لماذا أصبحت القاعدة اتهام "القاعدة"؟
دكتور/فيصل القاسم
دكتور/فيصل القاسم

ما أن "يفقع" بالون في يد طفل يلعب في إحدى روضات أوكيناوا في أقاصي اليابان حتى تبدأ وسائل الإعلام العالمية تتحدث عن دور لـ"القاعدة" في هذا "العمل الإرهابي الفظيع". فتقطع التلفزيونات بثها لتعرض لنا شظايا البالون المتناثرة في الجو، وتبدأ العدسات تركز على الطفل المسكين الذي طالته يد الإرهاب اللعين. وبعد لحظات يخرج خبير من هنا وآخر من هناك على الشاشات العالمية ليحلل لنا أبعاد ذلك الفعل "القاعدي" الرهيب: ألا يمكن أن تكون دبابيس بن لادن قد عبرت البحار والمحيطات، وفجرت بالون الطفل الياباني الوديع، وعادت سالمة آمنة إلى "قواعدها" في منطقة القبائل الباكستانية؟ لم لا؟ كل شيء جائز عندما يتعلق الأمر بـ"القاعدة".

فلو حدث أن "شونغ بان تي" في جنوب غرب الصين قد أطلق الرصاص على زوجته بعد أن قبض عليها في الجرم المشهود مع رجل آخر لقالوا لنا على الفور إنها ألاعيب إسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وإن الطريقة التي أطلق فيها الزوج المخدوع الرصاص على زوجته الخائنة تذكر بأساليب "القاعدة"، خاصة وأن الرصاص أصاب الزوجة في "قفاها".

ولو حدث أن اسطوانة غاز قد انفجرت في بيت جارتنا "أم هايل" لسارعت الأوساط السياسية والإعلامية في العالم إلى اتهام "القاعدة"، علماً أن "أم هايل" المسكينة لا تعرف كوعها من بوعها، فما بالك أن تكون مستهدفة من "القاعديين". ولو سألتها عن "القاعدة" لربما ظنت أنها الصينية التي تضعها تحت المدفأة في فصل الشتاء حتى لا يتسرب المازوت إلى السجادة تحتها. وربما عرّفت "القاعدة" بأنها كنتها زليخة "المفعوصة" التي ترفض مساعدتها في جلي الصحون والملاعق، وتكنيس الدرج، وإطعام الدجاجات، وحلب البقرات، وتفضل مشاهدة المسلسلات المكسيكية، وبالتالي فهي القاعدة دائماً أي الجالسة الكسولة.

ولو انفجر إطار سيارة "عمو جابر" التي يبلغ عمرها أكثر من خمسين عاماً، ويستطيع أتعس حمار عندنا في القرية أن يسابقها لاتهموا مباشرة "القاعدة" بهذا التفجير الإجرامي الذي "فشّ" دولاب تلك السيارة الأثرية، وعكـّر مزاج "عمو جابر" وحرمه من خمسين ليرة كان سيجنيها من الركاب، لولا أن يد الإرهاب "القاعدي" قد طالت إطار "حنتوره" التاريخي.

ولو مثلاً انفجرت مرارة راعي الغنم "أبو خرمى" التي امتلئت بالحصى والرمل من كثرة أكل الدهن والسمن البلدي لتوجهت أصابع الاتهام فوراً ودون أدنى تردد إلى أهل "القاعدة"، خاصة وأن المرارة أخرجت لدى انفجارها حصى لا يوجد مثيل لها إلا في بوادي قندهار وهضاب تورا بورا، وأن بعض الرمل المنبعث منها قد وجد طريقه إلى خارج الجسم عبر قاعدة الراعي "حشاكم".

ولو فقعت الزائدة الدودية في بطن عارضة الأزياء الألمانية كلوديا شيفر من كثرة تناول المكسرات والأكلات الحامضة لاتجهت الأنظار بسرعة البرق إلى أفغانستان، خاصة وأن وزير الخارجية الألماني قد حذر قبل أيام بأن بلاده ليست في منأى عن إرهاب "القاعدة".

ولو انفجر أحد المذنبات في الجو لما اتهموا إلا "القاعدة"، فانفجار المذنبات وتصادم الأجرام السماوية يرتبط عادة بإرادة فلكية إلهية، وبما أن "القاعدة" تتخذ من الدين شعاراً لها فلا بد إذن من وجود علاقة من نوع ما بين هذا الفعل الفلكي الرباني وأولئك الإرهابيين القابعين في مغارات الجبال والأدغال الأفغانية.

ولو انفجرت عبوة ناسفة بأحد الجنود الأمريكيين في العراق لما كان وراءها إلا ممثل "القاعدة" في بلاد الرافدين، فهذا العمل الإرهابي الشنيع لا يمكن أن يقوم به سوى "القاعديين" الأشرار، علماً أن تقريراً أمريكياً صدر قبل فترة يقول بالحرف الواحد ونقلته حتى المواقع الأمريكية والعربية الحليفة لها إن خمسة وسبعين بالمائة من العراقيين يؤيدون عمليات المقاومة في العراق، ويدعمون المسلحين. مع ذلك لا بد من إلقاء اللوم على "القاعدة". كل انفجار بسيط في العراق يعزونه إلى "القاعدة"، حتى لو كان مجرد غازات مضغوطة خرجت من قاعدة جندي أمريكي بعد تناول وجبة عراقية ثقيلة لم تعتد المعدة الأمريكية الهامبرغرية على أكلها وبالتالي يصعب هضمها بسهولة.

ولا أدري إذا كانوا سيتهمون "القاعدة" فيما لو انفجر أحدهم ضاحكاً بعد أن شاهد مسرحية كوميدية لعادل إمام أو دريد لحام؟ ربما، من يدري، فأي انفجار مهما كان نوعه لا بد وأن يكون مرتبطاً بعمل إرهابي خططت له "القاعدة" ونفذته عن بعد.

لقد أصبحت القاعدة أن تلقي باللوم في كل شيء عنيف يحدث في هذا العالم على ذلك التنظيم المسمى "القاعدة". وكل اتهام آخر مجرد استثناء.

هل يريدوننا أن نصدق أن كل هذه الأفعال الإجرامية الرهيبة التي تجتاح العالم من مشرقه إلى مغربه وراءها تنظيم واحد؟ لا شك أن البعض سيتهمنا مباشرة بأننا من أصحاب نظرية المؤامرة السخيفة، أو من الذين يبرأون المسلمين من تهمة الإرهاب. ولا أدري لماذا كلما قال أحدهم كلمة يتمية لصالح العرب والمسلمين، وحاول أن ينأى بهم بعيداًً عما يسمى بالإرهاب خرج بعض الموتورين ليدحض كلامه، ويؤكد أن الإرهاب لا يمكن إلا أن يكون إسلامياً أو "قاعدياً"؟

أليس حرياً بنا جميعاً أن نستخدم عقولنا بدلاً من ابتلاع الترهات والمزاعم والأكاذيب الإعلامية التي يقصفنا بها الإعلام العالمي ليل نهار، ويقحمها على عقولنا كي تصبح مسلمات لا يجوز الشك فيها؟ أليس حرياً بنا أن نستخدم العمليات الحسابية البسيطة التي تعلمناها في المدارس كأن نقول: واحد زائد واحد يساوي اثنين؟ لا أريد أن أجزم بشيء حتى بتبرئة "القاعدة" مما يحدث من أعمال إرهابية فاشية، لكن ألا يجب علينا أن نضع ألف إشارة استفهام واستفهام حول الأحداث الإرهابية التي نشاهدها على شاشات التلفزيون يوماً بعد يوم وحول الجهات المستفيدة والأهداف المرجوة منها؟

هل يجب علينا أن نبتلع أتوماتيكياً كل ما تقذفه وسائل الإعلام وأجهزة المخابرات العالمية على مسامعنا وأبصارنا؟ هل فكر أحدكم بالجانب الاستخباراتي لتلك الأعمال؟ ألم تقم أجهزة المخابرات العالمية على مدى التاريخ بأفعال رهيبة؟ ألم تصفّ حسابات مع هذه الجهة أو تلك ثم تلبس التهمة إلى جماعة معينة تكون مرتبطة في أذهان الناس بالإرهاب والعنف؟ كم من الجرائم اقترفتها جهات وعزتها إلى أخرى؟ هل نعرف ما يجري في أقبية الأجهزة العالمية من مخططات جهنمية؟ أليس من الخطأ الشنيع أن تنبري وسائل الإعلام العربية والإسلامية إلى تثبيت التهم الغربية لـ"القاعدة" على أنها مسلمات لا يمكن التشكيك فيها؟ ألا تلعب بعض الوسائل دوراً ببغائياً ضد العرب والمسلمين، كأن تبرر قيام هذه الجماعة أو تلك بأعمال عنف كرد للمظالم الواقعة على العرب والمسلمين؟ هل تأكدت وسائل الإعلام العربية والإسلامية من أن "القاعدة" وأخواتها وراء تلك الأعمال كي تجد مبرراً سياسياً لها؟ أليس حرياً بنا أن لا نقع في فخ الإعلام الغربي الجهنمي السعيد جداً بترديدنا لإزعوماته المفبركة؟ ربما يتهمني البعض بالهذيان الآن. ربما أنني أهذي، لكن أليس من الأفضل أن أهذي بدلاً من أكون مجرد برميل لرمي النفايات الإعلامية والسياسية والمخابراتية العالمية؟ هل كل ما يحدث من أعمال إرهابية من فعل جماعة تريد أن تنشر الذعر والدمار في هذا المكان أو ذاك، أم هناك ألف هدف وهدف لتلك الأعمال وربما ستظهر الحقائق بعد عقود بعدما تكون تلك الأعمال قد حققت الغايات المنوطة بها؟

هل سأل أحدكم لماذا لم تستهدف الأعمال "القاعدية" الإرهابية المزعومة إسرائيل حتى الآن، فحتى العملية الإرهابية الخطيرة التي طالت منتجع شرم الشيخ المصري الذي يتردد عليه الإسرائيليون بكثافة قبل مدة لم يسقط فيها ولا إسرائيلي واحد كما ذكر مساعد وزير الخارجية المصري السابق عبد الله الأشعل. وقد ذكرت وسائل الإعلام العالمية، وربما عن طريق الخطأ، أن إسرائيلياً واحداً قد أصيب بجروح طفيفة للغاية، فيما قضى فيها حوالي مئة عربي مما جعل الأشعل يلمح في مقابلة تلفزيونية بأن تكون هناك أكثر من جهة تعاونت لارتكاب ذلك الفعل الإجرامي الشنيع. أيتها "القاعدة" الإرهابية لماذا تتعاملين مع ضحاياك على مبدأ خيار وفقوس؟ لماذا تختارينهم بعناية؟ أم أن الأمر مجرد صدفة؟ هل يعقل أن ترفعي شعار الإسلام ثم لا تستهدفين سوى المسلمين هنا وهناك؟ أم أنك أصبحت كالمنشفة التي يمسحون بها كل الأعمال الإرهابية في هذا العالم لأغراض لا يعرف إلا الله أهدافها ومراميها، وإن كان بعضها واضحاً للعيان، ولا يخفى على أحد. هل يُعقل أن هذا التنظيم الهلامي أصبح يضاهي الاتحاد السوفياتي السابق في قوته وعدائه للغرب؟ بالله عليكم احترموا عقولنا وأريحونا من هذه المهازل الخزعبلاتية السخيفة!

أيها النظام الإعلامي الرأسمالي المهووس بلعبة الاحتكار لماذا ترفض رفضاً قاطعاً أن توزع وكالات الإرهاب العالمي على أكثر من جهة؟ هل تريدنا أن نصدق أن "القاعدة" هي الوكيل الحصري لهذه اللعنة العالمية التي تطال الدنيا من أقصاها إلى أقصاها؟ هل تريدنا أن نصدق أن ما يسمى بالإرهاب محصور في جهة واحدة ألا وهي "القاعدة"؟ لماذا تفرضون قوانين طوارئ وأحكاماً عرفية، وتتلاعبون بحريات الشعوب وأمنها تحت دعاوى محاربة "القاعدة" ؟ لماذا تجتاحون بلداناً، وتروعون شعوبا،ً وتدمرون مجتمعات وحضارات، وتتدخلون بين البصلة وقشرتها بزعم ملاحقة "القاعدة"؟

قد يقول قائل إن الجماعات الإسلامية وعلى رأسها "القاعدة" هي التي تروج لنفسها، وتنسب لحالها القيام بهذه العملية أو تلك. وهي التي ترسل الأشرطة المصورة والاعترافات الصوتية، وتنشر بياناتها على الانترنت. وهذا صحيح. لكن ألم تصبح عملية فبركة الاعترافات المصورة والمسجلة أسهل من شرب الماء. ألم تصبح الانترنت أشبه بمزبلة يمكن أن تكب فيها كل ما تشاء من بيانات وتصريحات واعترافات يصعب التحقق من صحتها ومصدرها ومراميها؟ هل هناك أسهل من وصم أي جماعة بسيطة بأنها إرهابية هذه الأيام؟ ثم من اخترع تلك الجماعات في المقام الأول؟ أليس الذين يلاحقونها ويشيطنونها ويستغلونها الآن؟

لا أحد يشكك في أن "القاعدة" قد تكون مسؤولة عن أبشع الأعمال الإرهابية التي شهدها العالم في السنوات القليلة الماضية، لكن نرجوكم أن ترأفوا بأدمغتنا المسكينة التي أوشكت على الانفجار لكثرة ما سمعت من سخافات وتلفيقات إعلامية وأعمال "قاعدية" ما أنزل الله بها من سلطان! وأرجو أن لا تتهموا "القاعدة" بأنها مسؤولة عن ذلك الانفجار الدماغي لدينا فيما لو حصل. آه لو وقعت يداي عليك أيتها "القاعدة" لمزقتك إرباً إرباً لكثرة ما استغلونك لتمرير المخططات والاستراتيجيات الجهنمية وللتنكيل بهذا العالم المسكين، ولأرحت الدنيا من مشجبك اللعين الذي أصبحوا يعلقون عليه كل شيء، حتى لو كان تفشي الكوليرا في جنوب الفيلبين أو انبلاج ثقب الأوزون فوق الصين ! 


في الثلاثاء 18 سبتمبر-أيلول 2007 12:11:53 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=2549