المؤتمر يثبت أن الحل في الحوار
د. محمد حسين النظاري
د. محمد حسين النظاري

كل من يرى اللقاءات التشاورية التي يجريها قادة المؤتمر الشعبي العام في محافظات حضرموت والحديدة وتعز وذمار وغيرها من المحافظات الأخرى، تمهيداً للشروع في مؤتمر الحوار الوطني، الذي دعا إليه المؤتمر على الدوام.. لقد مثّل العام الفائت فرصة حقيقية لاختبار مدى صمود المؤتمر كحزب سياسي بعيداً عن وهج السلطة المطلقة، وأقرب للمعارضة، فقد كادت الأزمة التي عصفت بالبلاد منذ فبراير 2011 أن تُلحق المؤتمر بنظرائه في الدول التي اجتاحتها فوضى الربيع العربي، وكان بإمكان ذلك أن يتحقق حين فضّل الذي جاءوا للمؤتمر من الأحزاب الأخرى إبان قوته المطلقة، أن ينسحبوا أو يغادروا أو ينقلبوا، المهم أنهم أدركوا –من وجهة نظرهم- بأن الزمن ليس زمن المؤتمر وبأنه حتماً سَيَحل كما حل الحزب الوطني في مصر والدستوري في تونس، ففضلوا الرجوع إلى أحزابهم الأصلية سالمين غير متضررين.

كانت تلك لحظة مهمة في عمر المؤتمر فقد ظن الجميع أن سفينة المؤتمريين قد غرقت بعد أن تقافز منها من ركبوها رغبة في المناصب والتقرب من الرئيس السابق علي عبد الله صالح –رئيس المؤتمر الشعبي العام- وليس حباً في الحزب نفسه، ولكن المؤتمر أثبت أنه ما زال يحظى بشعبية معتبرة كونه يحوي بين جنباته العديد من القيادات التي يعول عليها الكثير من أجل إكمال مسيرته كحزب، وهذا ما تؤكده الكثافة الملحوظة في اللقاءات التشاورية، والتي تنم أن للحزب قواعد عريضة، هي من تعطيه شرعية البقاء.

إن المتتبع لسير عملية التسوية السياسية التي يقودها رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي نائب رئيس المؤتمر والأمين العام، يدرك جيداً أن المؤتمر استطاع أن يُلغي فكرة الحل الذي طال الأحزاب الحاكمة في الدول الأخرى، وهي معادلة أثبت الشارع اليمني فشلها، فالمؤتمر ليس حزباً عادياً فهو يمسك بخيوط كثيرة أولها أن رئيس الدولة هو النائب الأول والأمين العام للحزب، وأن رئيس مجلس النواب والشورى وأغلبية أعضاءهما ينتميان إليه، ونصف الحكومة، وغالبية أعضاء المجالس المحلية ، كل ذلك سيبقيه على الأقل للسنوات القادمة رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه في السياسة اليمنية.

الذين ينادون بين الحين والآخر بإلغاء المؤتمر، او إقصائه من الحياة السياسية، او تقليل نسبة تمثيله في مؤتمر الحوار، في حقيقة الحال هم لا يقرؤون الوضع السياسي في البلاد جيداً، وإلا لما خرجوا بهذا الطرح، فالمؤتمر الشعبي هو شريك في حكومة الوفاق وهو من صاغ المبادرة الخليجية وآلياتها المزمنة، ولهذا فإن المجتمع الدولي لن يسمح إطلاقاً بأن يجنب -خاصة في هذه المرحلة- لأن العالم لا يريد من جهة بعينها الاستفراد بالحكم مستقبلاً كما أن فكر المؤتمر أكثر اعتدالاً من غيره، وإلا لما كان يحوي كل الذين تركوه في الأزمة من جميع المكونات السياسية.

لعبت الأحزاب السياسية المناوئة للمؤتمر دوراً في بقاءه متماسكاً حيث أنها لم تستطع أن تلبي مطالب الشباب حين ركبوا موجة مطالبتهم بالتغيير، كما أن حكومة الوفاق الوطني والتي نصفها من الأحزاب الأخرى لم تستطع حتى اللحظة العودة بالحياة إلى الوقت الذي كان المؤتمر يمسك بالحكومة كلها قبل الأزمة، ولعل هذا ما جعل الناس يشعرون أن الحال سابقاً كان أفضل مع أن ذلك ليس مقياساً علمياً ولكنه يسيّر أحاسيس الناس.

أخيراً والمؤتمر يشهد تحقيق أهم ما دعا إليه طيلة السنوات الماضية، فالحوار ظل ديدن قيادته، وحرص رئيس المؤتمر تسليم السلطة عبر انتخابات رئاسية مبكرة لكي يجنب البلاد، أتون حرب طاحنة، وإذا لم تكن الحرب، فهي الفوضى التي لن تنتهي كما هو حاصل اليوم في مصر.. لهذا فقد جاءت المبادرة الخليجية والياتها المزمنة التي صاغها رئيس المؤتمر الأخ علي عبد الله صالح، مخرجاً وحلاً للازمة السياسية التي أراد منها البعض السيطرة على السلطة، وتجيير المطالب المشروعة للشباب في التغيير لصالح أجنداتهم الخاصة بهم.

نتمنى أن يُحسن المؤتمر اختيار ممثليه في مؤتمر الحوار، من الذين يمثلون وسطيته واعتداله ووحدويته، فهذه العناصر الثلاثة ينبغي أن تكون الركيزة التي يمثل فيها كل مؤتمر حزبه في مؤتمر الحوار.. فحزب ساهم رئيسه في تحقيق الوحدة المباركة، لن يتنازل اطلاقاً عن الوحدة كخيار استراتيجي لا غنى للشعب اليمني عنه، والمؤتمر الشعبي العام يثبت اليوم للجميع أن الحل يتمثل في الحوار فقط، فنتمنى لكل أطياف العمل السياسي التوفيق لما فيه مصلحة اليمن.


في الخميس 29 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 12:12:42 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=18222