قراقوش.. والرئاسات (المشقدفة)

يحدث هذا في نقطة غير مؤشرة على الخارطة.. ربما في دولة جنرالات ماركيز.. أو زعامات شبه جزيرة العرب.. وربما في مشهد متخيل مفترض.. يضع فخامته حذاءه المقدس على صدر شعبه المصدور.. يعتلي أضلاع رعاياه ويمضي.. رويداً.. رويداً.. باتجاه منصة الخطابة.

تقصفات العظام موسيقى خلفية تتمازج مع نحنحة العظيم المفدى.. هكذا يبدا الرئيس (الفصل الأول من خطابه) حديثاً روحانياً عن الطهارة.. عن الورع.. الاستقامة والنظافة. يناغي شعبه (الوضيع)!! وشخصه (السامي)!! يتحدث عن معارضيه اللصوص الفقراء!!.. وسيادته المُثقل بأعباء التخمة ومغص الاستقامة.

:: لم يصدق يوماً وهو المحبوب من شعبه حد الهيام.. ان هناك آخر سواه.. سيخوض منافسة خارج البند الرئاسي الواحد: الرئيس يكسب / المنافس يرقص طرباً بهزيمته / بنجاته.. من شر مهالك وعواقب الفوز على السيد الرئيس!! قبل هذا النهار.. ومنذ حُزم وملفوفات السنين الخوالي.. كان يمضي الوضع كما هي عليه حلبة صراع ديكة.. ديك صاحب الفخامة يكسب دوماً.. قبل قرع جرس الجولة الأولى.. ديك سيادته منشاري المنقار.. مدبب المخالب، قاتل بعد الاضافات والتعديل. فيما الديك الخصم منتوف الريش مثقل بالغصص.. ديك أُريد له ان يكون نموذجاً للتمثيل به.. ورمزاً لعاقبة التحدي وسوء المصير.

غالباً وحتماً ديك الرئيس يفوز..

أحياناً فقط.. يقاتل الديك الخصم ببسالة: الرب واحد.. والموت واحد.. والنهاية واحدة: طنجرة شواء على طاولة الفقراء.. اذاً لا بأس من القتال.. حينها فقط يدخل الرئيس في طور غش ملكي علني آخر.. غش جديد مبتكر.. يستبدل ديكه الرئاسي بشبل أسد.. يدخل مصحوباً بصراخ السادة المشجعين: كم هو ديك فخامته رقيق.. رشيق كم هو كاسر!!

:: من حظائره الى اتباعه.. من ديوكه الى فرقه المجهزة بلياقة قبول الهزيمة.. دون الحاجة الى خوض الغمار.

هكذا كان يعلق على بوابة قصره «ممنوع الفوز» على سيادته بأي مسوغ.. وبأي ثمن.. هكذا كان يكتب على جبهته أنا شعب الله الذي لا يهزم.. هكذا كان يرسم على صدره حيناً عضمتان وجمجمة: وكان غالباً يعلقهما مجسماً حياً.. من جسم محب لفظ تواً انفاسه وتوارى في سبيل السيد الرئىس.

من دونه ممنوع الاقتراب من حافة النصر.. ممنوع البوح بامكانية الفوز.. ممنوع الغمز في الظلام.. على رئيس لا يمكن ان يكون ذات محطة.. رئىساً مخلوعاً.. رئىساً سابقاً!!

:: الرئيس الذي احترف الفوز مدى الحياة.. وكسر أرقاماً قياسية في مصفوفة التسعات.. المتزاحمة على طاولة التلفزة ومآدب الغداء والمؤتمرات الصحافية.. النهب العلني سيكون قادم هزيمته كسر عظم.. دق عنق.. حريقة ربما يشعلها.. الرئيس المؤثث بالفوز الأبدي.. حريقاً حتى سدرة المنتهى.

 وفي سقوط اختياري من فضاء التخيل الى الأرض علينا إقرار التالي:

بينوشيت لم يهزم قط.. ولكنه الآن في قفص بانتظار طلقة رحمة السماء.

- حبري بطل.. لا نعرف بطل ماذا؟ ولكنه ينتظر المحاكمة.. الجنرالات اللاتينيون يتساقطون الآن تباعاً.. لا شيء سوى الهزيمة في انتظار ما تبقى من كل الرئاسات (المشقدفة)..

إنه الأغبى.. إنه الأوقح

قصف عشوائى غير مركز.. اعتداءات هستيرية غير محسوبة النتائج والعواقب.. فتح نيران بلا تركيز أو تقدير الابعاد والتداعيات.. كل هذه الأوصاف لا علاقة لها بما يجري في لبنان.. من قصف وتدمير همجي مريض.. الموضوع يتعلق بجنون قضائي ماركة (أبو يمن) منفلت عن أي رابط بقيم ونصوص.. بشكل وروح القانون.

القانون في هذا الحكم الفضيحة يعلق من عقبيه على خطاف جزار بجبة وقميص ومطرقة.. ويعرض الضحية في مسلخ قضائي وعلى ظهره ختم «مجرم رأي».. يتقدم رجل الجبة بساطور ووجه بلا ملامح.. إلا ابتسامة صفراء باردة محايدة:

- ها أفندم.. من أين اقطع لك وصلة حالية.

 

جسم الصحافة في اليمن.. في هذا الموسم الانتخابي.. هو الأكثر عرضة للطلب.. والارفع سعراً في بازار شراء الذمم.. يمكن تشليحها والدفع (كاش ماني) أو بيعها بمنصب أو ترقية.. أو حتى تغيير موديل سيارة وقطعة أرض..

:: لا وقت لمن يعتمر جبة القضاء.. في اتباع الاجراءات الشكلية.. الانتخابات تقرع الابواب.. وكل/ بعض قاضٍ فاتح مسبه.. لاستدرار واستحلاب المزيد من المنافع والهبات. ليس ضرورياً ان تتجشم الصحافة عناء حضور الجلسات.. ليس من الانصاف إرهاق المُحضر.. بطلبات استدعاء وحضور.. ليس من الحكمة اشغال المحامين.. بكتابة دفوع واستشكالات قانونية.. ليس من الحصافة هدر كل هذا الوقت والجهد والمال.. لماذا يحدث كل هذا والحكم جاهز.. فقط يعلنه القاضي بتثاؤب وصلافة ومسحة من (اللاذوق) القانوني.

حكم اكسبريس.. سريع عابر للمسافات.. بلا وجع رأس و(طعفرة) دراهم.. الاستحقاق الرئاسي يطرق الابواب.. وعلى بعض الاقلام أن تكسر.. على بعض الافواه ان تُلجم.. وعلى بعض الصحف ان تخلد للصمت أو تتوارى في الثرى.. في حفرة حكم قانوني يلزم رئيس تحريرها بالملايين.. وبتأخير خلايا تفكيره سنة الى الوراء.. أي عليه ان لا يكتب لعام.. ان يرهن قناعاته لدى قائم ثلاجة موتى، حتى يغادرنا هذا الاستحقاق الاستئصالي غير النبيل.

الى صاحب الجبة والمرفع.. المطرقة والحكم البات اعلن:

يمكن ان تصادروا الخبز.. يمكن ان تقرصنوا العمر.. يمكن ان تدهسوا ما تبقى لنا من حياة.. يمكن أن تعطلوا الأماني.. تجمدوا عقارب الزمن لبعض الوقت.. يمكن ان تفبركوا وتطبخوا ملفات (....) على عجل.. يمكن ان تنزعوا ختم الوطنية من ظهر قميصنا.. الشيء غير الممكن.. الفعل المستحيل.. التحدي الارعن: ان تحيلوا أقلامنا الى صندوق نفايات حكومي.. ان تعلنوا أننا اقلام كاسدة متقاعدة.. فائضة عن الحاجة والمقدرة.. المستحيل ان تطلبوا بفرمان غبي بليد الكف عن التفكير.. عن الكتابة.. عن الحياة.

نحن هنا وسنظل هنا شوكة الحنجرة وفي طليعة المفرزة.. نحن هنا بلا طلق ناري.. أو أسلحة أو أدوات حادة جارحة.. نحن هنا في خندق المواجهة الأولى نقاتل: بورد وحبر.. وبامتداد غصص خارطة البلاد.


في الأربعاء 26 يوليو-تموز 2006 09:34:48 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=372