بطولات وهمية
سعيد النخعي
سعيد النخعي
 كلما أقرأ ، أو أسمع عن بطوﻻت عيدروس الزبيدي ، وشلال شائع ، أتذكر بطوﻻت علي احمد ناصر عنتر التي كان يرويها لنا ونحن صغار في خطبه ومحاضراته ، ابتداء من أكله للدوم وإنتهاء باسقاطه الضالع بأربعين مقاتل فقط ، حتى أنك وأنت تسمع لحديث الرجل عن النضال والثورة ، يخيل إليك أنه رمزا من رموزها ، وقائدا من قادتها العظام الذين أشعلوا شرارتها الأولى ، لأن الرجل استطاع أن يحول هذه القصص والخرافات إلى مآثر تروى ، وتاريخ يدون ، واستطاع تحويل هذه الأكاذيب إلى مسلمة من المسلمات التاريخية للثورة بالنسبة للأجيال المعاصرة ، فكيف إذا عرفت هذه الأجيال أن الرجل كان مقتربا في دولة الكويت حتى عام 1965م؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ أي أنه لم يكن موجودا طيلة ثلاث سنوات من عمر الثورة التي انطلقت في 14أكتوبر 1963 م وانتهت في 30نوفمبر 1967م ، أي أن الرجل نام في مهجره ثلاث سنوات ولم يعد إﻻ وقد أدلج الناس ، لكن قدرة الرجل الإعلامية ، والتفاف بني جلدته حوله ، وإسرافهم في ذكر مآثرهم ، والتغني ببطوﻻتهم ، أقنعوا الجميع بأن علي عنتر قائدا من قادة الثورة ، ورمزا من رموزها ، ورددت معهم الغوغاء هذه البطوﻻت دون أن تكلف نفسها عناء البحث عن تاريخ الرجل ، وتاريخ الجبهة التي كان يزعم أنه يقودها .
 ظهر عنتر ، وأختفى القادة الحقيقون للثورة فلم تسمع الأجيال عن مآثرهم وﻻحتى باسمائهم ، وكما استئثرت بعض التنظيمات بتاريخ الثورة كالجبهة القومية ، وبلغ صيتها الآفاق على حساب بقية التنظيمات السياسية كجبهة التحرير ، والرابطة ، وغيرها من القوى الوطنية ، لمع نجم بعض المناطق على حساب مناطق أخرى ، كصعود نجم الضالع حساب ردفان ، إذ كانت الأخيرة هي موئل الثورة الأول ، ومكان إنطلاقتها ، فتوارات ردفان بجبالها ورجالها وراء سحاب التضليل الإعلامي الزائف بعد أن استطاعت سحب الدخان الإعلامية أن تواري خلفها مآشهدته صخور جبال ردفان من مآثر ، وما سطره رجالها من بطوﻻت بعد أن سحبت الضالع خلسة بساط الثورة ، فتسلقت هرم السلطة على حساب تاريخ لم تكن جزءا منه ، ولم تشارك في صناعته ، ومع هذا التحول استطاع المتسلقون تحويل قبلة الثورة من قمم جبال ردفان الشماء إلى قمم جبال الضالع الصماء .
واليوم الأبناء على خطئ الأباء سائرون ، فكما أتى الأباء من المهجر متأخرين ، أتى الأبناء من الداخل متأخرين أيضا ، ولكن تأخرهم هذه المرة بسبب موقف سياسي وهو (أن الحرب ﻻتعنيهم) لأن الحوثي سيسلم الجنوب لهم بعد تصفية حسابه مع خصومه ، وسيتم ذلك برعاية إيرانية ، على اعتبار أنهم وأنصار الله خرجوا من مشكاة واحدة ؛ مشكاة الضاحية الجنوبية التي يكاد سناء نورها يذهب بالأبصار ، أتوا كالعادة متأخرين ، ولكنهم كالعادة أيضا حركوا المكينة الإعلامية العريقة ، واستطاع الأبناء سحب البساط من تحت أقدام ثوار عدن كما استطاع الأباء سحب البساط من تحت أقدام ثوار ردفان ، فتوارت عدن وابطالها اليوم من المشهد السياسي كما توارت بالأمس ردفان وأبطالها من المشهد السياسي والتاريخي معا ، فتوارت التضحيات العظيمة ، والبطوﻻت الأسطورية التي سطرها أبناء الجنوب في أزقة وشوارع العظيمة عدن ، خلف الدخان المتصاعد من مكينة الضالع الإعلامية التي خلفت ورائها ركاما من الدخان الكثيف حال دون رؤية تضحيات الجنوب من باب المندب إلى المهرة ، فحال دون أن يرى المشاهد الخارطة الجنوبية كاملة ماعدى تلك الرقعة الجبلية القاحلة التي ضمت إلى الجنوب بموجب اتفاقية عام 1934م بين بريطانيا العظمى والمملكة المتوكلية .
فلم يسمح ضجيج هذه المكينة الإعلامية للسامع أن يسمع عن بطوﻻت القادة والأبطال الذين سطروا أروع الملاحم على أسوار عدن ، بعد أن ملأ زوايا المكان وأركانه ضجيج بطوﻻت عيدروس الزبيدي وصدى مآثر شلال شائع ، و ضوضاء جبهة الضالع ، فبدت بطوﻻت أبناء الجنوب مجتمعة شمعة باهته إمام الأضواء الإعلامية الكاسحة لمديرية الضالع ، فعدن التي انتصر عفاش يوم دخوله إياها، وانهزم يوم خروجه منها ، ﻻتبدو اليوم رمزا لانتصاره ، و ﻻ عنوانا لكبريائه ، بعد أن أعاد المهرجون في زمن قياسي كتابه تاريخ ﻻيزال الذين صنعوا أحداثه أحياء يرزقون .


في الأربعاء 15 يونيو-حزيران 2016 01:29:54 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=42391