لهذا تعصبنا
علي ناجي الشيخ
علي ناجي الشيخ

سأكتب عن هذا اليوم وسأجيز لنفسي أن أطيل عل فكرة أن تصل :

سأبدأ بالتذكير بأنه كان في اليمن قبل عام 1962م نظام إمامي يقوم على أساس أن الإمامة أو الحكم لا يجوز إلا أن تكون لرجل من نسل السبطين , هذه الأيديولوجية ونظام الحكم امتدت في اليمن لمئات السنين استغل فيها كل شيئ من أجل الحكم , استغل البشر والأرض وحتى الدين , ومن خالف قطع رأسه بحد السيف أو شيطن وخون . وقد وظفت الإمامة أو بالأصح حرفت المذهب الزيدي المعتدل للحفاظ على بقائها في الحكم وخدمتها سياسياْ !

قامت الثورة اليمنية على يد مجموعة من الضباط في 62 ضد الحكم الإمامي , إنهزمت الإمامية عسكرياْ وسياسياْ إلى حد كبير ,لكن فكرتها لم تنهزم بسهولة ,سرعان ما نشبت حرب مضادة للثورة استغرقت سنين انتهت بمصالحة بين الإماميين والجمهوريين سنة 1967م , ما شكل فرصة سانحة للإمامية بإعادة تشكيل صفوفها ليس عسكرياْ أو سياسياْ ,بل فكرياْ وبسرية وصمت ,كي لا تمحوها الموجة الجمهورية الصاعدة بقوة آنذاك , انتهى النشاط الفكري بتأسيس \" اتحاد الشباب\" عام 1982 على يد العلامة \"صلاح أحمد فليته\" , الذي بدوره مؤخراْ سيتولى فكر متطرف في اليمن .

بعدها ظهر \"حزب الحق\" في التسعينيات لكن رأى الكثير ممن عولوا عليه بأنه لا يلبي ما يطمحوا إليه فجاءت فكرة الحوثي بإنشاء تنظيم \" الشباب المؤمن \" !

على العموم : ظهر تيارين اختلفوا على فكرة الحزب وقيادته(حزب الحق) :

تيار يمثله العلامة مجدالدين المؤيد وهو وسطي لا يرى مشكلة في أن يحكم رجل من غير آل البيت ما دام من يحكم هو الأفضل (جواز تولي المفضول مع وجود الأفضل) ,

التيار الثاني مثله بدر الدين الحوثي يرى بأن الأول لا يمثله ,ويرى بأن الحاكم لا يجوز إلا أن يكون منهم ,مما جعله يوجه أنظاره نحو الثورة الإيرانية ويستلهم فلسفتها وأبعادها ,نتج عنها الحركة الحوثية . !

هنا لا بد أن أوضح أبعاد فكرية وتاريخية من أجل فهم الموضوع , لا تخص الإمامية أو المذهب الزيدي فقط الذي \"سيئ استخدامه\" , بل المذاهب الأخرى :

من المعروف أن المذاهب هي إطار لآراء علماء اختلفوا في الفهم ,وأجبرتهم المناطق المختلفة التي عاشوا فيها على استنباط ما يتاغم مع حاجة تلك البلدان ,وتفسير المقاصد الشرعية كل حسب اجتهاده , ولم يفرضوا آرائهم يوماْ أو قالوا بأن ما سواهم باطل ولا يجوز أن يؤخذ به , على القاعدة الشافعية الحكيمة : ( رأيي صواب يحتمل الخطأ , ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) , أدى هذا الإنفتاح على الحلول والأفكار الأخرى إلى إثراء الفقه الإسلامي عن طريق تبادل الأفكار واستفادة كل مذهب من الآخر , إلى أن بدأت السلطة الحاكمة تنشئ لها مذاهب سياسية باسم الدين , الأمويين (مذهب الجبر ) , العباسيين(مذهب الجريانية ) ومنعت بعدها أي فكر\"مذاهب\" جديدة تضاف إلى المذاهب الأربعة الموجودة .حتى أن مفكرين خالفوا هذه المذاهب \"الجبر والجريانية\" فقطعت رؤوسهم !!!

هذه النقطة الخطيرة شكلت فارق مهم جداْ في رأيي يؤثر علينا حتى اليوم , وما نراه من تعصب أعمى للمذهب لم يأتي من فراغ ,بل أتى عن طريق غسيل دماغ عبر العصور , الفكرة هنا : أن منع التجديد وإضفاء فكر جديدة على المذاهب الأربعة جعل أتباع هذه المذاهب يتعصبون , كل لمذهبه ,لأن المذهب بقي على ما هو عليه ولم يضف إليه فكر وتفسيرات جديدة تناسب تطور المجتمع ..... نتيجة هذا التطور الخطير كانت : مذهبي ... مذهبي ... مذهبي , تعصب ,تعصب , تعصب !!!

أصبح المقياس للدين عند كثير من أتباع المذاهب يقاس بمقياس المذهب لا بمقياس الإسلام ! وهذا يفسر لنا حلة التكفير الموجودة عند بعض الناس بالمجان

\"فاختزلوا الدين الإسلامي في المذهب \" , تماماْ كما تريد أن تدخل \"جمل\" في بيضة !

قال تعالى: ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ,ولا يزالون مختلفين )

فالإختلاف ثراء وتنوع وإخصاب , والخلاف والتعصب عقم وجدب


في الخميس 26 سبتمبر-أيلول 2013 01:42:23 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=22184