|
قبل أسبوعين كانت الصحافة الأمريكية مهتمة بحدث يُفترض أن يكون الحدث هو الأهم في الإعلام العربي- وليس تناوله كحدث عابر وخبر ثانوي - بإعتباره جديد ومثير للشعوب العربية وليس مألوفاً لديها, بل ويعد من المستحيلات العربية.
و الخبر كان حول وقوف الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) بكل ثقة وشجاعة للإعتذار عما أعتبره "زلة لسان" بوصفه لشرطي, أعتقل أستاذ جامعي أسود بناءاً على بلاغ خاطيء, بأنه "غبي", وأُستنفر البيت الأبيض أياماً للرد على المتشككين بمواطنة الرئيس أوباما "بِزَاتُه" على رأي إخواننا المصريين.
فلم يكتف البيت الأبيض بإعتذار الرئيس علناً, لكنه أخذ يفند إدعاءات المتشككين بولادته في كينيا بلد والده, مؤكداً أن أوباما - وبدون ألقاب, لا رئيس ولا فخامة ولا جلالة- مواطن أمريكي, وهو الشخص الوحيد المنشورة شهادة ميلاده على شبكة الأنترنت والتي تؤكد مواطنته الأمريكية.
وذكر البيت الأبيض أن النسخة الأصلية لشهادة ميلاد أوباما خضعت في وقت سابق للفحص من قبل منظمة (فاكست تشيك) غير الحزبية التابعة لمركز السياسة العامة بجامعة بنسلفانيا, وخلًصت – المنظمة- إلى أن "الشهادة تتوافق مع كل المعايير لإثبات المواطنة الأمريكية, وأن أوباما وُلِدَ في الولايات المتحدة الأمريكية كما قال دوماً", وأكدت نتائج فحوصاتها بالعودة لصحيفة محلية بـ(هولونو) نَشَرَ فيها والديه نبأ ولادته في عددها الصادر يوم 13 أغسطس عام 1961م.
وبمقارنة ذلك وواقعنا العربي عامة واليمني خاصة, تكون المفارقة المضحكة المبكية معاً, فلو أفترضنا أن أفراداً من الشعب شككوا بمواطنة حاكم عربي, هل سيقف الأخير أمام شاشات التلفزة وكاميرات الصحفيين للإعتذار عن كوارث ومجازر وفظائع وعثرات وأخطاء وجرائم وإنتهاكات للدستور والقانون, وليس فقط للإعتذار عن (زلة لسان) وإتهام مواطن بالغباء؟.
أثق أنه لن يحدث أي إعتذار مهما كان حجم (الزلة) أو (الكبوة) أو (النَثرَة) وأضرارها على الوطن والشعب عامة أو جزء منه.
وأثق أكثر بأنه لن يتجرأ مواطن واحد, فقط على التشكيك في مواطنة الرئيس, وليس أكبر من ذلك كإتهامه بالخيانة العظمى أو إرتكاب مجازر وإنتهاكات للحقوق والحريات أو الفشل في الأداء والإستئثار بالمال والوظيفة العامة للأقارب والأبناء.
وبالتأكيد فإن (البيوت السوداء) في عواصمنا العربية لن تُستنفر لتفنيد إدعاءات المشككين, بل لإبادتهم مصحوبين باللعنات ومحرومين حتى من قراءة الفاتحة أو معرفة أسرهم بمصير جثثهم, فهم لن يكونوا مجرد متشككين, بل عملاء وخونة ومتآمرين ومطلوبين للعدالة وخارجين على النظام والقانون وحاقدين وموتورين و..و...إلخ.
وعلى عكس مايحدث لدى الآخرين, ففي اوطاننا العربية يُشَكك الحكام بمواطنة الشعوب ويوجهون لهم (جماعات وأفراد) التُهم عبر الخطابات والبيانات والأخبار الرسمية أو أمام القضاء أو بالقتل والإبادة والتجريع والتجويع والإستئثار والعبث بالمال العام وإجهاض مشروع دولة النظام والقانون والمؤسسات.
وبإستقراء الواقع اليمني – كنموذج عربي-, سنجد أنه من المستحيل و(سابع المستحيلات), وقوف أصغر موظف عام أو رجل أعمال للإعتذار عن (نَثرَة) أو كارثة أو مخالفة قانونية أو زلة في حق مواطن, فما بالنا إذا كَبُرَت أحلامنا بإعتذار مسئول بدرجة وزير فما فوق أو شخصية نافذة أو رجال أعمال من (إياهم).
ولو وجد حكامنا أنفسهم مجبرين على الإعتذار (حتى بينهم وبين أنفسهم), فعن أي (زلات) و(نثرات) وكبوات وكوارث سيعتذرون؟, فهي لا تُعد ولا تحصى بفضل حرصهم على خدمة شعوبهم ورفاهيتها, وزهدهم في الكراسي التي تجبرهم الشعوب نفسها على التشبث بها حتى إقصاءهم عنها عبر الإنقلابات العسكرية أو على يد (عزرائيل).
وفي اليمن, عن ماذا سيتم الإعتذار؟, عدم الحد من ثالوث الفقر والجهل والمرض, والإنحراف عن الثورة والجمهورية والوحدة القيم النبيلة التي ضحى أحرار الشعب بالغالي والنفيس لأجلها, أم عن السياسات الفاشلة وإجراءات التجريع والتجويع وممارسات التوريث والنهب والعبث؟.
هل سيعتذرون عن فضائح الكهرباء النووية والسكك الحديدية وتزوير إرادات الشعوب في الإنتخابات, أم إنطفاءات الكهرباء والحرمان من مياه الشرب وأرقام ضحايا وخسائر الحوادث المرورية المتصاعدة وضحايا الأمراض والإنتحار والإختطاف؟, وكيف سيكون الحال بشأن الجنوب وصعدة و..و..إلخ؟.
وهل لنا أن نحلم بإعتذار وتأنيب ضمير- ولو في السر- لعملاق اليمن المهندس \ فيصل بن شملان وأحزاب اللقاء المشترك وحسين الذرحاني عن (النَثرَة الإنتخابية) المتمثلة بإتهام الأخير بالإرهاب, خاصة بعد حصوله على البراءة من قبل القضاء المستقل الذي يمارس واجبه (وفق الطلب)؟.
طبعاً, من السهل على أوباما الإعتذار لمواطن أمريكي, ومن الصعب عليه وإدارته, الإعتذار للشعب اليمني عن جريمة إعتقال الشيخ محمد المؤيد ورفيقه لأكثر من 6 سنوات ومحاكمته وإطلاقه بتسوية تتضمن الإعتراف بدعم (حماس) التي يدعمها الشعب كله.
لكن من الصعوبة بمكان تسليم النظام الحاكم لليمن بأن أي جهود بُذلت للإفراج عن المؤيد وزايد هي من صميم واجب الدولة تجاه مواطنيها, وليست منة أو تفضل من مسئوليها ومنجزاً لهم, وسنزهد عن المطالبة بالإعتذار عن التقصير في حقهما.
في الأربعاء 19 أغسطس-آب 2009 06:07:24 م