أين هو توافق المبادرة الخليجية بعد حكم الدستورية المتزامن مع أزمة البرلمان؟
د. محمد البنا
د. محمد البنا

في الدعوى الدستورية التي تقدم بها عدد من القضاة وأعضاء النيابة العامة ضد كل من رئيس الجمهورية بصفته ومجلس النواب ومجلس الوزراء, قضت الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بعدم دستورية (34) مادة من قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م، كونها تعد تدخلا من السلطة التنفيذية في عمل السلطة القضائية وإخلال بمبدأ الفصل بين السلطات، حسب حيثيات الحكم الصادر في القضية. وقد قضى الحكم في الفقرة الثانية:

1- بعدم دستورية الفقرة (و) من المادة (109) من قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م.

2- عدم دستورية المادة (67) من قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م.

كما قضى في الفقرة الرابعة:

3- بعدم دستورية المادة (101) من قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م.

4- عدم دستورية المواد 11- 16(ب)- 34- 39-45-54- 59- 65(ب، ج،و) - 66-67-68-69-70-72-73-85 الفقرة (ب) - 89 -90-91-92-93-94 الفقرة (3)- 95 -97 -98 -99 -111 الفقرة (2) - 104 -106- 115الفقرة (2)- 118 الفقرة (1) فيما أسندته من صلاحيات لوزير العدل.

كما تضمن الحكم في الفقرة السادسة منه:

5- عدم اختصاص الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بنظر الطعن على المادة 134 من قانون السلطة القضائية رقم(1) لسنة 1991م.

وفي الفقرة السابعة من منطوق الحكم:

6- قضى الحكم ان يكون له أثره المباشر ولا تأثير له في الأحكام القضائية والحقوق المكتسبة والمراكز القانونية المستقرة والأوضاع السابقة على نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية، ولا حكم في المصاريف القضائية، وان ينشر الحكم في الجريدة الرسمية.

الايجابي والسلبي في حكم الدستورية:

إن مجرد تقدم طرف ما بدعوى دستورية لإبطال مواد قانون او قرار صادر عن رئاسة الجمهورية او البرلمان او الحكومة وتجاوب المحكمة الدستورية مع الدعوى وإصدارها حكم فيها لصالح المدعيين, هو خطوة ايجابية تلفت انتباه كل فئاة المجتمع للحقوق المجمدة التي يمتلكونها والتي تجعل القضاء حكما بين الجميع بغض النظر عن مراكزهم ومناصبهم وإمكاناتهم وغيرها. هذه الخطوة التي لم يكن يعلم بفوائدها عامة الناس, أصبحت الآن واقعا عمليا وضع الاساس القانوني لتوجه ذوي المصلحة المعتبرة الى هذه المحكمة غير الاعتيادية للحصول على حقوق لا يمكن الحصول عليها في غيرها من المحاكم. فما يميز هذه المحكمة, ان أحكامها وقراراتها نافذة مباشرة بعد صدورها حتى على رئيس الجمهورية وكل سلطات الدولة, دون اي إمكانية في الاعتراض عليها او الطعن فيها او إيقافها او إلغائها من اي جهة كانت في سلطات الدولة جميعها السياسية (الرئاسة) والتشريعية (البرلمان) والتنفيذية (الحكومة) والقضائية (المحاكم ومجلس القضاء الأعلى). هنا يمكننا على سبيل المثال وضع نموذج لتلك الإمكانات الاستثنائية في دعوى دستورية بعدم دستورية قانون الحصانة المستند الى المبادرة الخليجية وليس الى الدستور, وهو الاختصاص المحدد لهذه المحكمة دون غيرها في نظر القانون ومدى ارتباطه وإستناده الى الدستور اليمني. كذلك القرارات الرئاسية والجمهورية والحكومية والبرلمانية الصادرة خلال العام 2011م, مثل إعلان حالة الطوارئ وإجتماع البرلمان دون النصاب القانوني والتوقيع على المبادرة الخليجية وتشكيل حكومة الوفاق وغيرها الكثير. فإذا ما حكم بعدم دستورية اي منها, عندها تكون الجهة التي قامت بتلك الإجراءات قد خرقت الدستور وهو ما يعد جريمة جسيمة معاقب عليها وفقا للقانون اليمني النافذ ما يستوجب تقديم الفاعلين الى القضاء العادل وإدانتهم والحكم عليهم وفقا للقانون.

إن أول ما يلفت الانتباه في تلك الدعوى الدستورية هو:

1- تقديمها بعد مرور 22 عام على صدور القانون رقم (1) لسنة 1991م بشان السلطة القضائية والعمل به وترتيب وقائع وأوضاع قانونية على اساسه, وبعد إجراء العديد من التعديلات بقوانين على ذلك القانون ومنها القانون رقم (15) لسنة 2006م، والقانون رقم (18) لسنة 2012م, دون ان نرى رأياً او مقالا او موضوعا او ما شابه لأولئك المدعيين في هذه الدعوى الدستورية طوال تلك الفترة, خاصة وانهم من المنتميين الى السلطة القضائية وتأثروا بالقانون سنين طويلة دون غيرهم.

2- تركيز الدعوى الدستورية على الوظائف القانونية للحكومة وبالأخص الوظائف التي يحددها القانون لوزير العدل في مؤسسة القضاء والمطالبة بتعديلها والغاء وظيفة وزير العدل والحكومة واي ذكر لهما في كل ما يتعلق بالقضاء وليس الحكم بعدم دستورية المواد المشتملة على ذكر لوزير العدل او الحكومة.

3- السرعة الفائقة للمحكمة الدستورية في نظر الدعوى والفصل فيها على غير عادتها في دعاوى دستورية تتعلق بمواضيع اقل تأثيرا مثل قانون الضرائب.

4- أوضحت الدعوى الدستورية بان الوضع المرجعي الحاكم للجمهورية اليمنية حاليا يستند على الدستور النافذ، وعلى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة النافذتان منذ التوقيع عليهما في 24/11/2011م, حيث أوردت المبادرة الخليجية في الجزء الأول: المقدمة، (4):- (يحل الاتفاق على المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها محل أي ترتيبات دستورية أو قانونية قائمة ولا يجوز الطعن فيهما أمام مؤسسات الدولة).

5- تتناقض الدعوى الدستورية في إستنادها الى المادة (152) من الدستور والتي تنص على ان: (يكون للقضاء مجلس أعلى ينظمه القانون ويبين اختصاصاته), في حين تنصب كل بنود الدعوى على تعديل عدد غير قليل من مواد نفس القانون الذي ينظم شؤون القضاء ويبين إختصاصات مجلس القضاء الأعلى دون تقديم البديل.

6- تتناقض بنود الدعوى الدستورية في الاشارة الى مؤسسة القضاء على انها مؤسسة مستقلة محمية هي وكل منتسبيها بقوة القانون والدستور, لا يحق لاي جهة مهما كانت التدخل في شؤونها, ويرجع في كل ما يتعلق بها وبمنتسبيها الى قانون السلطة القضائية فقط, في حين تطالب الدعوى الدستورية بإلغاء المادة (101) من قانون السلطة القضائية التي تعطي الاختصاص للدائرة الإدارية بالمحكمة العليا دون غيرها بالفصل في الطلبات التي يقدمها القضاة بإلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بأي شأن من شؤونهم عند النقل والندب, باعتبارها مخالفة لمبدأ حق التقاضي وحرمان القضاة من اللجوء الى قاضيهم الطبيعي باعتبارهم مواطنين وليسوا قضاة على الرغم من ان الموضوع مرتبط بوظيفتهم القضائية.

7- تستند الدعوى الدستورية في أكثر من موقع الى العديد من المراجع المصرية من مؤلفات وأحكام, في حين لا تقبل المحاكم اليمنية السند القانوني غير المحلي, لما يسببه من لبس حول طبيعة الخصومة وزمنها والقانون الذي يحكمها في حينه.

8- تؤكد الدعوى الدستورية بان الصلاحيات القانونية التي يمنحها قانون السلطة القضائية لوزير العدل تطال جميع شئون العدالة والقضاة والنيابة وفي تكوين وتشكيل وتسيير السلطة القضائية. حيث يتمتع وزير العدل:

ا) بالعضوية الكاملة في مجلس القضاء الأعلى, ولا يصبح اجتماع المجلس صحيحا إلا بحضور الوزير وفقا للمادة (106).

ب) في تأليف المحكمة العليا ودوائرها ومكتبها الفني, وفي تحديد عدد المحاكم الاستئنافية وشعبها والمحاكم الابتدائية ومراكزها ونطاق اختصاصها, وعند إنشاء محاكم متخصصة في المحافظات, وفي التعيين في وظائف السلطة القضائية والنيابة العامة ومساعدي القضاء والنيابة وفي النقل والندب والترقية والتأديب والإشراف الإداري والمالي والتنظيمي على جميع المحاكم والقضاة.

ج) تبعية النائب العام لوزير العدل وتأدية أعضاء النيابة العامة اليمين الدستورية أمام وزير العدل.

د) تبعية هيئة التفتيش القضائي لوزارة العدل مباشرة وإعتبارها جزء من الوزارة, وهذه الهيئة هي من تعد قائمة المرشحين للتعيين في منصب رئيس المحكمة العليا ونائبيه وقضاة المحكمة العليا.

فإذا كانت وضعية وزير العدل في قانون السلطة القضائية بهذا التعقيد والترابط منذ عشرات السنين, فهل يمكن فجاة ان تلغى كل المواد القانونية التي ورد فيها ذكر لوزير العدل دون وجود البديل القانوني المناسب مباشرة حتى لا تقع السلطة القضائية في فراغ تشريعي يوقف نشاطها؟

من خلال ما تقدم ومن حيثيات حكم المحكمة الدستورية, يمكن للمتابع التساؤل المشروع حول الأتي:

1) إذا كانت المادة (104) من قانون السلطة القضائية هي التي تشكل مجلس القضاء الأعلى وتوجب عضوية وزير العدل فيه, وتستند إليها القرارات الجمهورية بتشكيل المجلس, فإن الحكم بعدم دستوريتها يجعل من القرارات الجمهورية بتشكيل مجلس القضاء الأعلى غير دستورية وبالتالي يجعل من مجلس القضاء الأعلى هيئة غير دستورية خاصة وإن القانون يلزم المجلس بالقيام باختصاصاته التي حددها القانون بصورة جماعية بمجموع أعضائه وهو ما يرتب البطلان على كل اجتماعاته بعد الحكم، فتكون كل مقرراته غير مشروعة، حتى ولو لم تقرر مراكز قانونية.

2) إذا تم تجميد نشاط مجلس القضاء الأعلى, فبالتالي فان الحكم بعدم دستورية المواد المتعلقة بهيئة التفتيش القضائي عطل هذه الهيئة أيضا الى حين وضع حل لوضعية مجلس القضاء الأعلى ذاته.

3) الإبقاء على إدارة أجهزة القضاء في شلل تام الى حين إيجاد البديل القانوني, إضافة إلى الاضطراب والتعطيل لجميع الأجهزة التي تتبع قانونا وزير العدل مثل النائب العام وهيئة التفتيش القضائي.

4) إن اغرب ما جاء في حكم المحكمة الدستورية هو التقرير بعدم إختصاصها فيما يتعلق بالمادة (143) من قانون السلطة القضائية, وكأنها تنكر وظيفتها وإختصاصها, ومن هي الجهة المختصة بنظر الدعاوى بعدم دستورية القوانين والقرارات؟

5) إذا كان رئيس الجمهورية يدخل ضمن شاغلي وظائف الدولة العليا التي يحكمها قانون محاكمة شاغلي وظائف الدولة العليا, فكيف يمكن الادعاء عليه أمام المحكمة الدستورية بكل سهولة ودون عراقيل قانونية ويقبل من اعلى سلطة قضائية؟

6) إن الجهات المعنية بتنفيذ حكم المحكمة الدستورية تتوزع بين رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس الجمهورية والبرلمان والحكومة. فإذا كان القضاء اليمني يحظى بالاحترام اللازم لقراراته وأحكامه من قبل الجميع وأولهم سلطات الدولة العليا, فإن الأحرى بهذه الجهات ان تسارع الى إعلان إحترامها لحكم المحكمة والبدأ بتنفيذه من خلال الأتي:

ا- إعلان الحكومة لقبولها بقرار المحكمة وإيقاف نشاطات وزير العدل في إطار مؤسسات السلطة القضائية.

ب- تعليق نشاطات وإجتماعات مجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي والنيابة العامة وغيرها من الأجهزة, الى حين صدور تشريعات جديدة تعيد تشكيلها وترتيب وضعيتها وإختصاصاتها وتبعيتها.

7) إذا كان البرلمان قد أعلن مقاطعته للحكومة ولكتلة المشترك, وإذا كانت المرجعية الحاكمة للجمهورية اليمنية تستند بحسب ما ورد في الدعوى الدستورية الى الدستور وإتفاق المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية (يحل الاتفاق على المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها محل أي ترتيبات دستورية أو قانونية قائمة ولا يجوز الطعن فيهما أمام مؤسسات الدولة), اي التوافق بين أطرافها, فكيف يمكن ان يكون الحل؟

8) قضى حكم المحكمة الدستورية ان يكون له أثره المباشر ولا تأثير له في الأحكام القضائية والحقوق المكتسبة والمراكز القانونية المستقرة والأوضاع السابقة على نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية. فهل يعني ذلك ان المركز القانوني المستقر لوزير العدل ووضعه السابق للحكم, في مجلس القضاء الأعلى وغيره من مؤسسات السلطة القضائية, لا يتأثر بالحكم؟ وهل إن حكم المحكمة الدستورية يوقف فقط العمل بالمواد المذكورة عند إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى وغيرها من مؤسسات السلطة القضائية او الى حين إصدار قانون جديد للسلطة القضائية ينظم عملها وتشكيلتها وتبعيتها الخ او إلى حين صدور دستور جديد يفصل في طبيعة إستقلال القضاء وعلاقته بالسلطة التنفيذية ويجعل من منتسبي السلطة القضائية مواطنين مثل غيرهم دون تمييز؟

9) هل إن النص الدستوري للمادة (152) التي تعطي لمجلس القضاء الأعلى حق تقرير كافة شؤون السلطة القضائية, يمكن تفعيله للتغطية على الفراغ التشريعي لمؤسسة القضاء, طالما وإن المجلس غير قادر على الانعقاد بدون وزير العدل ولم يعد شرعيا لعدم دستورية تشكيله؟

10) إذا كان الوضع القضائي قد أصبح مشلولا بعد حكم المحكمة الدستورية, فمن يتحمل مسؤولية هذا الوضع, ومن يتحمل ضياع الحقوق الناجمة عنه؟

أخيراً يتضح من حكم المحكمة الدستورية, إن مؤسسة القضاء قد دخلت في اللعبة السياسية للتوافق اليمني داعمة للكتلة البرلمانية التي تسير أعمال البرلمان حاليا بطريقة مشابهة للطريقة المصرية في المواجهة بين الرئاسة والمعارضة عبر القضاء في مصر, وذلك حتى تتوقف عجلة الحياة في البلاد بطريقة لا رجعة فيها ولا يمكن معالجتها محليا ودون جراحة مؤلمة للجميع. وعلى ما يبدو فان الأمر برمته متروكا للدول الراعية للمبادرة الخليجية وخصوصا السفير الأميركي الحاكم الفعلي ومساعده التنفيذي بن عمر المندوب السامي للأمم المتحدة, بانتظار ما سيبدر عنهم لحلحلة الوضع البرلماني والحكومي والسياسي المشلول.


في الثلاثاء 25 يونيو-حزيران 2013 04:25:54 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=21063