|
هيلين يا وجه السماء، يا حقيبة الأسرار.. منذ يومين أحاول أن اقول شيئاً، ولا استطيع.
لم أحدثك ، بعد، عن البوعزيزي.
إسمعي ، حبيبتي،
إبحثي عنه على طريقتك ، إكتشفيه.
عندما تقرئين للطاهر بن جلون سيرة البوعزيزي "بالنار" ستجدينه يحكي عن مناضل يساري تخرج من الجامعة، كان يواعد معشوقته في شقه صديقتها، كسب اليانصيب، ثم أضرم النار في نفسه بولاعة البيك الفرنسية.
هناك لصوص ثورات في كل مكان، أسوأهم الطاهر بن جلون.
صغيرتي،
لا أدري مالذي يمكن أن يحدث في مصر بعد خمسة أيام من الآن. لكن من المؤكد أنها ستنهض فيما بعد
إبحثي عن "يعقوب الكلب." كان حنا يعقوب دليل جيش نابليون، وحملة ديزيه، أشهر قاداته، إلى صعيد مصر. أسماه الجبرتي يعقوب الكلب.
عندما انكسر الفرنسيون وعادوا عبر البحر ألقوا بالكلب من السفينة. قبل مئات السنين دخلت مصر في الشدة المستنصرية. كان المستنصر، يا صغيرتي، حاكماً فاطمياً مكث على كرسيه ستين عاماً. انتهت فترته بانهيار مصر. يقول المؤرخون: كانت المرأة تعرض ذهبها مقابل رغيف خبز فﻼ يلتفت إليها أحد. لكنها عادت من جديد وأنجبت داليدا التي ستغني بعد مئات السنين من موت المستنصر : حلوة يا بلدي.
في هذه اللحظات تمر مصر بشده أخرى . تﻼشى نجيب محفوظ وتجلى محمد مرسي، اختفى طه حسين وتصدر حمدين صباحي، وبدلاً عن الإصغاء لهيكل ذهبوا وراء عمرو أديب. ﻻ تسأليني عن هؤلاء الثلاثة، فهم أسوأ من الطاهر بن جلون.
كنت حدثتك بصورة مختصرة عن الربيع العربي. سأواصل تلخيص الربيع لعينيك يا هيلين..
قبل أيام فاز محمد عساف، شاب من فلسطين، بلقب فني على مستوى وطننا العربي. عساف يعيش في غزة. قالت الحصف اﻷجنبية: منذ زمن بعيد لم تحتفل غزة والضفة وعرب إسرائيل معاً. في غزة بقيت حماس، الإسﻼمية، حائرة، منذهلة، ومتجهمة.
تقدم أفيخاي أدرعي، الناطق بإسم الجيش اﻹسرائيلي بسرعة الطلقة. هنئ عساف، عبر عن سعادته بفوزه، ثم نصح حكومة حماس بأن تتقي الله في سكان غزة، أن ﻻ تمنعهم من التعبير عن فرحهم. بموازاة هذه الجملة المبهرة كتب إبراهيم نصر الله من عمان: ﻻ أخاف من شيء أكثر من خوفي من الذين ﻻ يحبون الموسيقى.
صديقتي، هيلينا، ﻻ توجد طريقة أكثر بساطة ﻷشرح لك معنى كلمتي: نفق مظلم، ومغارة، من هذه التي في اﻷعلى.
آي ﻻف يو هيلين،
على سبيل المثال: حمدين صباحي رجل ذكي، لكنه سياسي قذر. محمد مرسي رجل طيب القلب، لكنه شديد الغباء. عندما يتصارعان تجري الأمور هكذا : يستخدم صباحي قذارته الفائقة، ومرسي غباءه النادر. يصبح لدينا مشهد ميﻼنخولي حالك، هو خليط من القذارة والغباء في أعلى درجتيهما.
لكن أخطر ما في اﻷمر يا هيلين هو أن مصر تمثل %25 من عرب العلام. لذلك تبدو أيامها العصيبة اختناقاً في صدورنا..
هيلين، صغيرتي، قولي : يا رب.
هيلين، باباتي، ثانية واحدة حبيبتي..
رغم كل هذه الوحشية والسوء في المشهد المصري إﻻ أن هناك ما هو أكثر سوءاً، ووحشية. رواية "بالنار" للطاهر بن جلون.
في الأربعاء 26 يونيو-حزيران 2013 06:18:03 م