هيكل والجزيرة وغلمان الحزب الحاكم
سليم عزوز
سليم عزوز

كتبت من قبل أنني لست من دراويش الكاتب المرموق محمد حسنين هيكل، فالرجل له وعليه، ويؤخذ من كلامه ويرد، لكن مع هذا فإنني شعرت بالغثيان عندما اطلعت علي وصلة الهجوم التي تعرض لها، من قبل غلمان الحزب الحاكم في مصر، إذ أن الهجوم وصل الي درجة من السفالة منقطعة النظير، واصبح شبيها بأسلوب البلطجة الذي يمارسه هذا الحزب مع خصومه، وقد مارسه مع المتظاهرين، عندما زج بالمنتسبين له فتحرشوا بالنساء، علي النحو الذي نقلته كاميرات الفضائيات الي كل أرجاء المعمورة، كما مارسه مع الناخبين من غير أنصاره، فاعتدوا عليهم، ومنعوهم من الإدلاء بأصواتهم، في وجود رجال الشرطة، الذين لا يحركون ساكنا من باب الحياد، تماما كما لم يتحرك وجهاء هذا الحزب ليقولوا لصبيانهم: عيب.

هيكل تحدث مع الصحافي البريطاني روبرت فيسك عن الرئيس مبارك، بكلام ربما ا غضب أهل الحكم، وهنا تناجوا: هي الحرب اذن، وزجوا بمن مكنوهم من المنابر الإعلامية المملوكة للشعب المصري، فخرجوا يدافعون عن أولياء نعمتهم بفحش القول، الي درجة انهم جعلونا نتحسر علي أيام الصحافي الراحل موسي صبري، الذي كان المعارضون يصفونه بـ ( كلب السلطة) و ( منافق أفندي)، لكن موسي كان صحافيا متمكنا من أدواته، وكان يهاجم خصوم النظام بحدة ولكن برقي، ويسعي لان يؤكد للقارئ صحة وجهة نظره وسلامة موقفه المنحاز للسلطة، علي العكس من هؤلاء، الذين لا يعنيهم القارئ، ولا يهتمون الا برضا أولياء النعمة، ومن المؤكد ان لهم العذر!

قناة الجزيرة حاورت هيكل حول هذا الموضوع، والذي قال لمحاوره محمد كريشان ان كل ما قاله روبرت فيسك علي لساني صحيح. لكن المتأمل في ملامح الرجل يكتشف حزنا عميقا لم يشأ ان يعبر عنه، وفي اعتقادي انه - وهو الرجل الذي أعطي عمره كله لمهنة الصحافة - يأسف لهذا الانهيار الحاصل في تقاليد المهنة وقيمها، فمن ناحية الهجوم فكثيرا ما تعرض له، و( ياما دقت علي الرأس طبول)، وقد سلط عليه الرئيس السادات كتابه فسلخوه بالسنة حداد، لكن فرق بين هجوم وهجوم، وبين مستوي ومستوي، وبين زمن منصور حسن، وممدوح سالم، وسيد مرعي، وبين زمن جماعة لجنة السياسات بقيادة المناضل الحديدي احمد عز!

عموما لقد أمتعنا هيكل في حواره مع كريشان، وددت لو تحول هذا الحوار الي لقاء شهري يدور حول رأيه في كل القضايا المثارة، ويا حبذا لو تناوب علي الحوار بجانب محمد كريشان كل من فيصل القاسم وسامي حداد!

وراء الشمس من تاني!

لم نكن نحتاج الي برنامج هويدا طه ( وراء الشمس) لنتأكد من ان التعذيب في مصر من المعلوم بالنظام الحاكم بالضرورة، علي الرغم من ان القوم بدوا في حالة اندهاش بين، وتحركوا بهمة ونشاط لالقاء القبض علي هذه المجرمة العتويلة، التي تسعي للتشنيع علي مصر في الخارج، باعتبار ان حضراتهم هم مصر، من اقترب من رحابهم بسوء حلت عليه اللعنة.

مؤخرا وبعد ان تمت إدانة هويدا طه أمام محكمة أول درجة، أصدرت محكمة الجنايات حكما تاريخيا، في القضية التي اشتهرت إعلاميا بقضية الفنانة التونسية حبيبة، وهي قضية تتضاءل بجانبها القضايا التي قدمتها الزميلة المذكورة علي انها تمثل نموذجا للتعذيب الذي يمارس في أقسام الشرطة في بلادنا!

حبيبة - يا قراء - تزوجت عرفيا من أحد رجال الأعمال المصريين، وذات يوم تم العثور علي الرجل مقتولا، وقدمت زوجته التونسية للمحاكمة، وقد اعترفت بأنها هي القاتلة، ونشرت وسائل الإعلام اعترافاتها بتوسع، وقامت بتمثيل الجريمة أمام جهات التحقيق، ثم صدر ضدها حكم بالسجن تسع سنين، ولم يساور أحد شك في انها هي الجانية، فقد اعترفت، والاعتراف سيد الأدلة، ولم تقم بنقض الحكم، ومرت اكثر من خمس سنوات وهي في السجن، الي ان ألقت قوات الأمن القبض علي عصابة في قضية من القضايا، وأمام جهات التحقيق اعترف أفرادها بكل جرائمهم، ومن بين ما اعترفوا به انهم قتلوا زوج الفنانة حبيبة، التي خرجت من السجن، لتروي التعذيب البشع الذي مارسه عليها رئيس مباحث الهرم، حتي تعترف بجريمة لم ترتكبها، ولنا ان نعرف حجم هذا التعذيب، اذا علمنا انها نظرت الي السجن علي انه يمثل الخلاص منه، وكان بإمكانها ان تعلن أمام المحاكمة ان اعترافاتها كانت وليدة إكراه، لتسقط ولا يعتد بها، لكن من الواضح ان الأهوال التي مارسها عليها حضرة الضابط المحترم بشعة، ولعله استقر في يقينها ان نفوذه نافذ حتي الي منصة القضاء، وهي ولا شك معذورة.

لقد برأت محكمة الجنايات في الأسبوع الماضي حبيبة،و أدانت الضابط بحكم مخفف، فالحكم عليه بالسجن كان مع إيقاف التنفيذ، فضلا عن وقفه سنة واحدة عن العمل الشرطي، مع أنني لو كنت مكان القاضي لأرسلته الي السجن بعدد السنوات التي قضتها حبيبة، ولحكمت بإنهاء خدمته بشكل تام، لكن قدر ولطف، فأنا لست القاضي، وقيمة ما جري في انه يعد دليلا علي التعذيب الرهيب الذي تعرضت له المذكورة في قسم شرطة الهرم، والذي بلغت ضراوته حد انها اعترفت بجريمة كهذه!

الأمر الذي يؤكد ان التعذيب في أقسام الشرطة، لا يؤكده الفيلم الوثائقي لزميلتنا هويدا والذي بثته قناة الجزيرة، فالنماذج التي عرضها الفيلم، وبعضها مفزع، هي لعب عيال بجانب هذه القضية، وإذا كانت حبيبة محظوظة، لان العصابة سقطت بعد ارتكابها قضية أخري، فكيف حال غير المحظوظين، الذين شاء حظهم العاثر ان يقعوا تحت يدي هذا الضابط وغيره من الضباط الذين يمارسون التعذيب بشكل منهجي؟

لقد اتهم القوم هويدا طه بالإساءة الي سمعة مصر بالخارج، وكان عليهم ان يحققوا في صحة الوقائع التي استعرضها برنامجها، لنقف بعد هذا علي من الذي يسيء الي سمعة المحروسة، الضحية ام الجلاد؟!

فقرة رومانسية

زميلنا حسام الدين محمد اتهم هويدا طه، وحكم البابا، وخميس الخياطي، ومحسوبكم العبد الفقير الي الله، من كتاب هذه الزاوية: ( فضائيات وأرضيات) بسلاطة اللسان، وهو اتهام مقبول وفي محله، ليس لانه رئيسنا في العمل، وكل الرؤساء لا يفترون علي الخلائق، ولكن لأننا حقيقة كذلك، بيد اننا لا نملك سوي ألسنتنا الطويلة والسليطة في مواجهة أنظمة تملك من الجبروت ما تحول به بين المرء وقلبه!

وان كنت مختلفا في الدرجة عن الزملاء الثلاثة سالفي الذكر، فأنا لست هجاء طول الوقت، ففي بعض الأحيان أكون وديعا، ولا وديع الصافي، والي درجة أنني أشدت بأداء ثلة من المذيعات علي رأسهن خديجة بن قنة، وليلي الشايب، وجمانة نمور، اجمل مذيعة ناطقة بلغة الضاد، رغم انف ابي جهل.

أما بخصوص خالد الذكر صفوت الشريف، الذي قال حسام الدين محمد انني ألفت خلال ستة شهور من بداية كتابتي لهذه الزاوية انسكلوبيديا في هجائه. فلعلمه انني توقفت عن هجائه، فهو علي الرغم مما قلته فيه - وهو صحيح - الي انه بجانب غلمان لجنة السياسات فانه يعد رحمة، وقد علمت ان الزاحفين الي سدة الحكم لن تكتمل سعادتهم الا إذا تخلصوا منه، فرأيت ان أتوقف عن هجائه، فهو بجانب هؤلاء التتار، الذين لا يرقبون فينا ذمة، يعد السييء الذي هو افضل من الأسوأ. وفي مصر الان نحن نتحسر علي الرئيس السادات وعلي أيامه وعلي لياليه، ولن اذكر السبب لأنني حريص في هذه الفقرة علي ان اكون رومانسيا، وان أتخلص من سلاطة لساني، التي كانت سببا في إحالتي للمعاش المبكر.

وبهذه المناسبة - مناسبة هذه الفقرة الرومانسية - أود ان اؤكد ما أكدته من قبل من ان التلفزيون المصري يوجد به عدد من المذيعين والمذيعات يمكن لنا ان نعيد بهم الريادة جاثمة علي ركبتيها، اذا توفرت لدي القوم الإرادة، وأعطوا الخبز لخبازه، بدلا من الاستعانة بأهل الثقة، وتوسيد الأمر إليهم، علي النحو الذي جري بتعيين انس الفقي وزيرا للإعلام، مع ان الرجل عندما تم تعيينه رئيسا لهيئة قصور الثقافة هتفنا: كوسة. والكوسة لمن لا يعرفون العامية المصرية تشير للمحسوبية و المجاملات.. ولن استطرد في هذا الموضوع لأنني الان اكتب كتابة رومانسية. في قناة النيل الثقافية صادفت مذيعتين، علي درجة عالية من التمكن وبالمعايير الدولية، وهي المعايير التي عربها - نسبة للعربية - من أسسوا قناة الجزيرة. الأولي هي هبة فهمي، والثانية نوال الحضري. الأولي تلم بالموضوع الذي تتحدث فيه، وتعتمد طريقة الأسئلة المركزة والمختصرة والمباشرة، وتحرص قدر الإمكان علي عدم المقاطعة، والثانية بجانب إلمامها بالموضوع فإنها تتكلم كثيرا، ولكن في صلب الموضوع، وبلهجة مغربية جميلة، وقد سألت فعلمت: ان أمها مغربية ووالدها مصري.

ولان هذه الفقرة لتأكيد قدرتي علي إدخال لساني داخل فمي، فإنني اقول انني لا احب فقط اللهجة المغربية، فانا احب اللهجة التونسية من اجل ليلي الشايب، والجزائرية من اجل خديجة بن قنة، واللبنانية من اجل جمانة نمور، وبالمرة اللهجة الصعيدية من اجل الحبايب.

ربما تكون مشكلة هبة ونوال أنهما تعملان في قناة لا تحظي بنسبة مشاهدة عالية، لكن عندما تشاهد قدرتهن في ادارة الحوار، تعجب كيف ان وزير الاعلام شخصيا، داخ دوخة الصعيدي في محطة مصر، بحثا عن مذيعة تحتل موقع نيرفانا ادريس في برنامج ( البيت بيتك)، بعد ان تم الاستغناء عن خدماتها، وبعد تفكير عميق تم جلب مذيعة كل ما تفعله انها تجلس بجوار تامر أمين مبتسمة طوال الوقت، بلا مبرر، ربما مبرر جلبها الوحيد هو ان تترك تامر يتمدد في البرنامج ليثبت قدراته الفتاكة، ولا ضير، فهو ابن صاحب التلفزيون، وقديما كان السيد ناظر المدرسة عندما يصطحب ابنه معه، كنا معشر التلاميذ والسادة المدرسين نقيم له زفة ترحيب، من اجل الوالد!

أخشي ان يشاهد وزير الإعلام أداء هبة فهمي ونوال الحضري وغيرهن وبدلا من ان يجلبهن الي برنامج ( البيت بيتك) لينهضن به، يكلف تامر أمين بتقديم الفقرات التي يقمن بتقديمها علي الثقافية.. ربنا يستر.

أرض ـ جو

قرأت علي لسان المذيعة نشوة الرويني قولها: أصبحنا نعيش في عصر السماوات المفتوحة. ياله من اكتشاف جبار، يخرب مطنك علي رأي محمد صبحي في مسلسل سنبل.

كاتب وصحافي من مصر

azzoz66@maktoob.com


في الأحد 13 مايو 2007 08:21:48 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=1744