|
هناك من يذهب إلى المقارنة بين ثورة مصر وبين ثورة اليمن من حيث النجاحات والإخفاقات؛،ليسجل للأولى الإخفاقات وللثانية النجاحات؛ وهذه المقارنة - بتصوري - تفتقد إلى الكثير من الموضوعية ؛؛ ومثل من يتهم ثورة مصر بالإخفاق أو الفشل مثله مثل من يتهم الجيش السوري الحر بالاتهام نفسه مقارنا إياه بالجيش الليبي الحر وإنجاز الأخير في إسقاط النظام بزمن قياسي. فكلا المقارنتين تفتقدان إلى الموضوعية العلمية لعدم اعتبار الملابسات والسياقات التي تلف أحداث الجيشين والثورتين.
وأنا هنا في غنىً عن شرح سبب انتفاء موضوعية المقارنة بين الجيشين أي بين الجيش السوري الحر والجيش العلوي الإيراني الروسي الإسرائيلي الأمريكي الأوروبي الغربي؛ لكن في الوقت نفسه لزاما علي أن أوضح بعض أسباب انتفاء موضوعية مقارنة ثورة مصر واليمن من حيث الإخفاقات والنجاحات؛ فمصر من حيث الأهمية الإستراتجية للوطن العربي فإنه تمثل له القلب؛ وباقي دوله -ومنها اليمن - عبارة عن الجسد؛ والمتآمر يدرك تلك الأهمية فاهتم بإبقائه عليلا؛ انطلاقا من مسلمة / ان تعافي الجسد لا يكون إلا مع تعافي بالقلب والعكس صحيح؛ أي أنه في حالة بقاء القلب عليلا فلا جدوى من الاهتمام بالجسد؛ لهذا صب المتآمر كل جهوده وأمواله ومخططاته وطبخاته النتنة في الصد عن سبيل أهداف ثورة مصر، فكانت أشبه بحرب شعواء يشنها متآمر ثلاثي الأبعاد: داخلي وإقليمي ودولي؛ والداخلي كان أيضا ثلاثيا؛ تمثل في البردعي وموسى وصباحي وتدعم ثلاثتهم ثلاث مؤسسات -هي على رأس الهرم حيث الأهمية - الأولى الإعلام ومهمتها شيطنة الإسلاميين كأهم مكون للثورة، والثانية القضاء ومهمتها القيام بوظيفة القرصنة لمؤسسات الوطن وإفراغه منها، والثالثة الجيش وكان دورها يتمثل في وضع اللمسات الأخيرة من السيناريو الأمريكي الإيراني الخليجي؛ حيث قام قادة الجيش بهتك الحدود ومهمتهم أصلا حراستها ؛؛،لا أتحدث عن الحدود الجغرافية لكن الحدود الأكثر أهمية وهي الحدود المتعلقة بالسيادة المصرية والكرامة الشعبية ؛ حيث تجسدت هذه لمسات بالإنقلاب على الشرعية التي هي نتاج الديمقراطية والاعتراف بشرعية الشوارعية، أضف ثلاثيا أخرا : شيعيا إيرانيا وسنيا خليجيا، وأمريكيا إسرائيليا.
هذه ثورة مصر تحيط بها تلكم الأخطبوطات أو الثلاثيات من كل جانب وعلى الرغم من كل ذلك فقد حققت قفزات ثورية نوعية برلمانية ورئاسية غير متوقعة وفي زمن قياسي وفي ظل ذلك التآمر الأسطوري؛؛ لكن الثورة اليمنية - التي يصفها البعض بالذكية وقد كنت من ضمن الواصفين قبل انقلاب المبادرة - وعلى الرغم من أنها تمتلك نصف الجيش وثلاثة أرباع الشعب؛ فإن انجازاتها لا تقارن بما أنجزته الثورة المصرية؛؛ ففي ساعة حظوة ثورة مصر ببرلمان للثورة وبانتخابات نزيهة كانت ثورة اليمن تحظى ببقاء برلمان بقايا النظام وهو بقاء قد خالف كل أعراف الثورات، أضف أن سنة أداءه كانت /سنة الأغلبية/ التي اعتادها قبل الثورة ولم يعترف حتى بالتوافقية /سنة المبادرة/ ورعاتها؛ وإذا كانت ثورة مصر قد أفرزت /رئيساً ثوريا/ من بين كل ذلك الركام المتآمر؛ فإن رعاة المبادرة في الوقت نفسه قد نحوا رغبة رعاة الثورة في انتخاب رئيس لثورتهم، لينتخبوا رئيساً حسب ما تمليه عليهم مبادرتهم؛ لنجد الرئيس يعمل حسب رشته تمليها عليه المبادرة أو ما يسمى بألياتها التنفيذية، ومن ذلك - مثلا - تعيين الفاسدين الذين ما قامت الثورة إلا لإزالتهم وما سالت الدماء اليمنية الزكية إلا لتنظف اليمن فن قذاراتهم.. ودعوني أتوقف عند هذه النقطة الأكثر حساسية لأوجه رسالة لمن يتهم /إسلامي مصر/ -أهم فصيل في الثورة- بالإخفاق؛ ليسجل لنفسه في الوقت ذاته براءة الانتصار أو الانجاز - وإن كان يستحقها بتصوري رعاة المبادرة - أقول لمن يرى بفشل إسلامي مصر إذا كان المتآمر على ثورة مصر قد انقلب عليها بثلث الشعب المصري،، وبأربعين مليارا ،، بين ريال ويورو ودولار وبخسارة سمعته الأخلاقية لدى الأمة الإسلامية وسدنة الديمقراطية؛ فإن الإنقلاب على ثورة اليمن قد تم بالشعب كله ودون خسارة مليار واحد ودون تضييع جهد كبير وكسب حسرة غيظا على ما أنفقوا ولم يراه المتآمرون من المظاهرات الحاشدة لمؤيدي الشرعية؛ أضف أن رعاة المبادرة - وهم أنفسهم ذئاب الثورة في مصر وسوريا- قد سمح لهم رعاة ثورة اليمن باكتساب سمعة عطرة؛ حيث سجل لهم الربيع حقن دماء اليمنيين في الوقت نفسه الذي يسيلون فيه كرامة اليمنيين ووأد أهداف ثورتهم، ولعل مباركة هادي - على سبيل التمثيل- للإنقلابيين في مصر هو أحد صور ذبح طموح الثورة وإسالة كرامة أبنائها؛ فهل تبريكات هادي كانت منه مبادرة أم ألزمه بها رعاة المبادرة ؟؟؟ !!!
وهنا يطرح سؤال نفسه على القارئ والمتابع للأحداث : من الأذكى.. رعاة ثورة اليمن الذين امتلكوا نصف الجيش ؟ أم رعاة ثورة مصر الذين سلط عليهم عداء وتآمر الجيش كله ؟؟
وعليه أقول بتعبير آخر: لقد بدى دور المتآمر على ثورة اليمن في صورة اللاعب الأخف غباء مقارنة بأدائه للدور نفسه من اللاعب نفسه في مصر؛ حيث وفر في مناهضته لثورة اليمن أموالا طائلة وحقن قيمة سمعة أسال ماء وجهها في مصر ؛؛ وما خسارته تلك في صورتيها المادية والمعنوية إلا خير دليل على أنه وجد لاعبا ثوريا أكثر ذكاء وحنكة مما هو عليه اللاعب في اليمن؛ ولو تحدثنا عن عدد القتلى في مصر مقارنين عدد القتلى في اليمن لرجح كفة ذكاء رعاة ثورة مصر؛ وأخيرا: لو قرأنا المباركات الطيبات من هادي للانقلابين في مصر من زاوية أخرى؛ لوجدنا أن اللاعب المتآمر في اليمن استخف ويستخف باللاعب الثوري من خلال تلك التبريكات التي أمليت على الرئيس تلفونيا كما كان يحصل مع الرئيس المخلوع- من رعاة المبادرة كما أملي هو نفسه أي هادي على راعي الثورة الشعب اليمني لينقلب على ثورته بنفسه باختياره وبالتوافق؛؛ وتلك التعيينات للفاسدين لا تخرج عن سياق الاستخفاف كما أن عدم الرجوع عنها وإلغائها بقرار أخر هو أيضاً إمعان في استمرار الاستخفاف من هادي أو بمعنى أدق من رعاة المبادرة. لهذا أتمنى عند عمل مقارنة بين ثورة وثورة ألا نغفل بقية الملابسات التي هي عمود رأس المقارنة وذروة سنامها .. فأهمية اليمن للمتآمرين ليست أبدا كأهمية مصر من حيث البعد الاستراتيجي ؛ فثورة مصر تضل - بتصوري- هي الأكثر فعلا وإنتاجا وذكاء من ثورة اليمن؛ وإذا أصطلحنا أن نطلق على الثورة اليمنية مصلح الذكية فإن الثورة المصرية هي الأشد ذكاء وسط تلك الهجمات التتارية والبربرية وبعض من ينتسبون إلى الأمة المحمدية .
في الخميس 18 يوليو-تموز 2013 05:19:56 م