إنقاذ جهاز الأمن القومي!
ناصر يحيى
ناصر يحيى

( 1 )

سنفترض جدلاً أن (جهاز الأمن القومي) اليمني بريء من الاتهامات والشكاوى التي وجهها عدد من المواطنين ضده بإساءة استخدام صلاحياته أو التدخل فيما لا يختص به! وسنفترض جدلا بأن هناك بلاطجة يستغلون اسم (جهاز الأمن القومي) ويدعون الانتساب إليه لممارسة تلك الأعمال غير القانونية مثل اختطاف المواطنين وابتزازهم!

سنفترض كل هذه الافتراضات وغيرها.. لكن نتيجة واحدة سوف نخلص إليها من كل تلك الحوادث وهي (أن جهاز الأمن القومي) قد يواجه فشلا في أن يحقق الهدف الموضوع في اسمه وهو تحقيق (الأمن) في المجتمع إذا استمرت الأمور على ما هي عليه الآن وصار اليمنيون يقرأون في كل أسبوع خبرا عن انتهاكات حقوق الإنسان والقوانين متصلة بالجهاز الذي لم تمر على إنشائه سوى بضع سنوات ومع ذلك فقد تحول إلى (شبح) غير محدد الملامح يسمح للبلاطجة أن يستخدموا اسمه للاعتداء على المواطنين وابتزازهم جهاراً نهاراً.. بل ويستخدمون في بعض الحالات سيارات الشرطة –التي تقف في نواحي الطرقات للمحافظة على أمن الوطن والشعب- في تنفيذ عمليات الاختطاف والابتزاز!!

ولا شك أنه ليس من مصلحة السلطة في أي بلد أن يصير من أسهل الأمور تشويه أو الإساءة لجهاز أمني بحجم جهاز الأمن القومي اليمني.. فالأمن قضية مشتركة بين الشعب والسلطة.. وعندما يفقد أحد الطرفين ثقته بالآخر فمعنى ذلك فشل مسبق واحتقان خطير سوف يؤدي إلى مزيد من المشاكل التي لا يعلم خطورتها إلا الله!

ولذلك كله.. فإن على المسؤولين في جهاز الأمن القومي أن يعملوا سريعا على توضيح الصورة الحقيقية لنشاطهم في إطار الدستور والقوانين.. والرد بوضوح بواسطة قيادة الجهاز علانية –وليس عبر مصدر مسؤول مجهول الاسم- على تلك الاتهامات الموجهة إليهم بانتهاك القوانين وما الذي صنعوه تجاه الأشخاص الذين انتحلوا صفة الانتماء للجهاز.. ولماذا صار سهلا عمل ذلك..وكيف يمكن الحد سريعا من هذه البلطجية باسم جهاز أمني بهذه الخطورة؟

كل هذه الأسئلة يجب أن تكون هماً عاجلاً تعمل قيادة الجهاز على مواجهته بأمانة وجدية والتزاما بالدستور والقوانين النافذة في البلاد.. فليس مقبولا في مجتمع يزعم أنه دولة نظام وقانون.. ويريد استقطاب مليارات الدولارات من الاستثمار الخارجي.. ثم يتحول جهاز أمني في أهمية جهاز الأمن القومي إلى هذه الصورة التي يسهل على أيٍ كان ادعاء الانتماء إليه والإساءة للأبرياء!

بل سنذهب إلى أبعد من ذلك.. إذ ليس من مصلحة السلطة المؤتمرية أن تحدث مثل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان والدستور والقوانين في قلب العاصمة وباسم الانتماء لجهاز اختصاصه الأمن القومي، وهي تخوض حربا دامية في صعدة منذ ثلاث سنوات ضد جهة تتهمها الدولة بأنها خارجة عن الدستور والقوانين وتتحدى الشرعية الدستورية وتعمل على الانتكاسة بالأوضاع في البلاد إلى عهد الإمامة والانفصال.. الخ الاتهامات الموجهة لحركة التمرد الحوثية في جبال صعدة! فما الفرق بين أن ينتهك الدستور والقوانين والشرعية الدستورية في العاصمة أو في جبال رازح وضحيان؟

( 2 )

ليس من مصلحة أحد أن تكون مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية محط امتعاض وكراهية المواطنين.. ففي الأخير تظل هذه المؤسسات رموزا للدولة التي ينتمي إليها الجميع.. وإذا كانت هذه المؤسسات تدار اليوم من قبل حزب ما فإنها في الغد ستكون تحت إدارة حزب ثان ثم ثالث.. الخ أو هذا ما تقتضيه طبيعة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.

وكما تدعو السلطة المؤتمرية –وتردد دائما- إلى احترام المؤسسات العسكرية والأمنية وتقدير منتسبيها وتعد أي انتقاد لهم إساءة للوطن.. فإن عليها –أيضاً- أن تضمن ألا تكون هذه المؤسسات مصدرا للإساءة للمواطنين سواء أكان ذلك بممارسات مباشرة من قبل بعض المنتسبين إليها أو عبر انتحال صفتها والإدعاء بالانتماء إليها زوراً وبهتانا كما يقال! وليس عيبا أن تقر الحكومة بحدوث أخطاء وممارسات غير دستورية من قبل المنتسبين لهذه المؤسسات.. فلا حصانة لأحد.. ولو استمرت عملية إضفاء شبه القداسة عليها فسوف يكون الأمر كارثة لأنه سوف يسمح للانتهازيين والوصوليين من الاندساس واستغلال إمكانيات هذه الأجهزة وصلاحياتها لأغراض شخصية وأهداف إجرامية كما حدث بالفعل! وإذا لم تتم مواجهة هذه الأخطاء بحزم وقوة وعلانية ويعرف الشعب أن هناك دولة تحميه من المندسين في أخطر الأجهزة فإنه قد يأتي يوم يفقد الشعب ثقته بكل مؤسسات الدولة تماما ويرفض التعامل مع أي منها أو الاستجابة لأي طلب.. ويومها قد يلجأ اليمنيون للدفاع عن أنفسهم في مواجهة هذه المؤسسات ويرفضون الاعتراف بشرعية مطالبها ولو كانت في النطاق المعهود طالما أنه صار من أسهل الممارسات أن يختطف المواطنون من الشوارع باسم هذه الأجهزة!

اختطاف المواطنين من الشوراع وابتزازهم باسم المؤسسات الأمنية ليس أمراً هيناً.. ولن يستطيع الناس أن يضبطوا أنفسهم ومشاعرهم طويلا وهم يسمعون أن أبناءهم أو نساءهم أو آباءهم يخطفون من الشوارع رغم أنف الدستور والقوانين.. ولكل فعل رد فعل لن يكون في مصلحة أحد!

 ( 3 )

قلنا إن العلاقة المتوترة والمتوجسة وفقدان الثقة بين المواطنين وبين مؤسسات الدولة ليس في مصلحة أحد.. ولأن جهاز الأمن القومي قد وضعت له مهام خطيرة وحساسة فالواجب الآن على قيادة الجهاز أن تعمل بسرعة على إصلاح هذه العلاقة وجعلها في المستوى المفترض منها.. ولن يكون انتقاصا من هيبة الجهاز لو التقي كبار المسؤولين فيه مع قيادات الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني كل على حدة للتحاور والحديث حول الإشكاليات التي حدثت وتبادل وجهات النظر وسماع الشكاوى والرد عليها وتوضيح الملابسات وصولا إلى مستوى من العلاقة يستفيد منه الوطن والشعب!

ليس المقصود من هذا المقترح جهاز الأمن القومي فقط.. بل كل جهاز ومؤسسة حكومية يقتضي أسلوب عملها أن تكون هناك علاقة ما، مباشرة أو غير مباشرة، مع المجتمع ومؤسساته الشعبية.. لكن من باب أولى أن يكون المقترح موجها للأجهزة الأمنية نظرا لحساسية موضوع حقوق الإنسان والحريات العامة.

* عن ناس برس


في السبت 19 مايو 2007 11:38:55 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=1783