أن تكتب عن وطن ليس لك ..!!! ؟
جلال غانم
جلال غانم

لست أدري ما الذي قادني إلى التمترس في مُربع الحبر والألم بكتابة ذاكرة مُتعبة مُوزعة بين مُدن الشتات والمنافي  , عندما تشعر فجأة بقلبك يتنقل من صفحة إلى أخرى , من جُرح إلى أخر , تصرخ بصمت , تتمسك بيافطات الأمل وتلابيب الذات , تُعاود فُرص البوح من جديد , تؤسس لغة بحجم التصالح مع من حولك , فُرص الانتعاش تتضاءل , بورصات ثورية منخفضة في طور الوجدان .

وأن تحصي كُل خيباتك المُستهدفة , حُروفك التي تتمايل مع رياح التغيير عليك أن تنتظر بغفوة , أت تتأمل مصدر الجُرح والألم , أن تمسك بخاصرتك خوفا من الانهيار .

ليس كلحظة تمني , رائحة وطن وقانون يمنحك دفيء التعايش !!!

ليس كبحث عن وظيفة تقيك من جُوع مُدن مُحملة بالعُهر اليومي !!!

ليس كقانون تصالح تمنحه لذاتك كي تثبت أمام مُجتمعك بأنك قادر على العطاء !!!

فقط درجة الانكسار عندما تتحول إلى هوية وتؤثث ذاكرتك الداخلية بلحظات فراغ دائمة تدرك حينها أن الوطن الحقيقي ليس لك !!!

أنت لست لك !!!

وطن ليس لك !!!

مجموعة أوغاد يتحكمون بمصادر التنفس , بدقات القلب , بلُقمة العيش المُحاصرة داخل مُربعات وُمعسكرات تنأي بأي شكل من أشكال الحياة الحقيقية .

لا تتعب نفسك أكثر وأنت تمنح ذاك حُرية مصطنعة , وهمية طالما وحالات الامتصاص ومصدر القوة ورائحة البارود هي صوت الوطن الأول .

كُل شيء يتضح لك وأنت في لحظة ثوران داخلي , بؤس دائم , حالة مُتعبة .

أن تكتشف ذاتك معنى ذلك أن تمتلك القُدرة الكاملة على تحمل كُل تبعات هذه الاكتشافات !!!

مُمكنة هي الحياة في بقاع الدنيا كُلها , غير مُمكنة في وطن ليس لك !!!

ليس لك ليس لك !!!

فقط المُمكن درجات التفاؤل التي يمنحها أصدقائك من حولك ربما حتى لا تصاب بوعكة ألم دائمة !!!

ولا تندهش لكُل هذا الفراغ المهُول , كُل التغييرات من حولك , كُل التساقطات أمامك !!!

عليك أن تصمت وأن تكتب وطنك بحجم مساحة القلم الذي تملكه , بحجم المنام الذي تسكنه , بحجم الحُلم الذي تسقطه على ورق سريع قابل للانطواء , للانكسار , للهزيمة , للموت الأخير .

قلمك هو وطنك , بوحك هو مصدر حُريتك , ظُروفك هي لُقمة عيشك النهائية !!!

أن تنزف , أن تكتب , أن تحترق , أن تموت !!!

كُل ذلك ليس مُهم بقدر حالة التصالح التي تمنحها لذاتك بانتظار انتصارك الأخير !!!

عليك أن تتذكر في كُل صرخة كلمات الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش في (عائد إلى يافا) :

و نحن بعيدون عنه،

نهيب به أن يسير إلى حتفه..

نحن نكتب عنه بلاغاً فصيحاً

و شعراً حديثاً

و نمضي.. لنطرح أحزاننا في مقاهي الرصيف

و نحتجُّ: ليس لنا في المدينة دار.

و نحن بعيدون عنه،

نعانق قاتله في الجنازة،

نسرق من جرحه القطن حتى نلمِّعَ

أوسمة الصبر و الانتظار

Jalal_helali@hotmail.com


في الجمعة 23 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 12:09:08 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=18131