولادته في التوقيت المحدد كما تم التخطيط له عناصر في الحركة الناصرية تنتمي إلى الأجنحة المتطرفة وترتبط شكلا ومضمونا بالسيناريو الذي ينفذه التيار التقليدي المحلي المحافظ والمتطرف وشركائه ويقوده ويشرف عليه التيار التقليدي الإقليمي بأبعاده الدولية ليس هذا فحسب، لا بل ونالت منه بالشكل والمضمون بعد استشهاد مؤسسه، من خلال حرفه عن مساره وأهدافه الوطنية التي على أساسها سينشأ، ومن تشويهه خلقيا، وصولا إلى إيقافه وتجميده نهائيا إلى العام 1982م، الذي استطاعت فيه عناصر التيار الوطني المعتدل إنفاذه على أرض الواقع.

- على الرغم من أنه ولد كسيحا ويعاني تشوهات خلقية عديدة، إلا إن الخيارات المتاحة لديها كانت محدودة جدا للغاية؛ جراء استمرار تنامي حالة الاختلال الحادة في المعادلة الداخلية الحاكمة للواقع اليمني برمته لصالح التيار التقليدي المحافظ والمتطرف وشركائه بنسبة (1:3)، الذي تسنى له الهيمنة على معظم مقاليد السلطة في البلاد منذ إزاحة الحركة الناصرية بتيارها الوطني المعتدل من المعادلة الداخلية على إثر فشل الانقلاب الأسود الذي قادته الحركة الناصرية ضد شخص الرئيس علي الصالح الذي لم يكن قد أمضى منذ قبوله باسم اليمن دولة وشعبا تولي مقاليد السلطة سوى 88 يوما تقريبا وليس نظامه 15/10/1978م (بحكم أنها كانت حتى تلك اللحظة تهيمن على معظم مقاليد السلطة!!) وهذا ما تم تناوله في مقالتنا المنشورة تحت عنوان (ما السر الخفي وراء سيناريو ظهور وبقاء الرئيس علي الصالح في سدة السلطة: قراءة في أبجديات سيناريو تصفية زعماء اليمن 1977-1978م).

والله ولي التوفيق

d.tat2010@gmail.com


في الثلاثاء 31 يوليو-تموز 2012 10:37:58 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=16727