السفير الأمريكي ....تمخض الجبل فولد فأرا
د. عيدروس نصر ناصر
د. عيدروس نصر ناصر
هناك طرفة ساخرة تقول أن أحد الحمقى أراد أن يدرس سلوك الحشرات فأمسك بذبابة وأدخلها داخل قارورة، وراح يقول لها : طيري، وكانت غالبا ما تطير بعد أو قبل كل مره يطلب منها الطيران، ثم أخرج الذبابة وقطع أجنحتها وأعادها إلى القارورة، وراح يطلب منها الطيران مرة أخرى، لكنها بالطبع لم تطر، فراح يدون في مذكرته: إن الذبابة إذا ما فقدت جناحيها لا تسمع".

هذه الطرفة تذكرنا بسلوك السفير الأمريكي في صنعا جيرالد فيرستاين الذي ما أن تبرز مشكلة جديدة في طريق عملية الانتقال في حتى يتحفنا بالكثير من الحماقات التي لا تمت بصلة للدبلوماسية ولا حتى لمهمته كممثل لواحدة من الدول الراعية للتسوية السياسية في اليمن ناهيك عن كونه ممثلا لدولة يفترض أنها أكثر الدول تبجحا بالحديث عن حقوق الإنسان والحريات العامة.

يحاول السفير فايرستاين التظاهر بأنه ليس فقط الحاكم الفعلي لليمن، الذي يتحكم بإصدار القرارات وتحديد من يجوز معاقبته ومن لا يجوز، ومن يجب أن يخرج من اليمن ومن لا يحق إخراجه، ومن يغادر موقعه ومن لا يغادر، بل وإنه الجهاز الاستخباري الذي يعرف كل ما يتعلق باليمن وما يتفاعل داخل اليمن وخارجه من كل ما يتعلق باليمن ومشكلاتها.

منذ أيام قال سعادة السفير أنه لا يحق لأحد إخراج علي عبد الله صالح من اليمن، وقبل هذا بأكثر من سنة كان قد حرض على مسيرة الحياة القادمة من تعز سيرا على الأقدام قائلا بأنها ليست سلمية وأن بين صفوفها مسلحين وهو ما شجع مجرمي الحرس الجمهوري والأمن المركزي على الاعتداء على نشطاء وناشطات المسيرة المنهكين أصلا من تعب السير على الأقدام وهو ما أدى استشهاد أكثر من عشرة منهم مع عدد من الجرحى، وهذه المرة يطل علينا بتصريح مفاده أن الحراك الجنوبي يتلقى دعما من إيران، وخص بالذكر الأخ علي سالم البيض نائب رئيس الجمهورية اليمنية السابق، ومن كان يطلق عليه عبد الله صالح محقق وحدة اليمن إذ قال السفير: "علي سالم البيض الذي يعيش حاليا في بيروت يتسلم دعما ماليا كبيرا من الحكومة الإيرانية. وليس هناك شك بأنه نتيجة لهذا الدعم يقوم بدعم الحراك الانفصالي في الجنوب، ومسؤول عما يقوم به من جهود يبذلها بهدف إفشال المرحلة الانتقالية في البلاد والمبادرة الخليجية"

لست أنا من يعلم سعادة السفير أخلاقيات ومبادئ الدبلوماسية أو على الأقل بروتوكلاتها وإيتيكيت التعامل مع الآخرين لكن يبدو أن عمله في الوسط اليمني وتعوده على دس الأنف في كل صغيرة وكبيرة قد جعله يتناسى هذه الأبجديات، فافتقد حتى لتلطيف العبارات وعقلنة استخدام الألفاظ والمسميات.

أول ما ينبغي على السيد السفير أن يعلمه أن الحراك السلمي الجنوبي قد أكمل خمس سنوات منذ انطلاقه لم يستخدم في كل فعالياته إلا الشعارات والهتافات والقصائد المتلوة في مهرجانات ومسيرات وندوات وفعاليات سلمية، لم تعرف صوت الرصاص إلا على أيدي قوات الأمن الرسمي وقد قدم الحراك السلمي الجنوبي أكثر من ألفي شهيد وأكثر من ضعفهم من الجرحى والمعوقين سقطوا برصاص بعضه أمريكي من الأسلحة التي تقدمها أمريكا للأمن المركزي والحرس الجمهوري والأمن القومي، . . .لم نسمع من السفير فيرستاين ولا من أسلافه حتى نصيحة بالإشفاق بدماء وأرواح الجنوبيين وهو هنا ممثل الدولة التي تدعي بأنها حامية حمى الحريات وحقوق الإنسان، . . .أنا هنا لا أتحدث عن ضحايا حادثة المعجلة ورفض والجوف والبيضاء ومأرب وغيرهم ممن سقطوا بقصف الطائرة الأمريكية بدون طيار الذين كانوا ما إن يسقطوا حتى تسارع أميريكا بتعلية الدعم لعلي عبد الله صالح ليسكت عن هذه الجرائم ويوعز لكتلته في البرلمان بالسكوت عنها أو الضجيج دونما اتخاذ موقف فاعل يحول دون تكرارها.

وثاني ما ينبغي على سعادة السفير أن يفهمه أن القضية الجنوبية التي أقر بمشروعيتها جميع اليمنيين من أنصارها ومن خصومها قد نشأت وتبلورت ونضجت قبل اختراع الفزاعة الإيرانية التي إن وجدت فلا ذنب للجنوبيين فيها لأن الجنوبيين لهم حق أقر به الجميع بتدخل أو بدون تدخل إيران، لكن السؤال الذي ينبغي توجيهه لسفير راعية الديمقراطية هو: ماذا فعلت دولتك لردع القتلة والمجرمين وناهبي الأراضي والعابثين بالثروة ولصوص المنشآت والمرافق الجكومية والتعاونيات الزراعية والسمكية والاستهلاكية ووكلاء الشركات النفطية ممن تتمتعون شخصيا بعلاقة ودية معهم؟ لماذا لا تنصحونهم بإعادة ما نهبوه من حقوق الجنوبيين؟ ثم ماذا فعلت لإنصاف أكثر من 150000 مواطن من أبناء الجنوب من المبعدين عن العمل من العسكريين والأمنيين والمدنيين؟ يمكنك أن تحول دون التدخل الإيراني بالضغط على أصدقائك لإعادة الحقوق إلى أصحابها، وعندها لن تكون بحاجة إلى البحث عن شماعة تقف وراء ما أسميته بـ"الحراك الانفصالي" وهو التعبير الذي لا يقوله أي مبتدئ في العمل الدبلوماسي فما بالنا بسفير أعظم دولة في العالم يدعي أنه يمارس نشاطا دبلوماسيا محترما تنظمه قوانين وأعراف دولية صارمة وواضحة المعالم وله لغة محترمة وحصيفة يفترض أنها تخلو من الشتائم والتهكمات والاتهامات.

الإيحاء بأن إيران هي من يحرك "الحراك الانفصالي" لا يختلف عن استنتاج ذلك الأحمق بأن الذبابة لا تسمع بسبب فقدانها جناحيها، فهو يربط النتيجة بسبب ليس سببها، وليعلم السيد السفير أن إيران ليست هي من أخرج أكثر من مليوني مواطن من الجنوب ليلة 30 نوفمبر 2012 و13 يناير 2013م لتأكيد وجودهم السياسي والوطني والوجودي، بل ما أخرجهم هو الظلم المتواصل منذ ما يقارب عقدين من الزمن وبعد أن يأسوا من إمكانية توقف الناهبين عن النهب والسالبين عن السلب والقتلة عن القتل والعابثين عن العبث، وبعد أن أكد شركاء المشروع الوحدوي أن كل ما يعنيهم في الجنوب ليس الوحدة التي ما انفكوا يتغنون بها بل ما يعنيهم هو فقط تلك الغنائم التي حصلوا عليها بواسطة حرب 1994م وإن تمسكهم بما يسمونه الوحدة هو تمسك بتلك الغنائم ولو خسروها فالوحدة بالنسبة لهم لا شيء وهم مستعدون للتخلي عنها، وما يؤكد هذا هو عدم تحلي أي منهم بالشجاعة وإعلان استعداده لإعادة ما نهبه للمنهوبين، أو حتى بدون إعلان ـ الذهاب إلى ضحايا النهب وتسليمهم ممتلكاتهم بصمت إذا كانوا يشعرون بالحرج من تهمة اللصوصية والسلب.

من الواضح أن هناك من لا يرغب بحلحة أسباب الانفجار في اليمن بل هناك من هو حريص على إبقاء اليمن تحت الوصاية من خلال إضعاف عملية الانتقال السلمي ولبعض الدول التي تدعي رعاية المبادرة الخليجية مصلحة في بقاء يد اليمنيين ممدودة لطلب العون منهم لأن ذلك سيطيل وصايتهم على اليمن، وهو ما يفسر إصرارهم على التصريح هنا أو هناك بما يفيد ببقاء الوضع معلقا وبلا حلول لأطول أمد ممكن من الزمن.

برقيات:

 *تكريس حلقة مجلس المدينة الذي يذاع عبر الفضائية اليمنية للقضية الجنوبية يمثل حالة من الانتقال باتجاه الغوص في جوهر القضية، لكن الأمر يحتاج إلى آذان سياسية تستمع إلى ما قيل والكف عن التعامل معه على إنه معلومات استخباراتية ينبغي ملاحقة قائليه، والبحث عن الحلول بعد أن عرفت الأسباب.

* الاعتداء الذي تعرض له الناشطان الاشتراكيان محمد عبدالوهاب الخرساني وباسم الحاج من خلال إطلاق نار في نقطة تفتيش عسكرية في أمانة العاصمة ظهر الاثنين، ونقلهما على اثرها إلى المستشفى حدث بين لا يقبل الالتباس والجاني فيه واضح ومعلوم فهل سيقول السيد وزير الداخلية بأن النقطة غير معروفة الهوية؟ أم هل بدأت عملية تصفية الاشتراكيين التي طالب بها أحد قادة أنصار الشريعة وهو من يتمتع بعلاقات قوية مع العديد من مراكز القوى في العاصمة وأصحاب النفوذ الأمني والعسكري ويحظى برعايتهم؟

*قال الشاعر الأموي حبيب بن أوس الطائي ـ أبو تمام:

يومي من الدَّهرِ مثلُ الدَّهرِ مُشتهرٌ ....عَزْماً وحَزْماً وَسَاعي منه كالحــــِقبِ

فأَصْغِري أَنَّ شَيــــْباً لاَحَ بِي حدَثاً ........وأَكْبِرِي أَنَّني في المَـــهْدِ لم أَشِبِ

ولايُؤَرقْكِ أيــــــــــماضُ القَتيرِ بِهِ ...........فإنَّ ذاكَ ابتـــــسامُ الرّأي والأدبِ

رأتْ تشــــــــــــنُّنهُ فاهتاجَ هائجها ............وقال لاعِجُهَا لِلعَبْرة: انْســــــكِبي

لا يطردُ الهمَّ إلاَّ الـــــــهمُّ من رجلٍ ............مُقَلـــْقِلٍ لِبـــــــــــَنَاتِ القَفْرَةِ النُّعُبِ

  
في الثلاثاء 15 يناير-كانون الثاني 2013 12:07:04 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=18823