الحمدي ضمير جمعي عصي على الزيف والنسيان؟
محمود شرف الدين
محمود شرف الدين

حتى اليوم لا زلت اجهل أبعاد حساسية قناة الجزيرة ممثلة بمكتبها في صنعاء من  قضية الحمدي،والمسيرات التي شهدتها عدد من محافظات الجمهورية اليمنية في الذكرى 35 لجريمة اغتياله الآثمة التي اجمع اليمنيون على أنها كانت اغتيال لوطن بكامله،حيث تحاشى الزملاء في قناة الجزيرة الإشارة إلى الحمدي من قريب أو من بعيد، رغم معرفتهم أن الفعالية نظمت للتنديد بالجريمة والمطالبة بالقتلة، وأقيمت في ذكراها كما هو معلن عنها سابقا من اللجنة المنظمة - والتي أتشرف بأنني كنت  ضمن تكويناتها،- ناهيك عن الصور المرفوعة وهتافاتها المطالبة بإعدام القتلة وكل أفراد العصابة التي شاركت في تنفيذ هذه الجريمة بما فيها من بشاعة وحقارة بالغة.

لقد جانب الإخوة في مكتب الجزيرة بصنعاء الصواب وتركوا المهنية والتقاليد والأعراف الصحفية جانباً، وتعاملوا مع الحدث بحساسية مفرطة لا مبرر لها على الإطلاق بل وجهولة الدوافع؟؟ هل هو موقف من الحمدي والدولة المدنية الوحدوية التي كان يؤسس لها،أم موقف من التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري الذي نظم الفعالية، أم انه تضامناً مع القتلة، تمنيت أن أجد عذرًا لمكتب الجزيرة في هذا التصرف المعيب الذي يخدش المهنية والأخلاق الصحفية والإعلامية خاصة وان مديره هو الوكيل الأول لنقابة الصحافيين اليمنيين المعنية بالدفاع عن قيم وأخلاق وشرف المهنة، فماذا وراء ذلك؟؟؟

إن خروج اليمنيين في هذا اليوم لأول مرة منذ 35عام منددين بهذه الجريمة ومطالبين بالجناة أمر رغم تأخره كثيراً قد كشف عن حب ووفاء وإجماع شعبي على عظمة هذا الرجل وعودة مشروعه الحداثي والمدني للنهوض بالوطن والسير به نحو عجلة التقدم والرقي إلى الواجهة ، بفضل الثورة الشبابية الشعبية السلمية التي ليس بمقدور احد أن ينسبها لطرف أو جهة أو فئة بعينها، وظلت خلالها صورة الشهيد الحمدي في الواجهة منذ البداية وهي حقيقة لا تستطيع قناة الجزيرة أو غيرها إنكارها أو محوها من ارشيف صور يوميات الثورة السلمية،حتى وصلنا إلى هذا اليوم الذي نخرج فيه تكريماً للحمدي وتنفيساً عن أحزان محتقنة في صدور اليمنيين الذين حرمهم نظام صالح العائلي المستبد من التنفيس عنه أو البوح والتعبير عنه يوما من الأيام ،حاملين مطالب مشروعة بمحاكمة القتلة الذين اغتالوا وطناً ماضيه ومستقبله، فالحمدي ليس شخصاً عاديا بل نموذجاً نادراً للحاكم العادل المحب لوطنه وشعبه ،فداهما بروحه فأصبح ضميرا جمعيا عصي على الزيف ومحاولات النكران ،لقد ابتنى له خلال سنوات ثلاث عرشاً في قلب كل يمني، وبالتالي فان أي محاولة لمواصلة دأب نظام صالح السابق في التقليل من مشروعه الحضاري النير ومحاولات محو آثاره وانجازاته وتاريخه وحب الجماهير له أمر لن يقبل به يمني بعد اليوم وهذا ما ينبغي أن تفهمه قناة الجزيرة اليوم فقد بلغ شعبنا سن الرشد ولم يعد بحاجة لوصاية دينية أو قبلية أو طائفية ينتظر منها فتاوي وتزكيات لأشخاص وجهات ومؤسسات يحدد على ضوئها موقفه منها.

لقد ترفع هذا الجيل عن الصغائر ونبذ الحساسيات وسفاسف الأمور في التعامل مع ما يخص قضايا الوطن ووحدته وبنائه من جديد، ووضع حل للصراعات السياسية التي إعادته للوراء عقودا طويلة،والكشف عن القتلة والمجرمين ومن يقف وراءهم من اجل وقف جرائم الاغتيالات والإخفاء القسري ومصادرة جثامين الشهداء عن أسرهم وشعبهم،ولا اعتقد أن خروجهم من اجل الحمدي سيضر الإسلاميين في شئ كما تتوهم قناة الجزيرة أو سيثير غضب الإخوة في الإصلاح على إي وجود أو نجاح لشريكه في النضال التنظيم الناصري فرغم عدم تواجده في هذه الفعالية إلا انه تعامل معها بروح عالية وكان لوسائله الإعلامية دور بارز في إبراز الحدث والتعامل معه بمهنية كبيرة ،بعكس قناة الجزيرة التي يظهر مكتبها في صنعاء تشيعه للإسلاميين دون غيرهم ،وأريد انه اهمس في أذن الإخوة القائمين عليه: إن فبركت أخبار الفعاليات في محاولة لتغييب الرموز والقضايا والمواقف الوطنية وتزوير لتاريخ المعاصر مهما كان انتماء أبطاله،ليست كاللقاءات والحوارات التحليلية أو اختيار المذيعين والصحفيين تستطيع أن تحصرها أو تجعل الأولوية فيها على من ينتمي لهذا التوجه أو ذاك ،بل هو أمر يمس المشاعر والضمائر وسيضر بمكانة القناة وسيخل بمهنيتها ومصداقيتها ويحشرها في زاوية التخلف وتكريس الرجعية وإنكار الآخر وتعميق الهوة بين شركاء النضال الثوري.

ختاما إذا كانت هناك من تحية فهي لقناة اليمن التي عاد إليها الحمدي بعد غياب دام عنها 35عاما ؛ صوتاً مجلجلاً يثير الرعب في أوصال قاتليه والمتآمرين على مشروعه الحضاري ،كما هي تحية لقناة يمن شباب التي لازمت الحدث منذ بدايته بالتغطية المسبقة واللاحقة بمختلف الفنون الإعلامية محرزة قصب السبق في الكشف عن العديد من الإسرار الغامضة في هذه القضية التي تهم كل يمني في الداخل والخارج .ورسالة أوجهها للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري اعبر فيها عن أسفي البالغ أن يظل هكذا بلا آلية أو وسيلة إعلامية متميزة ذات وجود حقيقي تكسبه الكثير من التوسع والانتشار وتشكل أداة تواصل مع أنصاره ومحبيه داخل اليمن وخارجه خاصة في ظل الزخم الذي يحظى به نظراً لوسطيته ونضاله التاريخي وكونه أول من قاد الثورة الأولى ضد نظام علي صالح البائد بعد أشهر من توليه السلطة،وتعرض خلالها لضربة كبيرة أفقدته قيادات تاريخية وجعلته طوال 33 عاما عرضة للملاحقة والتشرد والسجن والاعتقال لكنه تخطاها باقتدار وخرج منها طاهرا دون أن يلوث يده بوضعها يوما من الأيام بيد نظام عائلي مستبد ومتخلف وذاك أمر يحسب له.

كما أن من حقه أن يطالب بجثامين شهدائه وقياداته المخفية قسراً منذ 33عاما وكافة المفقودين من شتى التوجهات وإعادة الاعتبار لهم ولأسرهم وسط دعم ومساندة كافة القوى الثورية والحزبية والجماهيرية.

Shadeen49@gmail.com


في الأربعاء 17 أكتوبر-تشرين الأول 2012 04:31:16 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=17726