|
أعلن بيان للبيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان قد أجرى اتصالا هاتفيا بخليفة حفتر يوم الاثنين، 15 إبريل/ نيسان.
وبحسب البيان، فقد اعترف ترامب "بدور القائد العسكري حفتر في محاربة الإرهاب وتأمين حقول النفط الليبية، كما ناقش ترامب وحفتر الرؤية المشتركة لتحول ليبيا الى نظام سياسي ديمقراطي مستقر."
اللافت في القصة هو أن الإعلان قد جاء الجمعة، أي بعد 4 أيام على الاتصال، الأمر الذي لم يبرره بيان البيت الأبيض، لكن الأمر لا يحتاج إلى كثير من التحليل، إذ يعكس التأخير قدرا من الخجل حيال الموقف، لا سيما أن الجهة التي يستهدفها حفتر بهجومه هي الحكومة المعترف بها دوليا. والأهم أن البيان لم يذكر مثلا أي شيء يتعلق بالهجوم ووقفه، ما يعني دعما واضحا له.
حين يتم الحديث عن الثورة المضادة في المنطقة العربية، فإن بعضه ينطوي على تضخيم لدور بعض الدول على نحو يجعلها قوىً كبرى، لكنه لا يلتفت مثلا إلى أن ما فعلته وتفعله ضد ربيع العرب، وفي سياق دعم الدكتاتوريات ومطاردة الشعوب لم يكن خارج سياق المنظومة الدولية.
الأكثر إثارة في هذا السياق هو أن ما فعلته وتفعله منظومة الثورة المضادة لا ينسجم مع الرغبة الأمريكية وحسب، بل يناسب من ينافسونها في المجال الدولي أيضا؛ بخاصة الصين وروسيا، والنتيجة أن القوى الكبرى عمليا تقف جميعا ضد ربيع العرب، وأشواق شعوبنا في الحرية.
يحدث ذلك لأنها جميعا تدرك أن هذه الأمة لا تطلب حرية الداخل وحسب، بل تطلب التحرر من سطوة الخارج أيضا، وحين يحدث ذلك سيتم تهديد مصالح الدولة الكبرى مجتمعة، وليس المصالح الأمريكية وحدها.
هنا ينهض البعد الصهيوني في السياق، ذلك أن المصلحة الصهيونية لم تعد موضع خلاف بين تلك القوى، بل هي موضع إجماع، فالعلاقة الصينية الإسرائيلية مثلا تتنامى بشكل ملحوظ، حتى استفزت الأمريكان، ويكاد ترامب يتوسل نتنياهو أن يخفف منها، بينما يحدث ذلك أيضا مع روسيا.
والخلاصة أن ما تفعله الثورة المضادة لا يخدم مصالح الدول الكبرى وحسب، بل يخدم مصالح الكيان الصهيوني قبل ذلك وبعده، ولا وجود لأي قوة أو بطولة أو ذكاء فيما فعلته وتفعله، لا سيما أن أكثره يتم من خلال دفع الأموال لا أكثر، في زمن يبدو المال أكثر تأثيرا في المجال السياسي من أي وقت مضى.
وإذا لاحظنا دخول الثورة المضادة مثلا على خط السودان بعد إطاحة البشير، سنتأكد من ذلك، وكذا المحاولات الجارية فيما يتعلق بالجزائر أيضا، وكل ذلك يتم من خلال سطوة المال.
لم تكن أمريكا في أي يوم مع حريات شعوبنا، وهي دائما كانت تدعم الدكتاتوريات والأنظمة الفاسدة، لكن ترامب يمثل تطورا مثيرا في هذه القصة، إذ يبدو أكثر وقاحة وديماغوجية في التعبير عن هذا التوجه.
وحين ينافسه بوتين والصينيون في هذا المضمار، فسيجعل ذلك مسيرة شعوبنا في سبيل الحرية والتحرر صعبة ومريرة، لكنها قضية حياة أو موت في نهاية المطاف، ومعركة سيتم خوضها بالتدريج وعلى جولات.
على أن الجانب الآخر الذي لا يقل أهمية، ولا يلتفت إليه معسكر الثورة المضادة هو أن هذا التغول الذي يمارسه على الوضع العربي، وهذه الهجمة على أشواق الشعوب في الحرية والتحرر، لن يمرّ دون حساب، فلم يحدث من قبل أن تجرّأت أنظمة على التناقض مع الغالبية الساحقة من الأمة على هذا النحو الذي نتابعه. ومن يراقب مواقع التواصل سيكشف حجم ذلك التناقض، وما يجلبه من مواقف مناهضة لذلك المعسكر ورموزه.
الأمة تراقب، ولن تنسى من يدفنون أشواق شعوبها تحت ركام أموالهم (أموال الأمة في واقع الحال)، فكيف حين تكون مواقفهم متناقضة مع ضمير شعوبهم أيضا، مع قدر كبير من القمع في الداخل أيضا؟
إن حجم القهر الذي يتراكم ضد أولئك في الشارع العربي والإسلامي ليس مسبوقا بحال، لا سيما أنهم يواصلون استفزاز الجماهير بطريقة غير مسبوقة، ويطلقون أبواقهم ليدوسوا على كل قيمة جميلة، بما في ذلك ما يتعلق بقضية الأمة المركزية في فلسطين.
في الإثنين 29 إبريل-نيسان 2019 07:26:10 م