الرئيس على مفترق طرق

في بلاد الغرب عندما يترك رؤساء الدول مناصبهم الرئاسية فإنهم يعودون لمناصبهم أو أعمالهم التي كانوا فيها مسبقا , فمنهم من عاد ليمارس عملة في شركاته الخاصة ومنهم من ألتحق بالعمل في أي شركه من أجل العمل و توفير " لقمة العيش " فعلى سبيل المثال الرئيس الأمريكي " بيل كلنتون" عندما غادر البيت الأبيض بعد سنوات قضاها في قيادة الولايات المتحدة الأمريكية بحث على أحدى الوظائف ولم يجد في ذالك عيبا عندما ألتحق بأحد القنوات التلفزيونية يقدم بعض البرامج وربما عزف على بعض الآلات الموسيقية وأصبح يمارس عملة بكل حماسة وشغف ناسيا عالم السياسية وتحالفاتها وتقلباتها وأخذ يستمتع بعملة الجديد ومن قبلة كان بوش وريغان وغيرهم من رؤساء الغرب الذين لا تحضريني أسمائهم ولا أعمالهم لكن في حقيقة الأمر ضربوا أمثله ُرائعة للتداول السلمي للسلطة , ولم ينظر الشعب الأمريكي إليهم أنهم هولاء هم فقط من سيقودون أمريكا كونهم أصحاب الخبرة في هذا المجال والتخصص ولم تهتف شوارع نيويورك ولا واشنطن ولا أزقة لندن وباريس لتلك الزعامات " بالدم والروح " بل أننا لا نجد هذه الكلمات " الجوفاء " موجودة في قاموسهم السياسي قط ولم نسمع أنة قد هتف بها يوما لعظمائهم الذي قدموا خدمات لتلك الشعوب أو انتصارات جعلت من بلدانهم في مصاف الدول العظمى .

ولذا نجد أن من أسباب نجاح وتفوق العقلية الغربية على العقلية العربية في مجال السياسة والحكم هو ترحيبهم بالدماء الشابة المثقفة والمتعلمة التي ستعمل على نقلة نوعية في قيادة بلدانهم لأنهم ينظرون أيضا إلى أن أي شخصية مهما كانت كفاءتها وقدراتها ولكن عمرها الزمني قد تجاوز الخمسين عاما فإن عطاء تلك الشخصيات سيكون هزيلا باستثناء الإبداع في الوقوف أمام شاشات التلفاز وإلقاء الأحاديث والخطابات في القاعات أو المهرجانات أو المناسبات الرسمية أو حتى غير الرسمية " المهم الحديث من أجل الحديث " والتي يعمل التلفزيون والقائمون عليه مرة أخرى لمراجعة تلك الكلمات والخطابات التي تتبخر في الهواء عقب انتهاء مراسيم تلك الكلمات .

إننا بحاجة في عالمنا العربي والإسلامي أن نؤصل لهذه الثقافة الراقية في فهم العمل السياسي و الرئاسي بالتحديد , وبما أن سيادة الرئيس على عبد الله صالح قد أعلن للعالم وأكد ذالك في عدد ليس بالقليل في حوارات صحفية لها وزنها الدولي وحضورها العالمي أنه لن يترشح لرئاسة مرة أخرى .

هذا الخطاب الذي أعتبره شخصيا من أرقى خطابات الرئيس وأكثرها حنكة ودراية بواقع العمل السياسي في اليمن , وهي تجربة قد يفتح مصاريعها فخامته للزعامات العربية وإن كانت لا ترضيهم هذه الثقافة الجديدة عليهم أصلاُ .

أنني أرى أن الرئيس قد رأى " ما لم تراه قيادة المؤتمر " بمعنى إن ترك اليمن في هذه الحالة وإن كانت بهذا السوء من تراجع التنمية وزيادة البطالة وانتشار الفقر والأمية والتخلف في المجتمع ومع تصنيفات دولية تضع اليمن في قائمة أسوء دول العالم في مجال تحصيل الضرائب والأمية وخدمات الكهرباء .....الخ .

أنه من الأفضل أن يغادر الرئيس كرسي الرئاسة وما زال الناس يتذكروا أن الرئيس هو صانع الوحدة وباني السد وهو من شق الطرقات وأنار الشوارع واستخرج النفط .....الخ , خير من أن ينكشف لعامة الناس من أهل اليمن أن الاتحاد الأوربي بدأ يقلص دعمه لمشاريع التنمية في اليمن قرابة الثلث وأن منظمات عالمية لم تعد تعترف بمؤسسات الدولة بل بدأت تتعامل مع مؤسسات المجتمع المدني لأنها تنظر إلى أن القائمين على هذه المؤسسات الحكومية " خونة " ليسوا أمناء يأكلوا ميزانيات الدولة وما تمنحه الدول المانحة من هبات وصدقات لهذا الشعب الذي سيطرا علية مجموعة لصوص حسب توصيف أحد الباحثين الأمريكان .

أنة وبموجب هذه المتغيرات الحاصلة والمتسارعه في نفس الوقت على الرئيس أن يحزم أمرة وقراره ويغادر كرسي الرئاسة لأنة بهذه الخطوة سيكون عظيما في إنجازه وعظيما في قراره وبهذا سيضاف إلى الرئيس ثاني أنجاز حقيقي بعد الوحدة اليمنية وهو تخليه عن الرئاسة .

أنة وفي حقيقة الأمر أن تجربة الرجل فريدة وغنية بالأحداث والثورات والانقلابات وأن الجيل الحالي وكثير من المفكرين في اليمن في حاجه ماسه لدراسة حياته إن لم يتسابق طلبة لماجستير والدكتوراه لجعل الرئيس مادة بحثهم لنيل تلك الدرجات ’وعليه فإن ترك الرئاسة سيتيح للرجل فرصه ذهبيه لتدوين مذكراته السياسية ونشرها في سلسة كتب قد تساهم في إثراء التجربة السياسية في اليمن , هذا فقط في حال احترام الرئيس لوعده وعليه فإنك يا سيادة الرئيس على مفرق طرق فاختر لنفسك فأنت " الخصم والحكم " .


في الأربعاء 14 يونيو-حزيران 2006 10:42:28 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=250