الفارق بين مجون أصالة نصري وفي أن الجوع كافر !
جمال جبران
جمال جبران

"سيقام في عدن يوم 14فبراير احتفال تحضره فنانة مشهورة بمجونها وهذه دعوة للتفسخ وبدعم رسمي فهل سيجد هذا المنكر الجلل صدى لدى الإعلاميين، أرجو أن يكون لكم دور بارز في السعي لإيقاف هذا الاحتفال لكونه مخالفة شرعية ودستورية، وجزاكم الله عن اليمن خيراً ".  

    

ما سبق هو نص نداء وجهه نائب في مجلس النواب اليمني لجماعة الإعلاميين في البلد يناشدهم فيه المساهمة في إيقاف "منكر جلل" مخالف للشريعة والدستور" تحضره فنانة مشهورة بمجونهاّ. (والمقصود هنا حفل الفنانة السورية أصالة نصري). 

    

يظهر هذا النائب علينا بهيئة الكائن المخول له الكلام في كل شيء وأي شيء واقفاً على سند سماوي إذ يقول ما يقول بلهجة الواثق من أمر يقينية كلامه. 

    

يرتدي معالي الأخ النائب في ندائه هذا جلباب المفتي وعمامته. إذ أفتى أن قيام ذاك الاحتفال منكر يجب العمل على إيقافه كونه مخالفة شرعية لها أن تكون جالبة لليمن وأهله ما لا يحد أو يقاس من غضب إلهي محقق. في هذه ال"شرعية" يمكننا إقامة جدال لا نهائي حول مشروعية الغناء من حرمته في استدامة لجدال ما يزال على قيد الحياة منذ ظهور الإسلام وحتى يومنا هذا. فلم يحدث أن حصل اتفاق على هذا الأمر عند مختلف المذاهب الإسلامية. 

    

لكن أن يكون الاحتفال مخالف ل"الدستور" فهذه جديدة علينا، لم نصادف مثلها قبلاً! كان على النائب والمفتي والقانوني الجهبذ والمجتهد أن يأتي لنا بنص المادة الدستورية التي تنص على لا شرعية الغناء والاحتفال لا أن يتركنا معذ بين هكذا في حيرتنا نتوق إلى نص نجاة في الدستور ولا نجد! كان عليه أن يكون حصيفاً في ما نادى إليه كما ومتحصناً بما تيسر له من مواد دستورية حتى يكون ظاهراً بحلة العليم الخبير بالدستور ومواده. 

    

لكن أن يقول أن الاحتفال مخالف للدستور ويصمت، فهذا ما لا يمكن استقامته. 

    

وتالياً: هو صرح، أي فضيلة النائب المفتي والقانوني، أن تلك الفنانة مشهورة بـ"مجونها". والله إنها لكبيرة يا أيها النائب المفتي والقانوني. والله أنه لمنزلق وقعت فيه وأنت مشغول بإطلاق أحكامك دونما حاجة لاستعادة دليل أو استحضار مستمسك له أن يكون دليلاً بين يديك على مجونها. لقد قذفت محصنة مسلمة يا رجل. لقد قمت بما لم يقم به حتى نبيك محمد الذي أدار ظهره المرة تلو الأخرى، للمرأة التي أتته تطلب تطهيراً لها من فعلة رأتها ذنباً ينبغي التطهر منه في حين نظر هو للمسألة كدرس رغب في بيانه لصحابته ويذهب في إبراز صعوبة إثبات مثل هكذا أمر. 

    

وبالتالي جعل أعراض المسلمين في حماية من أن ينالها أي اتهام عابر قد يرغب مصلحة لنفسه أكثر مما يريد مصلحة للإسلام وأهله. هل أطلقت اتهامك لها بـ"المجون" على أساس اعتبارك أن الغناء مجون هذا عل الرغم من كل ذلك الكلام الجدلي الذي دلق حول حرمة الغناء والانقسام الدائر حوله من ظهور الإسلام وحتى يومنا هذا؟ كيف اختزلت الأمر إذن بمجونها وعبر رسالة sms واحدة لم تتعب كثيراً في كتابتها على شاشة جوالك ذي النغمات والكاميرا المصحوبة بتقنية البلوتوث، جوالك الإفرنجي القادم إليك من بلاد المجون والكفر؟ 

    

لقد قذفت محصنة يا رجل بضربة واحدة وبضمير نائم على استراحة باله، كان عليك على الأقل بما أنك لم تعط أهمية لوجوب امتلاكك لثلاثة شهود بمعيتك كيما تقوم بإثبات مجونها كما ومشاهدة الميل غارقاً في المكحلة، كان عليك وعلى الأقل أن تقول لنا كيف أثبت مجونها، هل جاءك مناد من السماء وقال مثبتاً لك ذاك المجون؟ أم بعث إليك برسالة بلوتوث عبر جوالك الإفرنجي فيه تسجيل لواقعة وقوعها في المجون؟ ما هكذا يا رجل تؤكل أعراض نساء المسلمين، وهي (أصالة نصري) المعلنة لإسلامها حتى وإن ظهر لك عكسه. 

    

وثالثا: وعلى افتراض أن الغناء مجون. أين كنت عند إقامة الفنان العربي راغب علامة لحفل غنائي كبي رفي العاصمة صنعاء، حضره ما يزيد على ثلاثين ألف مشاهد، لماذا لم نسمع لك صوتاً ولم تصدر عنك فتوى أو بيان أو حتى رسالة sms واحدة تدين فيه مجون ذاك الفنان وخروجه عن قواعد الدين الإسلامي؟ هل يعتمد الأمر عندك ويستند على أساس أن ذاك رجل وتلك امرأة، سبب الرذيلة ورأس البلاء البشري وجحيمه؟ أم أن الأمر أكبر من ذلك، ويقول: إن ذاك حفل في عدن وهذا حفل في صنعاء؟ عدن بما هي مدينة مفتوحة للغواية وأرضية متاحة للمجون، وصنعا بما هي مدينة الجامع الكبير ورمز اللون الأبيض؟ 

    

لا أمزج هنا، وأن بدا في نبرتي ما يدل على ذلك، فقط هي طريقة رأيت فيها ملائمة لمثل هكذا كلام صادر عن نائب يفترض امتلاكه لمساحة تفكير لها أن تقوده إلى ما لا ينبغي لا إلى عكسه، وفي هذا الظرف على وجه الخصوص في هذا الوقت الصعب الذي تعيشه البلاد ويعيشه أهلها. في هذا الوقت المكتظ بأخبار تجارة الأطفال والزواج السياحي والظلم الاجتماعي والفساد السياسي والاقتصاد... الخ في حين يذهب ذاك النائب إلى تنقيبه عن مجون فنانة والتنبية إلى ما سيلحق بأبناء الجمهورية اليمنية من عقاب إلهي جراء مجونها. 

    

هل يعيش هذا النائب بعينيين مغمضتين وعليه فلا سبيل لمشاهدة ما يحدث على أرض الواقع هنا؟ أم تراه قد أنجز مهامه الدستورية ولم يعد أمامه غير ملاحقة أسباب المجون وأهله وبحث كافة السبل الكفيلة باجتثاثه من جذوره؟ 

    

صراحة لا أجد كلاماً أكثر مما قلته إذ والحالة عصية على الفهم كما وتدخل في باب العبثي والهزلي. 

    

هذا ونحن نشاهد البعد الشاسع بين انشغالات الناس وبين انشغالات هذا النائب الجهبذ المسكون بهاجس بيان الفارق الفاصل بين الخيط الأبيض والخيط الأسود من الفجر، المنشغل عن ضرورة إيجاد الفارق بين الضروري واللا ضروري، عن التوقيت المناسب الذي ينبغي تعيينه حال قول وإثبات موقف عن الأمور التي ينبغي تقديمها من تلك الواجب تأخيرها. أفلا ينظر جلياً وبعقلية مسؤولة منتبهة أن أمر إشباع بطون مسلمة جائعة أهم عند الله وأكرم من خوض جدال عقيم حول جواز غناء أصالة نصري من حرمته! 

    

ألا يعلم هذا النائب وجلاب النواب أن الجوع كافر، وأن الظلم كافر، لكن من أين له أن يعلم وهو السائر بعينيين مغمضتين على اتساعهما!.


في الأحد 10 فبراير-شباط 2008 07:51:01 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=3327