صنعاء القديمة تعاني الإهمال ومهددة بالخروج من قائمة التراث
فارس الحميري
فارس الحميري

تعاني مدينة "صنعاء القديمة" إحدى أقدم المدن في العالم من إهمال وتدهور الأمر الذي يتهددها بالخروج من قائمة التراث العالمي.

وتعد مدينة صنعاء القديمة ذات الطابع المعماري الفريد المطرز بالزخارف المبهجة واحدة من أكثر المدن التاريخية التي ما تزال تنبض بالحياة والروعة والجمال.

ويعود تاريخ بناء المدينة إلى القرن الخامس قبل الميلاد، وهي مدينة مسورة بسبعة أبواب، أشهرها "باب اليمن"، ومأهولة بالسكان حيث بلغ عدد سكانها، حسب أخر إحصائية رسمية، 63,398 نسمة وتقع في قلب العاصمة السياسية صنعاء.

ومع تدهور الحالة الأمنية في اليمن وانتشار ظاهرة الاختطافات للأجانب خلال السنوات الأخيرة، تعرضت المدينة للإهمال نتيجة انخفاض قاصديها من السياح من مختلف الجنسيات والذين كانوا يعودنها قبلة سياحية مميزة.

وتبدو صنعاء القديمة دائما كعروسة في كامل زينتها أمام القادمين، إلا ان إهمال مشترك من سكان المدينة والجهات الحكومية المختصة يجعل تلك الصورة مهدد بالتشويه.

ومع استمرار التدهور في المدينة دعت لجنة التراث العالمي أمس الأول إلى حملة دولية "مادية وفنية وتقنية" لإنقاذ هذه المدينة من التدهور.

ووافقت اللجنة على قرار بتبني مركز التراث العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) حملة دولية لتقديم المساعدة المادية والفنية لمدينة صنعاء القديمة.

وأكد القرار الذي وافقت عليه اللجنة بالإجماع في أعمال دورتها الـ 37 المنعقدة في العاصمة الكمبودية "بنوم بيه"، على ضرورة تقديم المساعدة الفنية والتقنية العاجلة من قبل اليونسكو والمنظمات الدولية المعنية لمدينة صنعاء.

وأمهلت اللجنة اليمن حتى الأول من فبراير 2014 لتقدم تقرير تفصيلي عن حالة المحافظة على مدينة صنعاء التاريخية، وطلبت اللجنة من الدولة دعوة مركز التراث العالمي والهيئات الاستشارية لإرسال بعثة مراقبة وتقييم لحالة صون الممتلكات في صنعاء وتحديد التدابير اللازمة لتجاوز حالة التدهور وضمان حفظها وحمايتها.

وأعربت اللجنة عن قلقها إزاء استمرار التدهور الواضح في وضع مدينة صنعاء القديمة المدرج على لائحة التراث العالمي نتيجة الوضع الصعب الذي تعانيه الدولة.

وتعاني مدينة صنعاء القديمة من استحداثات في البناء العمراني شوهت جمال المدينة التي يعود تاريخ مبانيها القديمة المتراصة لآلاف السنين.

كما تعاني المدينة من إشكاليات في عملية التخلص من المخلفات ومياه الصرف الصحي، بالإضافة إلى تهدم أجزاء عدد من المنازل بسبب الأمطار، وعدم صيانة تلك المباني.

وتحولت عدد من المنازل في المدينة التاريخية إلى مخازن للتجار، كما تم تأجير عدد من المساكن على وافدين للمدينة الأمر الذي جعلها عرضة للإهمال بسبب عدم اهتمام المستأجرين لتلك المنازل ولا صيانتها.

ويرى خبراء ومختصون يمنيون أن المدينة التاريخية تعاني من إهمال كبير الأمر الذي يهددها بمزيد من التدهور في حال عدم قيام الدولة بواجبها إزاء ذلك وكذا السكان المحليين.

وقالت الأكاديمية اليمنية الدكتورة نادية الكوكباني إن ضعف سيطرة الجهات الحكومية وعدم التزام الأهالي بالحفاظ على المدينة عرض المدينة لحالة من التدهور.

وأوضحت الكوكباني، وهي أستاذة متخصصة في مجال العمارة، أن مدينة صنعاء القديمة تعرضت أخيرا للإهمال بسبب عدم ترميم المنازل وعدم إعادة تأهيل المقاشم "مساحات زراعية" وتعرض منازل للتهدم بسبب غزارة الأمطار.

وأضافت " هناك إشكالية مزدوجة تعاني منها المدينة سواء من الجهات المختصة الحكومية او من سكان المدينة

وتابعت " الجهات الحكومية لا تسمح للمواطنين بإعادة الترميم أو التأهيل، وهي في نفس الوقت لا تقوم بدورها في إعادة تأهيل المدينة وحمايتها "، وإشارات إلى أن قوانين الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية تعد واحدة من ضمن الإشكاليات التي تواجهها صنعاء القديمة.

وقالت "هناك إشكاليات اخرى تتمثل في عدم اشراك المجتمعات المحلية للقيام بدورها، بالإضافة الى تدني مستوى الوعي لدى سكان المدينة خاصة من الوافدين بأهمية المدينة التاريخية".

وأشارت إلى ان صنعاء القديمة مدينة ذات طابع معماري برجي " متعدد الطوابق" تتفرد في وظائفها ونسيجها المعماري المحكم والمقاوم والذي يجعل المدينة تنهض دائما من الدمار ، وهي بحاجة كبيرة اليوم الى الاهتمام وإعادة ذلك الرونق الجميل للمدينة.

بدوره، قال حمزة الحضرمي، الصحفي المتخصص بالشأن الثقافي اليمني، إن الحفاظ على المدن التاريخية " شأن ثقافي" وهذا الشأن في ادنى سلم اهتمامات الحكومة، الأمر الذي لا يبشر في ان تهتم الحكومة في إنقاذ صنعاء القديمة من التدهور المستمر.

وأوضح الحضرمي أن اليونيسكو لم تشطب أي مدينة من قائمة التراث ولن تشطبها، لأنها لم تكن لتدرجها لتشطبها ولكن لتحافظ عليها.

وأضاف " التهديدات تمثل ضغط للدولة لتحافظ على المدن، ومتى ما حافظت الدولة، فان ذلك يعد نجاح تحرص عليه المنظمة الدولية".

وحسب الحضرمي ، وهو مدير تحرير القسم الثقافي في وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، فان الحفاظ على صنعاء امر يجب ان تقوم به الحكومة في المقام الأول لان المدينة تعد احد أهم الروافد السياحية للبلد وهي الواجهة الأهم في البلاد".

وتابع " لا يوجد اي ملامح للاهتمام بالمدينة من قبل الحكومة، وليس هناك مؤشر لهذا الاهتمام ، ولن تهتم بذلك ، لان مسئولية الحفاظ المدن التاريخية شأن ثقافي، والشأن الثقافي في ادني سلم اهتمامات الحكومة وآخر ما يشغلها .

وذكر " كل المؤشرات تؤكد أن المدينة تسير في اتجاه المزيد من التدهور".

وأشار الى ان حملة وطنية أطلقت للحفاظ على صنعاء القديمة قبل أكثر من 25 سنة، ونتائج تلك الحملة تمثلت في صرف مليارات الريالات ولم تعطي اي نتائج إيجابية، لفت إلى أن المدينة العريقة تعاني حاليا من إشكاليات في البنية التحتية، والمتمثلة بالمياه والصرف الصحي الذي يتسرب في المدينة، كما ان عملية رصف شوارع المدينة تمت بطرق غير صحيحة ومخالفة للمواصفات".

ودعا الصحفي اليمني المتخصص بالشأن الثقافي، الحكومة الى القيام بواجبها في حماية المدينة من الاندثار ، والحفاظ على طابعها المعماري التقليدي الفريد".

على السياق ذاته، طالبت منظمة يمنية اليوم (السبت) الرئيس عبدربه منصور هادي بفتح تحقيق إداري وقضائي في أسباب سقوط وتضرر منازل بمدينة صنعاء القديمة.

وقالت منظمة (هود)، منظمة مدنية، في رسالة لها اليوم للرئيس هادي إنها تطالبه توجيه المعنيين بإصلاح الوضع في صنعاء القديمة وفتح تحقيق إداري وقضائي في أسباب سقوط منزل وتضرر بقية المنازل، وإهمال السلطة المحلية في معالجة الآثار حتى الآن.

وحسب نص الرسالة، نود أن نلفت اهتمامكم إلى قضية تستحق اهتمامكم فقد سقط منزل في صنعاء القديمة غربي الجامع الكبير بسبب سوء تنفيذ شبكة الصرف الصحي للمدينة وبحمد الله لم يتسبب بخسائر بشرية، إلا أن المنزل ومنازل أخرى مجاورة له ما تزال مهددة بالسقوط على بعضها البعض بما فيها من بشر وما حولها من مارة".

وتابعت " على الرغم من مرور أكثر من عام على كارثة انهيار المنزل الأول إلا أن أمانة العاصمة لا تزال تقف مكتوفة الأيدي عن أي فعل من شأنه إنقاذ البشر أولا وإنقاذ المدينة التاريخية التي صمدت مئات السنين وأهلكتها السياسات الخاطئة خلال أقل من عقد".

وترى الحكومة اليمنية أن لديها خططا ستترجمها على ارض الواقع لحماية المدينة من التدهور وبما يحفظ لها طابعها الفريد خلال الفترة القادمة، وان المسئولية ليست محلية بل إقليمية ودولية للحفاظ على المدينة.

وقالت هدى ابلان، نائب وزير الثقافة إن جهودا كبيرة تقوم بها الوزارة مع الجهات المختصة للحفاظ على صنعاء القديمة من التدهور.

وأوضحت أن وضع مدينة صنعاء القديمة باعتبارها مدينة تاريخية من المهم ان يكون وضعها متسق مع الالتزامات الدولية لحمايتها وعدم وجود مخالفات عمرانية بحسب اشتراطات اليونسكو.

وأضافت " دعوة إنقاذ صنعاء التي أطلقتها لجنة التراث العالمي جزء من الدعم الذي يفترض ان يقوم بها العالم من اجل إنقاذ المدينة العريقة من التدهور والحفاظ على ملامحها، وهي دعوة منصفه".

وتابعت " الجهود ليست محلية فقط، بل يجب ان تكون هناك جهود إقليمية ودولية للحفاظ على هذه المدينة".

وأكدت المسئولة في الحكومة اليمنية أنه سيتم خلال الأيام القادمة تنفيذ خطط عملية لإنقاذ المدينة القديمة من التدهور، وجعلها واجهة سياحية وحضارية تليق بالمدن التقليدية التاريخية المنتشرة في اليمن".

وحسب ابلان، فان التوجهات الدولية والخطط المحلية سيتم ترجمتها على ارض الواقع وبما يحمي المدينة من الدمار ويحفظ لها طابعها المعماري المميز.


في السبت 22 يونيو-حزيران 2013 05:04:19 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=21008