الدكتور فؤاد الصلاحي : التوريث في اليمن أمر ممكن وفق الملامح السياسية القائمة حالياً
مارب برس
مارب برس

قال أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء والباحث الأكاديمي اليمني الدكتور فؤاد الصلاحي إن الوحدة في اليمن ليست في خطر. واعتبر الصلاحي في حوار خاص وشامل مع موقع "آفاق" بواشنطن ان الخطر الحقيقي هو في فشل النخبة الحاكمة في ترجمة معانيها. ورأى في تأسيس هيئة للأمر بالمعروف في اليمن "علامة انهيار المشروع المدني للدولة الذي أعلنته دولة الوحدة".

وأكد الصلاحي على قوة التيار الليبرالي في اليمن وقال "المشهد السياسي اليمني يزخر بأفراد عديدين لهم قناعة بالفكر الليبرالي". وأشار إلى أن اللقاء المشترك المعارض يمثل خطوة أولى نحو التحول من الايدولوجيا إلى السياسية بمنطقها البراجماتي.

وفيما يلي نص المقابلة :

آفاق: ثمة إجماع على وجود أزمة يمنية مستعصية وخطيرة أنت ومن وجهة النظر الأكاديمية المتخصصة كيف تقرأها وكيف تضع محدداتها وما هو السبيل برأيك لتجاوزها ؟

الصلاحي: من الأمور التي أصبحت محل إجماع في الدولة والمجتمع أن اليمن يعاني من أزمات – وليس أزمة واحدة- متراكمة وهي أزمات مركبة ومعقدة وصلت الى حد أنها إشكالية مستعصية الحل في الأمد القريب خاصةً باعتماد المعالجات السطحية التى تقرها الحكومة والحزب الحاكم فاليمن تعاني من أزمات سياسية متراكمة منذ ماقبل الوحدة وتصاعدت وتيرة الازمات مع حرب صيف 94 ثم أزمات اقتصادية كانعكاس للتحول نحو اقتصاد السوق دون رؤية عقلانية لهذا التحول الأمر الذي أفرز معه مشكلات اجتماعية بالغة الخطورة حيث تزايدت معدلات الفقر والبطالة وتعكر المزاج العام في المجتمع خاصة مع تزايد مظاهر الفساد وغياب القانون .

ولا تزال الحكومة والحزب الحاكم في اعتماد مقاربات جزئية ومُسكنات موضعية لهذه الأزمات بل أنهما معا يجيدان خلق الأزمات ومراكماتها دون القدرة على اعتماد معالجات ناجعة . وكلما تصاعدت الاصوات المعارضة داعية الى حل الازمات عبر حوار وطني شامل نظر الحزب الحاكم الى ذلك بانه مجرد أصوات زاعقة طالما انها لاتؤيد السياسات القائمة . الجدير بالذكر أن تعقد الأزمات التي تعاني منها اليمن وعدم قدرة الحكومة والحزب الحاكم على معالجاتها أدى بالكثير من مؤسسات البحث العالمية الى النظر الي اليمن يانها دولة فاشلة.

آفاق: هل تعتقد إن العقود الماضية قد أفلحت في جلاء النظام الإمامي وكيف تقرأ الاستحضار الرسمي المستمر لهذه المسألة وخاصة خلال حروب صعدة الخمس ؟.

الصلاحي : لم تستطع النخب الحاكمة في اليمن منذ الستينات وحتى اليوم اعتماد مسار ترسيخ الجمهورية بدلالاتها السياسية والثقافية والرمزية حيث الممارسات اليومية من مختلف مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والإدارية تحيل المواطن الى المقارنة مع النظام الإمامي.

ومن ناحية أخرى لما كانت الحكومات المتعاقبة وخاصة القائمة حاليا ليس لديها مشروع حداثى عام يستوعب كل أبناء الوطن في أجندته ومع فشل برامج التنمية وعدم تحديث الريف اليمني حيث لايزال جميع سكان الريف 76% يعيشون خارج المظاهر الحداثية والحضرية فان كل ذلك يقلل من مشروعية النظام السياسي الحاكم هنا يلجأ هذا النظام الى استحضار أعداء من الداخل والخارج سوء كان لهم وجود حقيقي أو وجود وهمي واعتبار المعركة معهم ذات أولوية من معركة التنمية والبناء وهنا يتم استحضار الإمامة وأعوانها باستمرار تارة واستحضار الانفصاليين تارة أخري وتارة ثالثة المؤامرات الخارجية دون تحديد لهوية صانعيها وكل ذلك في نظري ليس إلا تغطية لفشل الحزب الحاكم في برامج التنمية وفي ترسيخ دولة المواطنة المتساوية وهذه الأخيرة يتم الحديث عن غيابها بعد حرب صيف 94 ليس في جنوب اليمن بل في مختلف مناطق اليمن .

آفاق:هل الوحدة اليوم في خطر كما يقال؟ وهل الخلل في بداياتها أم في الحراك الجنوبي وآثار 94م أم ماذا ؟ وكيف تقرأ مستقبل الوحدة عموماً؟.

الصلاحي: لا يوجد أي خطر على الوحدة لامن قريب ولامن بعيد والخطر الحقيقي هو في فشل النخبة الحاكمة في ترجمة معاني الوحدة ودلالاتها في ترسيخ دولة النظام والقانون وتحقيق عدالة اجتماعية وتكافؤ الفرص ومكافحة الفساد ومن خلق حالة سيكولوجية تعكس قدراً من الاطمئنان إلى الدولة وبالمستقبل.

ومعنى ذلك إن الخطر الحقيقي الذي يتهدد الوحدة اليمنية ليس من الخارج وليس من دعوات الانفصال بل من الممارسات السياسية والأمنية والإدارية الخاطئة والتي تعكر المزاج العام في المجتمع وتولد حالة من الاحتجاج الجماعي ومن ثم يتولد عن كل ذلك رغية في العودة الى ماقبل 90م فالسياسات الخاطئة وبروز مظاهر الفساد وغياب المواطنة المتساوية كل ذلك يخلق مناخاً للانقلاب على الوضع القائم وهناك من لديه مصلحة في دعم هذا التوجه خاصة من الجيران الذين لديهم موارد مالية ضخمة. فالوحدة بذاتها ليست صنم للعبادة هي هدف تحقق في مرحلة زمنية ولابد من اعتبارها وسيلة لجمع الثروات والجهود الوطنية لبناء الدولة والمجتمع وفق مظاهر الحكم الرشيد وتحقيق المواطنة المتساوية . فلايمكن قبول الوحدة من زاوية من يحصل على الثروة والسلطة واحتكارهما وإقصاء الآخرين عنها .

آفاق: للمكان ثقافة ماذا عن هذه الثقافة ومدى إسقاطها على الوضع في الجنوب وأزمته؟.

الصلاحي: الجنوب اليمني أصابه غُبن وأسى كبيرين فقد قدم للوحدة الشيء الكثير من الأرض والنضال والتاريخ والإنجازات وتم إقصاء كل ذلك في حرب صيف 94م.

وأنا هنا أؤكد على أهمية الوحدة وأنها قدر ومصير الشعب كله وأننا في شمال اليمن نعاني أزمات اجتماعية واقتصادية وممارسات طائفية أكثر مما يعاني في الجنوب. وهنا أنظر إلى الحراك السياسي والاحتجاجات في الجنوب على أنها رد فعل طبيعي للمارسات السياسية الخاطئة من النظام الحاكم وبأن الجنوب خلال الثلاثين السنة الماضية للوحدة تشكلت لديه ثقافة المقاومة والتحرر عبر نضال سياسي ومقاومة مسلحة ضد الاستعمار ومع دولة الحزب الاشتراكي 67-90م تشكلت شخصية اعتبارية في الجنوب عززتها التجربة السياسية بغرس مفاهيم الدولة والحداثة في الوعي الفردي والجمعي لدى غالبية سكان الجنوب.

هنا أحسّ أبناء الجنوب بصدمة مخيبة للآمال من أوضاع فاسدة لا تحترم المواطنة المدنية، حيث الفرد في الشمال (حاشد خصوصا) قيمته في إطار عصبيته القبلية والعشائرية وهي أمور كان قد تم تجاوز الكثير من محدداتها في الجنوب.

وهنا يمكن القول أن مدينة عدن بجغرافيتها ومنظومتها الثقافية المدنية المتراكمة منذ أكثر من مائة عام قادرة على هضم الداخلين اليها عكس مدينة صنعاء التى تعزز الطابع القبلي للمهاجر اليها. والحياة المدنية في عدن انعكست في سلوك الأفراد عكس الحياة القبلية المنعكسة في سكان صنعاء فهذه الأخيرة ذات محيط قبلي لايسمح.

آفاق: هل أنت مع أن الشعب في الشطر الجنوبي كان أكثر إيماناً بالوحدة من الشعب في الشمال. وكيف تفسر النزعة الجنوبية الخالصة التي بدت تطفو على سطح الأحداث والمستجدات؟

الصلاحي : كان الجنوب مكاناً لتبلور شعار الوحدة الوطنية على امتداد الساحة اليمنية ولعل شعار الوحدة تم اعتماده سياسيا منذ نهاية الخسينات في عدن حين تحدث عبدالله عبد الرزاق باذيب وحزبه الماركسي آنذاك شعار نحو يمن حر ديمقراطي موحد وكان الحزب الاشتراكي مؤمناً بالوحدة اليمنية وقد أثبت ذلك في كل وثائقه السياسية وقد تبلورت الوحدة عملياً في توحيد الجنوب نفسه في ست محافظات بدلاً من 22 سلطنة ومشيخة وعزز الحزب الاشتراكي أهمية المشترك السياسي الوطني في حين كان الشمال يرزح تحت ثقل الأعراف القبلية والتي لاتزال تعتمد حدود بين القبائل والعشائر وتنشب حروب لأشهر وسنوات لهذه الحدود التى تعتمد مرجعيات قبلية تنتمي الى مرحلة ماقبل الوطنية والدولة الحديثة.

أما عن ظهور خطاب جنوبي يطالب يالانفصال فهذا الخطاب يعكس تذمراً من السياسات الأمنية والفساد الممارس في الجنوب والشمال وفي الجنوب خصوصا حيث المناصب الحكومية في المحافظات يتولاها أفراد من الشمال ومن قبيلة حاشد وسنحان خصوصاً. كما جرى إقصاء وتهميش الكثير من الخبرات الأمنية والعسكرية والمدنية عبر عملية التقاعد وهذه الأخيرة تم تعميمها على الخبرات الكبيرة في مجال القضاء والإدارة من أبناء مدينة تعز.

وبشكل عام يمكن لبعض الأفراد والمجموعات أن تعتمد خطاب يعزز النزعة الانفصالية خاصة إذا تم دعمهم مالياً من دول إقليمية أو دولية ولكن الغالبية العظمى من أبناء الجنوب تؤمن بالوحدة اليمنية بدلالاتها الوطنية أكثر من غالبية سكان الشمال والشمال الشرقي خصوصا .

آفاق: كيف تقرأ العلاقة اليمنية السعودية والدور السعودي في اليمن؟

الصلاحي: بشكل عام يمكن القول السعودية قريبة جداً مما يجري في اليمن من أحداث وانتكاسات أو حروب أو تراجع في المسار الديمقراطي فهناك الكثير من عناصر النخبة السياسية اليمنية يرتبطون بمصالح مع السعودية منذ سنوات ماضية. والعلاقة بين اليمن والسعودية لم تتحسن إلا شكليا لكن المهم هنا هو أن تأثير السعودية على صناعة القرار السياسي استناداً إلى مجموعات قبلية وأصولية موالية لها لايزال حاضرا ويمكن تتبعه بسهولة. ولعل أحداث صعدة الأخيرة كشفت عن أدوار خليجية سعودية وقطرية كما هي إيرانية وليبية وغير ذلك . وبكلمة موجزة السياسية الداخلية اليمنية تعتبر معطي إقليمي ودولي أكثر مما هي معطي محلي.

آفاق: نأمل أن تعطينا رأيك في الأداء السياسي لكل من :المؤتمر الشعبي العام – الحزب الحاكم 

- الصلاحي: أداؤه السياسي هزيل نتيجة لتشكل المؤتمر باعتباره تجمع فضفاض وليس حزبا متبلورا في رؤية سياسية وهيكلية تنظيمة محددة المهام والترتيبية فهو يعتمد كلياً على رأي الرئيس (رئيس الجمهورية هو ذاته رئيس المؤتمر) وقراراته ولايستطيع أي قيادي في المؤتمر أن يبت في قضية دون الرجوع إلى الرئيس . ولأنه حزب الرئيس فالكثيرين من قياداته وأعضائه ارتبطوا به وفقاً للمصالح الشخصية والمكتسبات المادية التى يحصلون عليها، وبشكل عام أداؤه السياسي متدني لضعف الكوادر ذو الخبرة والمهارات السياسية والكثير من أدائه السياسي مماحكات مع أحزاب المعارضة .

الحزب الاشتراكي اليمني (منفرداً) : يعتبر الحزب الاشتراكي اليمني رمانة الميزان التى بدونها تسوء أوضاع البلاد كلها فوجود الحزب الاشتراكي يشكل ضمانة لاستمرار الديمقراطية والوحدة. فقد كانت الديمقراطية شرطاً اشتراكياً لإعلان الوحدة، وأداؤه السياسي يتصف ببعض الحيوية والانفتاح على مختلف القوى السياسية خاصة التيارات الدينية التى كانت مناوئة له ولكن ضعف ادائه في المجال العام وضعف ارتباطه بالكثير من الفاعليات المدنية ترجع الى المبالغة في تمركزه الذاتي لإعادة بناء الحزب كما يقال نتيجة ما اصابه من حرب 94 وكان ادائه ضعيفا في الانتخابات المحلية والبرلمانية الأخيرة.

وأتمنى على الحزب أن يسارع في تطوير مساره السياسي منفرداً لخلق تلاحم موسع مع مختلف القيادات والقوى الجمعوية والمثقفين ونشطاء المجتمع المدني ومن ثم تزعمه لتكتل قوى التحديث والديمقراطية . وبكلمة واحدة أقول إذا غاب الحزب الاشتراكي أو تم تغييبه فإن مستقبل اليمن السياسي سيكون كارثياً .

حزب التجمع اليمني الإصلاح (منفرداً) : أداؤه السياسي لم يتغير كثيرا في أساليبه الملتوية فهو يضع قدما في المعارضة وقدما أخرى مع السلطة، يتحاور مع الأحزاب ذات الايدولوجية التحديثية مثل الاشتراكي والناصري والبعث ولكنه لايزال يلعب في الشارع وفق ايودولوجيا اصولية منغلقة تكرس التجهيل والتخلف ويتعمق ذلك بتحالفاته العميقة مع القيادات القبلية ووفق منطقها القبلي، وما يحسب للاصلاح ان استطاع تجنب ضربة كبيرة كانت ستوجه له من السلطة ومن الخارج بعد احداث سبتمبر واستطاع أن يحقق حضورا في اللقاء المشترك حيث هدف من تواجده في هذا التجمع المعارض أن يبعث برسائل إلى من يهمه الأمر في الداخل والخارج أنه حزب يجدد ايدولوجيته ويعارض العنف ..

لكن هذا الحزب لم يقم بمراجعة جادة ومسؤولة لتاريخة السابق للوحدة حين كان يعمل كجماعة في اطار السلطة الحاكمة ولم يعتذر عن تكفيره للمجتمع ورموزه خاصة في مرحلة ماقبل الوحدة وفي حرب 94 ولايزال حزب الاصلاح يحظي باتساع قاعدته فهو يسيطر على عدد من النقابات والجمعيات الاهلية ولديه قدر كبير من التمويل اللازم للعمل الحزبي. لكن المسار التحديثي للحزب لايزال ضعيفا وتاكيد ذلك في رفضه السماح للمرأة بان تترشح للانتخابات البرلمانية.

أحزاب اللقاء المشترك (مجتمعة). هذا التجمع المعارض الذي تشكل بعد عام 97 في إطاره العام يعتبر تجربة جديدة من حيث أنه يتضمن أحزاباً يسارية وقومية وإسلامية كانت في الأمس القريب تتصارع وتتبادل التهم بالتكفير والخيانة والرجعية ولعل أهم ملمح للقاء المشترك إنه يمثل خطوة أولى نحو التحول من الايدولوجيا الى السياسية بمنطقها البراجماتي، وهو يمثل ادراكا اوليا لم تكتمل محدداتع في اطار الوعي بمخاطر اللعبة السياسية التى يلعبها الحزب الحاكم.

وأهم المآخذ على اللقاء المشترك أنه لم تتفق أطرافه على القضايا الاستراتيجية التى ترتبط بالدولة والمجتمع ومن ذلك اعتماد أجندة سياسية تستهدف بناء الدولة المدنية ولوازمها الدستورية والقانونية وما يتضمن ذلك من تجدبد للنظام التعليمي والخطاب الديني ، فلا تزال لقاءات وممارسات اللقاء المشترك تقف عند الاهتمام بالأبعاد الفنية للانتخابات. ولكنه مع ذلك ووفق طبيعة التطور السياسي اليمني الذي يشهد محاولة للبناء الديمقراطي في مجتمع تقليدي يعتبر اللقاء المشترك محاولة لبناء تحالفات سياسية وفق متغيرات محلية ودولية تم الاستفادة من بعض القراءات لهذه المتغيرات . والأكثر استفادة من اللقاء المشترك هو حزب الإصلاح.

بشكل عام يمكن القول أن اللقاء المشترك يعتبر تجربة في مسار التحالفات الحزبية وفق منطق التحول من الأيدلوجي إلى السياسي ولو بشكل مؤقت.

آفاق: كيف تقرأ الحراك السياسي الذي يسبق الانتخابات النيابية المقبلة وهل تتوقع مقاطعة المشترك، وكيف برأيك سيمكن تمريرها في الجنوب في ظل الحراك المتصاعد؟.

الصلاحي: المشهد السياسي العام الذي يسبق الانتخابات لايعكس حراكاً فاعلاً على الأقل من قبل أحزاب المعارضة في اللقاء المشترك فحتى يومنا هذا (نهاية أكتوبر2008) اتسم دور المعارضة بالضعف والموسمية وعدم تحريك الشارع بل وعدم الاستفادة القصوى من الأصدقاء إقليمياً ودولياً ولا يزال الموقف الخاص بكل حزب عائم وملتبس بالرغم من اللقاء المشترك أصدر بيانا منذ أسبوعين يدعو إلى المقاطعة. ومن قبل الأحزاب المقاطعة أو المشاركة في الانتخابات ولكن في كلتا الحالتين لابد من إدراك ووعي كاملين بأن المشاركة أو المقاطعة تتطلب فعلاً سياسياً يغير من طبيعة التحالفات الاجتماعية والسياسية ويحاول خلق توازن مجتمعي وسياسي مع الحزب الحاكم .

وأعتقد أن إقرار المقاطعة له ملا ايجابية إذا ما تم النظر إلى المقاطعة كفعل سياسي إيجابي يتطلب حملات دعائية ومهرجانات خطابية ولقاءات مع مختلف القوى السياسية وحشد الدعم لإبراز الدلالات السياسية والثقافية والاجتماعية للمقاطعة . وأعتقد أن الحزب الحاكم سيواجه بانتكاسة في مشروعيته الشعبية حيث المقاطعة ستظهر مناطق ريفية وحضرية واسعة غائبة عن الانتخابات والرهان هنا على المحافظات الجنوبية كاستمرار لحراكها السياسي والاحتجاجي يكون الغياب في الانتخابات جزءاً مكملاً وهو الأمر الذي سيكون له دلالاته وأصداؤه محلياً وخارجياً .

آفاق: هل انتهت الحرب مع الحوثيين وكيف تقرأ مستقبل صعدة؟.

الصلاحي :لا أعتقد أن الحرب مع الحوثيين قد انتهت ربما انتهت المعركة/ الجولة الرابعة ذلك ان أسباب الحرب الحقيقية لاتزال غائبة ولم يتم الافصاح عنها، ولا توجد مشكلة لدى الحزب الحاكم في أن يطلق عليهم مخربين ومتمردين تارة وتارة أخري الجماعات الضالة وتارة ثالثة المأجورين والعملاء تارة رابعة . فهذه الحرب عبثية في كل جولاتها وأسبابها إذا ما اعتمدنا المنظور الوطني، لكن الواقع يظهر استفادة جماعات كثيرة ولاتزال مصلحتها في تاجيج الحرب مرة اخرى.

ولعل مستقبل صعدة في الاستقرار والتنمية يرتبط بوعى القيادة السياسية وإدراكها لخطورة الحروب الأهلية وإثارة النعرات المجتمعية ومن ثم فإن اعتماد سياسة مصالحة وطنية في صعدة وفي الجنوب هو الأمر الذي نعول عليه في الخروج من نفق الأزمات المتكررة إلى فضاء عام يتحقق فيه مصالح الشعب وتطلعاته.

آفاق: كيف تقرأ تأسيس هيئة الفضيلة أو ملتقى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

الصلاحي: كان إنشاء هذه الهيئة بمعرفة من الدولة والحكومة (وخاصة أجهزتها الأمنية) وربما تم السماح بتشكيلها لاستخدامها سياسياً في عمليات الصراع السياسي القائمة والمحتدة بين الحزب الحاكم واللقاء المشترك وخاصة حزب الإصلاح . ومن جانب آخر يمكن قراءة تشكل هذه الهيئة بتفعيل المجموعات التابعة للسعودية والوهابية كمذهب وفق المنظور السعودي لتوسيع فضاءها إقليمياً بعد أن تم محاصرتها في الداخل السعودي من قبل الأمريكان، بل وحتى المجتمع السعودي نفسه ذاق ذرعا بهذه الهيئة ونشاطها الأقرب إلى نشاط الشرطة الدينية.. ولعل تشكل هذه الهيئة في اليمن هو علامة انهيار المشروع المدني للدولة الذي أعلنته دولة الوحدة ونص عليه دستورها .

آفاق: الحديث عن صراع بين مراكز قوى الحكم في اليمن لم يعد سراً وكثيراً ما يُربط هذا الموضوع بمسألة توريث الحكم ما مدى حقيقة هذا الصراع ؟ وهل التوريث ممكن؟.

الصلاحي: من الأمور السائدة في جميع الدول ظهور صراع خفي ومعلن بين أجنحة الحكم ويتزايد هذا الأمر في الدول غير المؤسسية والتى لاتزال بنية الدولة والياتها الدستورية غير فاعلة واليمن من هذا النوع حيث الدولة لاتزال غائبة المعالم الحداثية فلم يكتمل نموها تنظيمياً ولا مؤسسياً والبعد القانوني ضعيف في إثبات وجودها مقابل قوة القبيلة والعلاقات الجهوية .

والصراع في اليمن حول التوريث وحول حصة بعض المجموعات الداخلة في التحالف الحاكم أمراً معلناً في الساحة اليمنية وتكتب عنه مختلف الصحف باستمرار، والواقع الثابت أن التوريث أمر ممكن تحقيقيه وفق الملامح السياسية القائمة حالياً .

آفاق: مارأيك بظاهرة الرمزية الجنوبية الجديدة خاصة إن القيادي حسن باعوم استقبل بعد الإفراج عنه كما لم يستقبل أحدُ من قبله؟

الصلاحي: أعتقد أن الرموز الجنوبية ظلمت كثيراً سواءً من قبل أبناء الجنوب أنفسهم أو من قبل الدولة والمجتمع العام في اليمن ولعل العودة الى رفع صور الرموز والقادة السياسيين مثل على سالم البيض وعبد الفتاح إسماعيل إنما هو حنين الى مرحلة تشكلت فيها الحالة الجنوبية كشخصية سياسية فاعلة وكنوع من تانيب الضمير حيث التنكر لهذه الرموز ودورها التاريخي بالرغم من المآخذ التى يمكن أن نآخذها عليهم ..

ولعل اعادة رفع صور عبد الفتاح إسماعيل إنما تعبير سياسي وثقافي لرغبة في إعادة الزخم السياسي براديكاليته السابقة ولكن في فضاء مجتمعي أوسع.

الجدير بالذكر إن مناطق الجنوب من عدن الى حضرموت أدركت متأخراً أهمية تعظيم رموزها السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية أيضا وهناك شواهد عملية عديدة على ذلك منها استقبل باعوم والمساندة له، المظاهرة الاحتجاجية ضد نزع اسم بلفقيه من أحد المراكز الثقافية التابعة للدولة وإصرارهم على إعادة الاسم وصورة بلفقيه (الفنان). وتزايد الظهور لرموز التدين والتصوف من تريم وسيؤن ...إلخ .

آفاق: هل ترى أن ثمة مستقبل لتيار ليبرالي يمني خاصةً مع وجود ظواهر فردية؟

الصلاحي: بشكل عام يمكن القول أن اليمن منذ الخمسينات وحتى اليوم لم يتشكل فيها تيار ليبرالي كما هو الحال في المجتمع المصري بل شهد اليمن ظهور أفراد ومجموعات لها خطاب ليبرالي كان لها صوت وحضور ملموس في الخمسينات ثم غاب خلال الدول الشطرية ومع دولة الوحدة ظهرت مجموعات وأفراد تعبر علناً عن مبادئ الليبرالية اقتصاديا وسياسيا لكنها لاتزال مجموعات قليلة العدد وغير منظمة في اتحاد أو هيئة أو حتى في حزب ..

وأعتقد أن المستقبل القريب (عشر سنوات) سيظهر تشكل حزب ليبرالي خاصة مع تزايد الدعم الغربي للتحولات الاقتصادية صوب اقتصاد السوق وهذا التحول لابد له من حامل اجتماعي يصيغ ذلك التحول في أرض الواقع ويدافع عنه . مع العلم إن المشهد السياسي اليمني يزخر بأفراد عديدين لهم قناعة بالفكر الليبرالي .

آفاق: كيف تقيم وضع المرأة في اليمن وكيف تقرأ حالة الاستقطاب السياسي إزاءها؟

الصلاحي: تحسن وضع المرأة اليمنية في الشكل العام من حيث تطوير بعض التشريعات والقوانين وتزايد الحماس لقضاياها في الخطاب الرسمي والحزبي لكن واقع الحال لاتزال المرأة ترزح تحت ضغوط اجتماعية واقتصادية وسياسية عديدة ولاتزال القوى الحزبية تتعامل مع المرأة بشكل انتهازي ووفق منطق براجماتي يحصر المرأة في صوتها اثناء الانتخابات ولعل اكثر الاحزاب حشدا لاصوات النساء حزب الاصلاح والمؤتمر الشعبي.

وبالرغم من توقيع ومصادقة اليمن للكثير من الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة الا ان البعد الاجتماعي بمنظومته الثقافية القبلية هو الناظم الرئيسي لسلوك الدولة والحكومة وسلوك غالبية الاحزاب خاصة ذات التوجه الاسلاموي. ولايزال امام تمكين المرأة سياسي الكثير من الكوابح والمعوقات بما في ذلك غياب الارادة السياسية في الحكومة من أن تزيد حجم النساء في مختلف دوائر صنع القرار.

أما المرأة اليمنية ذاتها فغالبية توجدها في الريف وهى تعاني من الأمية والفقر والارتباط بالاعراف والتقاليد القبلية والقيادات النسوية في المدن والتي تسيطر على المؤسسات الرسمية الناطقة باسم المرأة هي المستفيدة بشكل مباشر من هذه المؤسسات ماديا ومعنويا كمان المنظمات الأهلية التي تأسست من أجل دعم المرأة وتمكينها هي المستفيدة دون غيرها من التمويل الخارجي والمحلي وأصبحنا نشهد في اليمن نخبة نسائية تحتكر العمل العام والتعبير عن قضايا المرأة من أجل مصالحهن الشخصية فقط بل وان عملهن يصب في خانة الأعمال المناوئة لغالبية النساء في المجتمع .

آفاق: كيف تقيم وضع القبيلة في اليمن وحالة المجتمع المدني في المقابل؟

الصلاحي: من المعروف أن المجتمع اليمني مجتمع تقليدي يتسم بفاعلية البني القبلية والعشائرية وبالرغم من أن خطاب الدولة نحو بناء مؤسسات الدولة والمواطنة الا أن الواقع العملي يشير إلى اتجاه الدولة نحو إعادة إنتاج القبيلة وتفعيل دورها في المجال السياسي والاجتماعي. خاصة استخدمها في الصراع السياسي القائم مع المعارضة. ومعنى ذلك ان القبلية ليست قوية بذاتها إنما يتم إعادة إنتاجها بشكل مقصود ومايرافق ذلك من تعميم منظومة الثقافة القبلية وهذا كله يشكل ضدا لمسار الدولة المدنية ومنظومتها في الثقافة السياسية.

وهذا التوجه يقصد به إضعاف مؤسسات المجتمع المدني الناشئة والتخوف منها مقابل ضمان الاعتماد الى القبيلة. ويشهد الواقع اليمني صراعا بين التقليدية والتحديثة من خلال الفاعلين في المؤسسات الحزبية والجمعوية والفاعلين في المؤسسات القبلية. وبالرغم من تزايد حجم التنظيمات الحزبية (22 حزب وتنظيم) والتنظيمات الجمعوية (6300) جمعية ومنظمة إلا أن فاعلية هذه التنظيمات الحديثة لايزال متدني وصوتها غير مؤثر في السياسة العامة لكن الشئ المؤكد هو ظهور نخبة من المثقفين وأفراد الطبقة الوسطى يرغبون في بناء الدولة المدنية يلعبون أدوراً سياسية وجمعوية (محامين، صحفيين، نساء، الخ) ولهم حضور نسبي في الساحة اليمنية وفي المنتديات الإقليمية والدولية. ((يمكن الرجوع لمزيد من الاطلاع في هذا الشأن : فؤاد الصلاحي / ثلاثية الدولة والقبلية والمجتمع المدني /مركز المعلومات – تعز-/ 2002 )).

آفاق: كيف تقرأ مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي وموضوع المفاوضات مع سورية؟

الصلاحي: لا يمكن القول بوجود أفق في مسار المفاوضات مع اسرئيل فلسطينياً أو سورياً والحل النهائي لايزال غير محدد مساره وزمانه.

واللعبة السائدة هي كسب الوقت ضمن الصراع السياسي القائم بين الاحزاب الاسرائيلية لان مفوضات إسرائيل مع سوريا يرمي مشكل مباشر الى فك الارتباط بين سوريا وايران وفك الارتباط بين سوريا وحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين وان المفاوضات التي تجري حاليا تتم دون غطاء دولي داعم وضامن لمخرجاتها. علما بأن إسرائيل تنكرت لكل الاتفاقات مع الفلسطينيين وإسرائيل هي الرابح الاول والاساسي من الصلح مع مصر والأردن سياسيا واقتصاديا وأمنيا وأتمني على المفاوض السوري إدراك كل سلبيات التفاوض العربي مع إسرائيل وأخذ كل الضمانات الدولية من خلال إشراك القوى الفاعلة أوروبيا وروسيا إضافة إلى الحليف الرئيس لاسرائيل امريكا وأن لا يكون التفاوض وفق ينبغيات ووعود بل وفق حراك على أرض الواقع ووفق رؤية استراتيجية تحسب للتوازن العسكري حسابه.

آفاق: ما رأيك بالرهان على سقوط وشيك لهيمنة القطب الواحد في العالم وتعدد الأقطاب؟

الصلاحي: هذه المراهنة ليست إلا من خيال العرب المريض فالتغيرات الدولية التي أفسحت المجال لأمريكا كقطب أوحد تتزايد مساحتها كل يوم وان الأزمات الاقتصادية والعسكرية التى تتعرض لها أمريكا لا يعني بأي حال من الأحوال غياب الحضور الأمريكي لأن التوازن الدولي وفق ظهور قطب أو أقطاب أخرى لا يزال أمامه عدة سنوات وان هذه القطب أو الأقطاب الأخرى في حال ظهورها ستكون أمريكا مساعدة في هذا الحضور والأهم من هذا كله حتى لو ظهرت أقطاب تنافس أمريكا ستعمل جميعها في إطار الاقتصاد الرأسمالي وأيدولوجيته وبنفس المحددات التنظيمية والمؤسسية السائدة.

الجدير بالذكر اننا في الوطن العربي من مصلحتنا دعم ظهور أقطاب أخرى تخلق توازناً مع أمريكا في الشأن السياسي والاقتصادي العالمي وخاصة توازن في حل الصراعات الاقليمية. ولكن هذا لايزال في إطار التمني والرغبة وهو أمر مجانب لمنطق السياسة والاقتصاد وفق منطقهما العقلاني والبراجماتي النفعي. وهنا أقول إن العولمة بما أحدثته من متغيرات في العالم وانكماش لمفهومي الزمان والمكان في إطار القول بقرية كونية هذا الأمر كله لا يقتضي منا معشر العرب الانكفاء والانعزال بل يقتضي الحضور الفاعل للأفراد والدولي والمنظمات حتى يكون لنا صوت مسموع وحتى نستفيد من المتغيرات الدولية الأمر الذي يعزز وجودنا الحضاري والإنساني


في الأحد 09 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 11:58:28 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=4404