إنتاج الفساد بطريقة حكومية
عارف علي العمري
عارف علي العمري

مأرب برس - خاص

حينما يتخلى الإنسان عن قيمة الأخلاقية التي يولد عليها بفطرة الله التي فطر الناس عليها, ويتحلل من مبادئ دينه الحنيف, ويفقد وازعه الديني, يصبح وحش مفترس, حاله حال الكلاب الضارية, والوحوش الجائعة التي لا تبحث إلا عن ما تسد به رمقها من فتات الأكل وبقايا العيش, تنحصر همته الدنية في المأكل والمشرب, والتمتع الآني دون النظر في العواقب, أو وقفة محاسبة مع الضمير, ومراجعة مع الذات, فهو يبحث عن وسائل تشبع رغباته الحيوانية بشتى الطرق ولا يهمه أن كانت شرعية أو غير شرعية, المهم أن يشبع رغبته الذاتية ونزواته الجنسية لا غير, ففي المجتمعات السائبة التي يغيب فيها الأمن تلجئ الوحوش البشرية إلى قتل النفوس البريئة لتحصل على متطلبات العيش والحياة, وفي سلم المجتمعات التي يبدو فيها الأمن شبه حاضر, قد يلجئ الإنسان الشرير إلى احتراف مهنة السرقة, وفي المجتمعات التي تدعي الأمن لا يفكر فيها الإنسان في القتل ولا في السرقة لان أعين المجتمع مسلطة عليه, فيلجئ إلى حيلة اقل جرماً, واخف ضرراً, وهي حيلة الرشوة إن كان موظف في جهاز إداري أو حكومي .

إن تفشي ظاهرة الرشوة والاختلاس في كثير من مرافق الدولة وخصوصاً في اليمن, لها أسبابها التي تبرر وجودها على السطح, وبروزها إلى الواقع المعاش, التي لا يكاد يخلو منها جهاز إداري في أجهزة الدولة, والتي أصبح الجميع يدرك أن أي معاملة له لا تمر إلا بعد أن يقدم وريقات الرشوة قبل ملف المعاملة, وهذا واقع لا ينكره أحدا, ولا يختلف عليه اثنان, ولعل من أهم أسباب الاختلاس والرشوة هو ضعف الوازع الديني, الذي تغيب عن مؤسسات الدولة, ولم تعر له الحكومة أي اهتمام, وأصبح الدين لا يعرف إلا في المسجد, في ظل علمانية القرن الواحد والعشرين, وبالتالي فان الأفراد لا يعرفون خطر السم الزعاف الذي ابتلع كل مؤسسات الدولة عند أن يقول عنه الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم ( لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما ) هذا هو السبب الأول .

 أما السبب الثاني فهو أن الراتب الحكومي ضئيل مقابل ارتفاع الأسعار, قليل إذا قورن بمتطلبات الواقع, زهيداً أمام ما يتم صرفه لقطط بعض المسئولين, وكلابهم البوليسية, وبالتالي فان الفرد يجد نفسه في حالة الاضطرار لان يبحث عن ما يسد رمق أسرته البائسة التي ابتلي بها, فمبلغ لا يتجاوز ثلاثون آلف ريال يمني في أحسن الأحوال, يتم صرف نصفه لإيجار الشقة التي يسكن فيها مع أسرته, والنصف الأخر يستهلكه في تسديد فواتير الكهرباء والمياه , ويبقى الأهم في حلقة المتطلبات اليومية, هو الحصول على لقمة العيش, وتمثل له الرشوة في هذا الحال الطريق الوحيد الذي يسلكه للحصول على مبلغ يستر به أسرته من التسول, فيصبح غياب الوازع الديني, وقلة الراتب الذي تصرفه الحكومة لإفرادها هما سببان جوهريان في عملية القرصنة ومص أموال الضعفاء الذين تأخذ تكاليف المعاملات عليهم كل ما يملكون, وقد تصبح الرشوة ذنب من ذنوب الحكومة الصغار, وجرماً من جرائمها المتعددة, وبالتالي يصير الفساد إنتاج حكومي من الدرجة الأولى.

وفي إطلالة سريعة نكون قد شخصنا الداء, لنبحث عن الدواء, وفي الغالب ما يكون طعم الدواء مر, لكن لابد أن نقول ما نؤمن به,عل كلماتنا أن تجد أدان صاغية, تحب العدل وترضى به, وتتعطش لمبادئه الغالية, وقيمه الرائعة, فتبادر إلى تناول الدواء, لتشفى به مؤسساتنا الحكومية بعد مرض عضال, طالما عانت منه, ولم تجد الناصح الطيب, أو الطبيب البارع الذي يشخص الداء ويصف الدواء .

إن هذا المرض ( مرض الرشوة والاختلاس ) لا يتطلب سوى جرعتين فقط من الجرع التي يذهب معها الداء ويعاد معها إلى جسم اليمن الحبيب صحته وعافيته, الأولى تتمثل في أن تعيد الحكومة سياستها في المناهج الدينية, التي أقصتها في الجامعات, ما عدا مادة صغيرة في نصف ترم هي مادة الثقافة الإسلامية, فيتخرج الطالب الجامعي إلى المرافق الحكومية جاهل بدينه, عدوا لامته, غير مبالي بمصالح وطنه, لا يهمه إلا مصلحته الشخصية, وينتهي عنده الآخرون عندما يبدءا الأنا, وبالتالي يشكل غياب الجانب الديني عنده فجوة كبيرة من اللصوصية والقرصنة والزندقة, إن على الحكومة أن تعيد صياغة المناهج التربوية بدء من المحاضن الدراسية, مروراً بالمراحل الإعدادية والثانوية والجامعية وما بعدها.

إن إقامة دورات متتالية ومحاضرات أسبوعية ثابتة لكل مرفق إداري, يعتبر دواء ناجح للقضاء على سرطان الرشوة المتفشي في الدولة, وللحكومة أن تستفيد من التجربة السعودية في هذا المجال, ولا ينقصنا الوعاظ والتربويين الذين يغطون هذا الجانب, بل ينقصنا نية الحكومة في ذلك, وان ما ستصرفه الحكومة لهم يكون ضئيل مقارنه بما ستجلبه من توفير المال الذي يختلسه أصحاب الضمائر الميتة, التي تعفنت يوم أن فقدت مبادئها الإسلامية, ففي أخر إحصائيات تبين أن ما يتم اختلاسه في اليمن خمسة مليار دولا ر في السنة الواحدة , وهو مبلغ كبير جداً, كفيل بإعادة الدعم الحكومي لمشتقات النفط في اقل الأحوال.

أما الجرع الثانية من العلاج لهذا المرض, هو أن تعيد الحكومة النظر في رواتب الموظفين في كافة القطاعات الحكومية, التي أصبحت مطالبهم متكررة في هذا الجانب, مما أدى بالبعض من النقابات الفاعلة إلى الاعتصامات والإضرابات المتواصلة التي تشل العمل في بعض المرافق الحكومية, إذ كيف يقف دكتور جامعي أمام آلاف الطلاب ليدرس مادته, وبطنه يغرغر من الجوع, وكيف يحمي الجندي وطنه وهو لا يجد ما يسد به رمقه, وكيف تريد من موظف تعيس الحال, معدم المال أن يكون مثالي في عمله, وان يحترم قانون لم يحترمه ويعطيه ما يستحقه ويكفيه لمواجهة ظروف الحياة القاسية, أما عند أن يجد الموظف حاجته فان لا يفكر بعد ذلك في الرشوة, بل يفكر في خدمة مرفقه الذي يعمل فيه لا غير, وبالتالي فان زيادة الراتب الحكومي والاعتناء بالجانب الإيماني هما أمران مهمان لإعادة البلاد إلى جادة الطريق, وخطوة أولى لتحديد مسار سفينة الوطن نحو اتجاهها الصحيح .


في الجمعة 08 يونيو-حزيران 2007 08:35:46 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=1925