نهاية الوهم الجميل
محمد مصطفى العمراني
محمد مصطفى العمراني
 

قصة قصيرة

عندما رأيت تلك الأزرار الذهبية في جاكيت جارنا التي جاء متدثرا بها على اثر مطر غزير لمعت في ذهني فكرة الاستحواذ على هذا الكنز الثمين ، كنت أرى أن كل ما يلمع ذهبا ، لذا فقد تسللت إلى تلك الأزرار الذهبية ونزعتها كاملة وأخفيتها في مكان آمن ، وبدأت بعدها أفكر في كيفية استثمار هذه الثروة الكبيرة التي هبطت علي فجأة .!

لم أفكر حينها أنني قد سطوت على ذهب جارنا ، قلت في نفسي حينها : ـ لديهم الكثير من الذهب في ملابسهم لكنهم لا يعرفون كيف يستثمرونه .! انتصف الليل ونام الجميع وهدأ كل شيء سوى صرير الجدجد ونباح كلاب من بعيد ، أتقلب في فراشي وأفكر جديا ماذا سأصنع بهذه الثروة الكبيرة ؟! كنت كطفل في العاشرة من عمره وكسب في مسابقة يانصيب مليون دولار دفعة كاملة ، وأستلم المبلغ سرا وأخفاه ولا يدري ماذا يصنع به ؟! هل أشتري مجموعة من الحراثات التي تعمل في الحقول وأوظف عليها مجموعة من العمال الماهرين ثم سأجلس وأستلم الأموال ؟ المشكلة أن أهالي المنطقة كلهم أقاربنا وبالتأكيد كلهم سيسعون لأن نحرث أرضهم مجانا ، أو حتى بنصف القيمة وعليه فلن أحقق الأرباح المطلوبة ، وحتى إذا كسبت بض الأموال سيأتون لطلب القروض مني ، بالتأكيد سأحرج نفسي مع أهلي وأقاربي ، وأنا في النهاية طفل صغير كلهم سيتحولون إلى أوصياء علي .

بعد نصف ساعة من التفكير ألغيت هذه الفكرة ، وقررت التفكير بمشروع آخر .! سأبني مزرعة دجاج كبيرة بطول 5 كيلو تنتج كل يوم ألف فرخة على الأقل ، وسأشتري عشر سيارات للتوزيع على كل القرى والمناطق. وسأبني بجوارها مزرعة للخراف ، سنبيع كل يوم منها مائة خروف ، لكن هذه المشاريع تحتاج إلى جيش من العمال ورواتب وسكن وإدارة ، هذا طبيعي كل مشروع كبير يحتاج لطاقم عمل كبير . وبقيت أفكر في مشاريع شتى حتى بدأت الديوك تصيح مؤذنة بقرب الفجر وحينها تسلل النوم إلى أجفان رجل الأعمال الصغير ونام .!

في الصباح أفقت على سيل هطل علي فجأة ، قمت مذعورا لأجد أمي قد صبت فوقي دلوا من الماء بعد أن ظلت لساعة كاملة تحاول إيقاظي دون جدوى . بدلت ثيابي وكلي ضجر من الإهانة التي تعرضت لها كرجل أعمال لا يقدره أهله ، لكنني صبرت وتحملت فغدا ستظهر مشاريعي وتثمر وسيعرفون قدري .

في المدرسة كنت شارد الذهب أفكر بالمشاريع والثروة والحسابات والإدارة والربح والخسارة ، سألني المدرس : ـ محمد ما هي عاصمة سوريا ؟ أجبته وأنا شارد الذهن : ـ مزرعة دجاج ومزرعة خراف ضج الفصل بالضحك ، انتبهت على ضحكاتهم وعدت إلى الواقع . قال المدرس : ـ ركز يا محمد معنا في الدرس .

بعد قليل عدت بذهني إلى إدارة مجموعة شركاتي وإذا بمدرس الجغرافيا يباغتني بالسؤال التالي : ـ محمد أذكر اسم ميناء سوريا ؟ أجبته وأنا في قمة نشاطي التجاري : ـ عشر حراثات جديدة . ضج الفصل بالضحك . صاح المدرس : ـ أنت لست معنا يا محمد . ـ هاه ، ما هو السؤال يا أستاذ ؟ ـ تعال يا محمد قمت وذهبت إليه وسط نظرات وضحكات الطلاب والطالبات الذين لا يعرفون قدر رجل أعمال سيفخرون يوما أنهم كان زملاء له . بقيت واقفا رافعا يداي للأعلى ووجهي للحائط ، لم تمض سوى لحظات حتى عدت إلى مشاغلي التجارية وأنزلت يداي ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ذهبت إلى الكرسي المخصص للمدرس وبدأت أدير شركاتي ، ، كان المدرس منهمك في الشرح عندما طلبت منه أن يقدم لي كشف حساب بإيرادات هذا الشهر ، تخيلته موظفا لدي ووجهت إليه أوامري .! ضج الفصل بالضحك ، طردني المدرس وألقى بحقيبتي بعدي وأغلق الفصل فحمدت الله أنني قد تفرغت لحساباتي التجارية .!

بقيت لأيام غارقا في مشاريعي الافتراضية ذاهلا عن العالم حولي ، تركت الدراسة وبقيت أدير مشاريعي من المنزل .! تناديني أمي فلا أجيبها ، بين يدي الأوراق والأقلام والحسابات والمخططات ، لقد اعتقدت أمي أنني قد أصبت بالجنون فجعلت تحوقل وتبسمل وترقيني من العين والأرواح الشريرة ومن شر حاسد إذا حسد .

تركتها تمارس طقوسها وتتلو تعاويذها علي وغرقت إلى أذني في مشاريعي التجارية . ذات صباح وبينما كنت غارقا في حساباتي انتبهت لأمي تشكو من نفاذ المواد الغذائية وانعدام السيولة المالية ، قلت في نفسي : ـ كيف تكون والدة رجل أعمال وتشكو ؟!

قررت أن أعطي أمي جزء بسيط من الذهب تسد فيه حاجتها المالية ، ذهبت إلى المكان الذي أخفيت فيه الأزرار الذهبية وجئت بزرار منها وذهبت إليها وهمست إليها : ـ خلاص أمسحي القفر بهذا الذهب وضعته في يدها فنظرت إليه باستغراب ورمت به إلى الأرض قائلة : ـ ماذا أفعل بهذا الزرار ؟ ـ هذا بيعيه وأشتري حاجاتك ـ

ومن قال لك أنه ذهب ؟! جف ريقي وتكركبت أحشائي من الخوف لكنني تماسكت قائلا : ـ كيف مش ذهبت وهو ذهب أصفر مثل الذهب الذي معك تماما ؟! ضحكت أمي وأكدت لي أن هذا صفر ولا يساوي شيئا ، وفجأة انهارت كل شركاتي التجارية ومشاريعي وطموحاتي ، بكيت بحرقة

وسقطت مريضا ، كنت كمن خسر كل أمواله في صفقة بالبورصة ، ومن حسن حظي أنني لم أصب حينها لا بجلطة ولا نوبة قلبية ولا سكتة دماغية .!


في الإثنين 31 أكتوبر-تشرين الأول 2022 07:38:40 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=46131