الحوار على قاعدة ميزان القوة القديم
مصطفى راجح
مصطفى راجح
 

كل المؤشرات تقول أن مؤتمر الحوار الوطني المعني برسم مستقبل اليمن ودستورها وشكل دولتها ونظامها السياسي سوف يتشكل وفق ميزان القوة القديم وفاعليات ما قبل الثورة السلمية ، ميزان القوة الذي يشكل صالح ونظامه حجر الزاوية في محدداته .

فبدون تغيير قيادة المؤتمر الشعبي العام سيدخل صالح وفريق عمله كطرف أساسي لصنع مستقبل اليمن عبر يافطة المؤتمر الشريك في المبادرة والحوار الوطني .

 واذا برأس النظام الذي يفترض أن يكون سابقاً ، والذي حكم اليمن ثلاثة عقود وقدم كل ماعنده خلالها على شكل حروب وأزمات ونهب وفساد ، وهو من ثار الشعب لنزع السلطة من يده ، اذا به يعود ليشارك في كتابة دستور اليمن ورسم معالم نظامها " الجديد !!"

بقية مكونات الحوار الوطني لا تخرج عن ميزان القوة القديم ؛ اللقاء المشترك كان موجوداً ويخوض حوار ماراثوني طويل مع المؤتمر وصاحبه مذ كان في السلطة وصولاً الى عودته اليها من باب الحصانة والشراكة في المبادرة الخليجية ، ولا يبدو أن دوره قد تجاوز الحجم القديم والثنائية الصورية المملة للمشترك وشركاؤه والمؤتمر وحلفاؤه !

 والحراك الجنوبي وإمام صعده الحوثي كانا موجودان في ميزان قوة ما قبل الثورة ، والجديد أن الثورة الشعبية السلمية وفرت لهما ميزة الاعتراف بحضورهما على أرض الواقع وفتحت الأفق للحراك كشريك في الحوار الوطني حول القضية الجنوبية والدستور الحديد ، وأمام الحوثي ليحاول التعبير عن رؤى التيار المذهبي الزيدي سلمياً ، ويبدو انه ذاهب بإهدار الفرصة باختياره المضي قدماً في خيار العنف والتحالف مع المخلوع وبقاياه على قاعدة العنف والعرقلة والتشبث بهيمنة الطائفة على الدولة والحكم .

كل هذا التداخل بين القديم والجديد ، بين ميزان قوة النظام القديم ، وميزان القوة الذي خلقته الثورة ناتج عن تداخل مهمتي الثورة : الهدم ، والبناء.

فالثورة اليمنية دخلت مرحلة البناء ؛ الحوار والدستور الحديد وشكل الدولة والنظام السياسي الجديد ؛ دون ان تستكمل المهمة الاولى المتمثلة بهدم النظام القديم ونزع السلاح وأدوات القوة والمال من يد المخلوع وابنائه وأعوانه .

والنتيجة أن المتحاورون سيذهبون للحوار حول شكل الدولة هل هي اندماجية مركزية أم اتحادية فيدرالية دون ان يكون لديهم دولة أصلاً تمسك بكل مؤسسات الدولة وجيشها وأمنها ومواردها ومقدراتها .

ومن شأن النقاش حول طبيعة النظام السياسي وشكل الدولة تحت ظغط الواقع أن يدفع بجميع الأطراف الى مواقف انفعالية ومتطرفة . وكان الأجدى ان تهيئ الظروف للحوار بتنفيذ خارطة طريق تتمثل باستعادة مؤسسات الدولة اولاً وتوحيد الجيش وتفعيل دور الدولة في خدمات الأمن والمعيشة ، وتنفيذ خارطة طريق خاصة بالجنوب تتعلق بإعادة المبعدين من اعمالهم وتحديداً القيادات العسكرية والامنية ، والبدء في معالجة ملف الاراضي بجدية . مثل هكذا اجراءات تمهيدية ستمكن الأطراف المعنية من بلورة تصوراتها بمنأى عن ظغط الواقع اليومي واختلالاته . 

سقط الرئيس المخلوع من السلطة ، وبقي أن يسقط السلاح من يده سواءاً المتعلق بنفوذه في الجيش عبر وريثه أو السلاح والاموال التي صودرت من مخازن الدولة وخزينتها العامة .

ومن أجل ان تبقى صنعاء عاصمة اليمن فلا أقل من توحيد الجيش داخلها تحت إمرة السلطة الانتقالية . ودون ذلك ستبقى الهيمنة قائمة والنظام القديم ممسكاً بزمام المبادرة وكامناً يترقب مرور الزمن ليعاود ظهوره مجدداً كخيار قائم على انقاض اليمن واليمنيين والثورة والمرحلة الانتقالية .

وحتى لا يكون مطلب اخراج المعسكرات من العاصمة والمدن نوع من المقايضة مقابل بقاء الحال في الجيش على ما هو عليه ، واستمرار هيمنة مراكز القوى القديمة ، ينبغي ان تتركز المطالب على توحيد الجيش في العاصمة واعادة هيكلته ، وفي اطار اعادة الهيكلة سيتم اعادة تموضع المعسكرات حول العاصمة بعيداً عن التجمعات السكانية ، ووفق دراسات دقيقة تتحدد على أساسها نوعية المهام ، ونوعية المخاطر التي تهدد اليمن وامنها واستقرارها .

المتغير الأهم الذي يعكس ميزان القوة الجديد الذي صنعته الثورة السلمية هو الرئيس عبد ربه منصور هادي ودوره ومكانته الجديدة كرئيس لليمن ومفوض شعبياً بما يقرب من سبعة ملايين يمني ، ومؤيد من أغلبية الشعب اصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير والدولة المدنية ؛ دولة القانون النابعة من الارادة الشعبية ، هؤلاء يتطلعون نحوه لاستكمال التغيير باعتباره هدف الثورة وقاعدة المبادرة الخليجية وآليتها ، ذلك أن أي التفاف على مطلب الشعب وثورته السلمية سوف يفتح الباب للحرب الاهلية الشاملة ، حرب الجميع ضد الجميع .

في المحصلة يبدو أن الزمن يمضي فيما عجلة القرارات الرئاسية واستحقاقات التغيير بطيئة ان لم نقل متوقفة . واذا طوى العام 2012 أيامه ، والجيش اليمني في العاصمة ما يزال منقسماً ، وبقايا العائلة قادة على وحداته وألويته ؛ فسيجد اليمنييون والسلطة الانتقالية انفسهم امام الخطر الذي تصوروا انهم تجنبوه بالقبول بالمبادرة الخليجية وآليتها ؛ خطر الحرب الاهلية الحقيقية التي يتم التهيئة لها بالفرز المذهبي العنصري وتوزيع الاسلحة وتغييب دور الدولة وتعطيل فاعليتها ومؤسساتها الدفاعية والأمنية 

  


في السبت 03 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 11:10:30 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=17861