التزكية أفلتت فهل تفلت البلاد؟
على الصراري

لم يحصل الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) هذه المرة على فرصة ممارسة التبجح عند تقدم المرشحين للانتخابات الرئاسية للحصول على نسبة التزكية من الاجتماع المشترك لمجلسي النواب والشورى..

كان الأمر مختلفاً في الانتخابات الرئاسية لعام 99م، إذ أنه ولعدة أشهر ظل قادة الحزب الحاكم يدعون المعارضة وبتبجح ثقيل لمنافسة مشرحه، وظلوا يؤكدون في أحاديثهم الصحفية، وفي لقاءاتهم مع سفراء الدول الغربية بأنهم على استعداد لتزكية مرشح المعارضة لخوض التنافس الرئاسي، لأن المعارضة ممثلة آنذاك بمجلس التنسيق الأعلى (قبل أن يحزم التجمع اليمني للإصلاح أمره وينتمي كلية لمعسكر المعارضة) لم تكن تمتلك نصاب التزكية من أعضاء المجلسين، ومع ذلك تقدمت بمرشحها لتأكيد قبولها التحدي..

ولكي لا تتحول العملية الانتخابية إلى تنافس جدي جبن الحزب الحاكم عن تزكية مرشح المعارضة، وحول الانتخابات إلى عمل من أعمال التسلية يتنافس فيها الحصان مع ذيله، وحتى هذه اللحظة تتستر الدوائر النافذة في هذه البلد على النتائج الحقيقية التي حصل عليها كل منهما، إذ أن فوز الحصان على ذيله –كما أعلن- غير مؤكد بالدليل الثابت والموثق..

ولم يكن وارداً أن يثار اللغط حول النتائج الحقيقية لانتخابات 99م، لأن عدم منح مرشح المعارضة تزكية المجلسين، قد بين النوع الذي تنتمي إليه تلك الانتخابات، ولم يكن العالم يرغب بتعريض نفسه للسخرية فعزف عن مراقبة الانتخابات تلك، وأحجم عن الحديث عنها، باعتبارها مسرحية عربية أخرى، غير مفيدة، وخالية من الإقناع.

منذ بدء الاستعدادات لمرحلة تزكية المرشحين في هذه الانتخابات كان الحزب الحاكم يعلم أن التحكم بشرط التزكية سقط من يده، إلا أن بعض قادته أدلوا بتصريحات صحفية قالوا فيها بأنهم قرروا منح عدد من أصواتهم لتزكية الأستاذ فيصل بن شملان مرشح اللقاء المشترك خشية أن لا يزكيه ممثلو المعارضة، وبهذا يضمن الحزب الحاكم انتخابات تنافسية، إلا أن هذا النوع من التصريحات بقدر ماخلا من التبجح، فقد جاء محملاً بالدس والوقيعة، ولسوء حظ مطلقي هذا النوع من التصريحات خاب مسعاهم، ولم ينتبه إليهم أحد إلا بإيماءات سريعة وساخرة.   

 

والحقيقة أن اللقاء المشترك في مجلسي النواب والشورى حصد أصواته كلها وفق خطته، وزاد عليها ما لا يقل عن عشرة أصوات سحبها من رصيد المؤتمر بدون رغبته أو موافقته، وإنما فعل هذا أصحاب تلك الأصوات، لأنهم التفتوا إلى ضمائرهم، واستجابوا لندائها، غير عابئين بالتوجيهات التي صدرت إليهم بتبني تزكية ثلاثة مرشحين فقط، الأول علي عبدالله صالح مرشح المؤتمر، والثاني أحمد عبدالله المجيدي الذي جاءوا به للتشويش على موقف الحزب الاشتراكي وبذر بذور الشك بينه وبين بقية أحزاب اللقاء المشترك، والثالث ياسين عبده سعيد المرشح باسم معارضة المعارضة وهي مجموعة من المسميات المفرخة في أقبية الأجهزة الأمنية..

والحال أن الحصان في الانتخابات الرئاسية القادمة لم يعد قادراً على الخروج في نزهة يستطيع فيها إحراز الفوز على اثنين من ذيوله، هذه المرة فرض عليه اللقاء المشترك سباقاً جدياً مع منافس قوي تتوفر له كل عوامل وأسباب النجاح، وخلال هذا السباق لن يلتفت أحد لذيلي الحصان، لأنهما مصنوعان لدور ثانوي في تمثيلية ركيكة، أما وأن الساحة مهيئة لتنافس حقيقي فإن وجودهما لا معنى له..

لقد كان بمقدور الحزب الحاكم أن يحصل على ميزة نسبية، فيما لو أنه عدل عن تزكية اثنين من ذيوله إلى تزكية واحدة من النساء المتقدمات إلى الانتخابات الرئاسية، إذ كان يستطيع عن طريق امرأة يتبنى ترشيحها أن يزايد أمام المنظمات الدولية، وبالتالي يحصل على قدر من التعاطف الخارجي هو بأمس الحاجة إليه، وعلى وجه التحديد في الوقت الراهن بعد أن ساءت سمعته بشكل خطير، وهبطت إلى مستوى الحضيض..

على أن الحزب الحاكم لم يكن غافلاً عن خطورة إفلات شرط التزكية من يده، وبعد أن تأكد له عزم الحزب الاشتراكي والتنظيم الوحدوي على خوض تنافس رئاسي معه في عام 99م، قرر أن يحرمهما من نصاب التزكية بمنع مرشحيهما من الوصول إلى البرلمان في انتخابات 2003م إلا بنسبة تقل عن الحاجة للوفاء بشرط تزكية منافس للرئاسة، وآنذاك لم يحسب حساب التجمع اليمني للإصلاح، وما يمكن أن يمثله في المعادلة السياسية القائمة في هذا البلد..

والواقع أن تغييرات مهمة طرأت على الوضع السياسي فشل الحزب الحاكم في إيقافها، أو في التأثير عليها ودفعها نحو مسار مختلف، فالتجمع اليمني للإصلاح شب عن الطوق. وانتقل إلى ساحة المعارضة البديلة، ولعب هذا الانتقال دوراً ثورياً في تغير ظروف وشروط اللعبة السياسية في اليمن..

وقد رأينا كيف تسارعت التطورات بتأثير خروج الإصلاح إلى جبهة المعارضة، إذ تحقق ولأول مرة في تاريخ اليمن وربما في المنطقة العربية كلها نشوء تحالف عريض لقوى المعارضة يمثل العناصر الرئيسية لمقومات الوحدة الوطنية والاجتماعية، واستطاع هذا التحالف النوعي الجديد الذي حمل إسم "اللقاء المشترك" أن ينجز ثلاث مهمات رئيسية في وقت وجيز، تؤهله لقيادة تحول تاريخي في اليمن، إيذاناً ببدء عصر جديد يشمل المنطقة العربية كلها.. إذ نجح في وضع برنامج سياسي استراتيجي (مشروع اللقاء المشترك للإصلاح السياسي والوطني الشامل) أولاً، ووضع لائحة تنظيمية مرنة لهذا التحالف العريض ثانياً، وثالثاً اختيار مرشح واحد لخوض الانتخابات الرئاسية ممثلاً بالأستاذ فيصل بن شملان، أفضل ما لدى اليمن من كفاءة ونزاهة..

لقد أفلت شرط التزكية من يد الحزب الحاكم، وهذا بداية الطريق لأن تفلت البلاد كلها من قبضته..


في الجمعة 04 أغسطس-آب 2006 06:33:56 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=394