|
تحدث الرئيس هادي إلى صحيفة عكاظ، في الثالث من مارس الجاري، عن أمور كثيرة تتعلق بالشأن اليمني.
في حديثه إلى الصحيفة استطاع هادي -بتلقائية- أن يركب ذيلاً طويلاً للرئيس السابق صالح، إذا ما استعرنا تعبيراً شهيراً لماركيز حول الجنرال بينوشيه. في الصورة الأكثر جدة لصالح نجد الرجل، كما يروي هادي، يقهقه في مجلسه ويتبادل النكات مع رفاقه، فيدخل هادي عليهم. كان هادي قد رفض، قبل أيام قليلة، خطة عسكرية للهجوم على ساحة التغيير، ربيع 2011، أصر صالح على أن يوقع عليها هادي إلى جوار توقيعه. وهو يغمره بنظرات غاضبة خاطبه صالح: "ستندم". في ذلك المساء، عندما سأله هادي عن سر فرحه والأخبار السعيدة التي يحملها أجابه صالح، مُظهراً نشوة رجل كسب رهاناً ثميناً، قائلاً: سيطرت القاعدة على أبين.
أبين هي المحافظة التي قدم منها هادي إلى صنعاء، وهناك مصالحه وعشيرته. اختارت القاعدة أولاً محافظة الرجل الذي رفض التوقيع على خطة للهجوم على ساحات الثوار. تتحرك القاعدة، كما أكدنا مراراً، وفقاً لرغبات صالح واحتياجاته. سبق لمسؤول كبير في القاعدة أنْ قال في العام 2010 إن التنظيم لا يجد حرجاً من العمل مع الطاغية إذا تلاقت الأهداف. رواية هادي هذه تكشف جانباً مستوراً من الرواية التي قدمتها لجنة العقوبات الدولية إلى مجلس الأمن. في الرواية الأممية قرأنا، تحديداً في المادة 65، كيف اجتمع صالح بالقيادي القاعدي "سامي ديان" في حضرة وزير الدفاع، وطلب صالح المباشر إلى وزير دفاعه: تسليم المدينة للتنظيم.
ثمة مستوى آخر من "صالح" في حديث هادي الأخير إلى عكاظ. فقد هاتَفَ الأولُ الأخيرَ في العام 1999 وطلب منه الذهاب إلى شبوة. حدد صالح أيضاً أسماء الذين على هادي اصطحابهم معه "خذ معك فلاناً وفلاناً". تأجلت الرحلة لوقت قصير كان كافياً لحدوث انفجار كبير قبل وصول هادي وفريقه. قال هادي بثقة: كان صالح ينوي اغتيالي.
وإذا عدنا إلى العام نفسه، أغسطس/آب 1999، فسنرى هادي بصحبة كبار القادة وهم يستقبلون جثامين ١٧ ضابطاً عسكرياً كبيراً، بينهم محمد إسماعيل وأحمد فرج، وهما من كبار رجال الجيش في ذلك الوقت. لقي ذلك الفريق الكبير من القادة حتفهم في انفجار طائرة هيليوكابتر في منطقة العبر، حضرموت. أصدرت وزارة الدفاع تقريراً عن الحادثة قالت فيه "وقع خلل فني أدى إلى التفاف حلزوني سريع للطائرة وسقوطها عمودياً". لم يتحدث هادي بمزيد من التفاصيل، فهو لم يذكر أسماء الذين طلب منه صالح اصطحابهم. لذلك لا يمكننا الجزم بما إذا كان بعض الذين نجوا مع هادي قد لقوا حتفهم بعد ذلك في مروحية العبر. تبقى هذه الفرضية قائمة، ومحتملة.
صورة أخرى لصالح عرضها هادي "كان تاجر سلاح". تحدث هادي أيضاً عن قوافل السلاح التي كان صالح يزود بها الحوثيين أثناء حروبهم مع الجيش. ربما أراد هادي أن يقول إن صالح كان يبيع السلاح أيضاً للحوثيين. فهو تاجر سلاح قبل كل شيء، والحوثيون لديهم نوايا عميقة للخلاص من قادة الجيش اليمني وفي المقدمه منهم خصوم صالح في الجيش، وخصوم نجله. في واحدة من وثائق ويكيليكس التي ترجمتها صحيفة المصدر 2010، يقول تقرير صادر عن السفارة الأميركية في صنعاء، إن صالح لا يريد للجنرال محسن أن ينتهي من حروب صعدة. فهو، من ناحية، يأمل أن تؤدي تلك الحرب إلى مقتل الجنرال وبذلك يكون قد خلص من خصم قوي. أو أن يتورط الجنرال في حرب دموية تقضي على صورته الاجتماعية ومستقبله السياسي، وذلك هدف ثمين بالنسبة لصالح.
وقف المتحدث باسم عاصفة الحزم، قبل أشهر، وقال في تقريره الصحفي: لقد حوَّل صالح اليمن إلى مخزن للذخيرة. أما رجال الجيش، الذين تحولوا إلى لاجئين، فقالوا إن اليمن كان بالفعل مخزناً يضع فيه تاجر السلاح "صالح" بضاعته، قبل أن يوزعها على العملاء في اليمن وإفريقيا وأماكن أخرى.
قبل أعوام تدخلت ألمانيا، كما تقول المصادر في سفارة اليمن في برلين، وأوقفت صفقة سلاح كبيرة قدرت بما يقرب من نصف مليار دولار. التدخل الألماني حدث بناء على تقارير استخباراتية ألمانية تقول إنه من غير المؤكد أن السلاح، القادم من مصانع شرق أوروبا، سيصل إلى الجيش اليمني. وأن ثمة شكوكاً عميقة في إمكانية أن يذهب إلى جهات أخرى لا علاقة لها بالجيش، ومن المحتمل أن يصل إلى جماعات ميليشوية وإرهابية.
الصورة الأخيرة لصالح، كما يرويها هادي، تلقي مزيداً من الضوء عن طائر الخراب، كما يسميه الروائي العربي حبيب سروري..
*نقلا عن هافينغتون بوست عربي
في الأحد 06 مارس - آذار 2016 10:47:40 ص