الفخ الذهبي
محمد مصطفى العمراني
محمد مصطفى العمراني
 

قصة قصيرة

خفق قلبي من الفرحة حين رأيت ذلك القلم الذهبي الفاخر في طريقي .! نظرت أمامي وخلفي ، لا أحد ، أخذته ومسحت بعض التراب الذي علق فيه ووضعته في جيبي .

ورغم فرحي به فقد داهمني تساؤل مخيف

: ـ ماذا لو أن هذا القلم يحتوي قنبلة صغير أو متفجر ؟!

أخرجته وفتحته ثم كتبت به على يدي فتدفق الحبر الأسود ، لقد اطمئن قلبي . جاءني اتصال من صديق ، بقينا نتحدث حتى نسيت القلم .

قبيل منتصف الليل بدأت أحك يدي بشكل بسيط ثم تزايدت الحكة بشكل غريب ، نظرت إلى يدي فإذا هي محمرة وقد بدت تتورم .!

تذكرت القلم . أخذته بخرقة ثم اتصلت بطبيب صديقي ، أخبرته بقصة القلم فأشار علي بالذهاب إلى طبيب جلدية فورا فقد يكون القلم مسموم . سألته : ـ أين سأجد طبيب جلدية في هذا الوقت ؟

صمت قليلا ثم قال لي : ـ لا تخف قد يكون صاحب القلم مصابا بحساسية ، انتقلت إليك بالملامسة ، خذ مرهم مهدئ ، إذا تواصلت الحكة إلى الصباح اذهب للطبيب .

ذهبت إلى الصيدلية أخذت مرهم ودهنت به يدي ، خفت الحكة ، لكن الورم واصل انتشاره ، يدي تثقل ويزداد الورم فيها بشكل مخيف . أصبت بحمى شديدة وغثيان ، تقيأت كثيرا . فمي جاف ولساني كأنه خشبة ، عطش شديد ، أشرب ولا أرتوي .

ليت يدي قطعت ولم تمتد لهذا القلم المسموم ، لقد نصبوا لي فخا ذهبيا بعناية ، اغتيال نظيف .! حين عدت من الحمام لمحت وجهي في المرآة ، وجهي قد تورم هو الآخر وصار ككرة حمراء ، بقع سوداء ظهرت فيه ، نظرت إلى جسمي ، البقع السوداء تنتشر في كل جسمي والورم يتواصل . يبدو أنها ليلتي الأخيرة .!

وكمقاومة أخيرة قررت أن أذهب إلى القاضي الذي يسكن في الطابق الأعلى لينقلني للمستشفى . الوقت متأخر لكنني مضطر ، سأذهب إليه وليكن ما يكون . طرقت الباب بقوة ثم سقطت في غيبوبة ، ولم أعد أذكر ما حدث . في ظهر اليوم التالي أفقت في عالم آخر .

جسدي المتورم ممداً على فراش بسيط على أرض ، في منزل قديم جدرانه من الطين وسقفه من أعود الشجر ، لا أحد بجواري . أدركت أن جارنا القاضي جاء بي إلى هنا حتى أموت بعيدا عنه ، لا يريد أن يلبس تهمة ، قاضي ويعرف القانون وقد أحتاط لنفسه .

حاولت التحرك لكنني لم أستطع ، أجمعت كل قواي لأصرخ لكنني لم أستطع ، كل ما قدرت عليه هو : ـ آآآه لساني ثقيل ، صرت عاجزاً عن الحركة والنطق لكنني ما زلت أرى وأفكر . ـ هل هذا هو الموت ؟ تفكر وترى كل شيء ولكنك عاجز عن الحركة .

عندما أقبلت امرأة عجوز وثلاثة شباب يحملون قدورا مغطاة فرحت لقد تأكدت أنني لم أمت ، ابتسمت العجوز قائلة : ـ أنت بخير ، علاجك سيأخذ بعض الوقت . وأضافت : ـ لا تتوتر ولا تخف ، عليك أن تهدأ ، وأذكر الله كثيرا وأطلب منه الشفاء .

ظننت أنهم جاؤوا بالطعام لكنهم نزعوا ملابسي كلها ، دهنت العجوز جسمي بمادة خضراء لزجة ، ثم وضعت فوقي غطاء خفيف وتركوني ومضوا . أحسست بجسمي يبرد كأنني في ثلاجة ، لقد ذهبت الحكة والحمى والصداع ، لكنني ما زلت أشعر بأن جسمي ثقيل ولا أستطيع أن أحرك حتى أصبع يدي . لقد فرحت بأنني ما زلت على قيد الحياة ، وأنني سأعالج من ذلك السم الغريب ، لكن أين أنا ؟

ومن هذه المرأة ؟ قطعت تساؤلاتي عودة العجوز ومعها امرأة ، أجلستني المرأة ، ثم سقتني العجوز ببطء كأسا من الحليب ثم خرجتا . بعد ساعة عادت العجوز ومساعدتها بكأس من الأعشاب الخضراء لأشربه ، كان مراً لكنني تجرعته ، لو جاءتني هذه العجوز بأي شراب حتى ولو كان بول بقرة لشربته ، أريد أن أتعافى بأي شيء. كانت عيناي تحملقان بالسقف حين مر عنكبوت ، تابعته حتى غاب عن عيني ، بعد دقائق عاد وبدأ ينسج خيوطه فوق رأسي تماما .

عند الظهيرة جاءت بقرص عسل وعليه النحل ، تأخذ النحلة وتضعها على يدي فتلسعني وتموت ، عشر لسعات كل يوم ، وفي اليوم العاشر بدأت أتحدث وأتحرك .

قالت لي : ـ عندما جاء بك القاضي كنت شبه ميت تتنفس ببطء ، كان قلقا مذعورا قال : " الرجل هذا رمى نفسه بباب بيتي ، يبدو أن هناك من سممه أو من يريد أن يلبسني تهمة قتله " . هدأت من خوفه ووعدته أن عالجك . وأضافت

: ـ القاضي صهري زوج بنتي . شكرتها ودعوت لها وبعد أيام بدأت أمشي . لقد تعافيت بفضل الله ثم بعلاج تلك المرأة ، لقد نجوت من الموت بأعجوبة . حينما عدت ورآني الطبيب صديقي صعق وقال وهو غاية الارتباك والدهشة : ـ أكيد تعالجت في ألمانيا ؟

وأضاف : ـ مش معقول أن عندنا مستشفيات حديثة تعالج ذلك السم الخطير . قلت له : ـ تعالجت في دولة أحدث من ألمانيا ، لقد تعالجت في ريمة .! لم يصدق صديقي الطبيب القصة التي أخبرته بها ، لقد أقسم أنني أمزح ، وما يزال يصر حتى اليوم أنني ذهبت إلى ألمانيا للعلاج .!


في الأربعاء 12 يوليو-تموز 2023 06:17:10 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=46460